تقول صحيفة "فايننشال تايمز" إن واحدا من الأسئلة المهمة التي لم يجب عليها أثناء البحث عن نهاية للحرب الدموية في
سوريا، هو استمرار تحالف المصلحة بين موسكو وطهران.
وجاء في تقرير أعده أليكس باركر وكاثرين هيل، أن منظر التعاون المدهش في العمليات الروسية
الإيرانية في سوريا يتجاوز ما كان بينهما من شك وعدم ثقة قبل قرن من الزمان. فقد تحسنت العلاقات بينهما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولا تزال الدولتان تحتفظان بأهداف طويلة الأمد، وإن كانت مختلفة.
ويكشف الكاتبان عن أن سوريا ستكون على رأس أجندة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما يزور طهران يوم الاثنين، وهي الزيارة الخامسة له خلال الثماني سنوات الماضية، والأولى منذ تولي حسن روحاني السلطة في بلاده.
وتنقل الصحيفة عن الخبير في المعهد الملكي للشؤون الخارجية "تشاتام هاوس" كريستوفر فيليبس، وصفه كلا من إيران وروسيا "بالأصدقاء الأعداء" في سوريا، يقاتلان جنبا إلى جنب لتحقيق أهداف قصيرة الأمد، وكل له أهداف طويلة الأمد مختلفة. ويقول فيليبس: "إيران سعيدة بأن (موسكو) تقول لها: أرسلي بعض الطائرات، وإلا سيكون (
الأسد) في مشكلة. ولكن على المدى البعيد فلن ترتاح إيران؛ لأن سوريا أصبحت مقاطعتها، واستثمروا ( الإيرانيون) كثيرا فيها، والآن جاءت سمكة كبيرة لتنافسهم".
ويشير التقرير إلى أن الآراء تختلف حول توازن المصالح بين موسكو وطهران، بما في ذلك مواقفهما من نظام الأسد. إلا أن مسؤولا أوروبيا قال إن العلاقات بينهما "معقدة وأحيانا غير مريحة"، وهي مهمة لفك السياسة الدولية المليئة بالعقد حول الأزمة السورية.
ويبين الكاتبان أن النزاع حول المليشيات التي رعتها ونظمتها الحكومة الإيرانية، وهي قوات الدفاع الشعبي الموالية للنظام، يعد واحدا من نذر التوترات المحتملة. وهو موضوع أمسكت به الحكومات الغربية؛ أملا بدق إسفين في التحالف الذي نظر إليه على عقبة في طريق تحقيق حل سياسي في سوريا.
وتورد الصحيفة أنه بحسب دبلوماسيين روس وفي منطقة الشرق الأوسط، فقد ناقشت موسكو "فكرة" دمج قوات الدفاع الشعبي مع قوات الحكومة التابعة للأسد، وهي المؤسسة العسكرية التي تقيم علاقات تقليدية مع الروس.
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن الكثير يعتمدون على الطريقة التي ستطبق فيها الخطة، ويشكك الخبراء الروس في سوريا بإمكانية تحقيقها. مستدركا بأن قوات الدفاع الشعبي تشير إلى صراع أوسع مع طهران، التي ترى في المليشيات، التي أنشئت قبل ثلاث سنوات، بدعم من قوات الحرس الثوري الإيرانية وحزب الله اللبناني، أحد طرق التاثير على البلد الذي مزقته الحرب.
ويلفت الكاتبان إلى أن بعض التوتر بدأ يطفو على السطح، ففي يوم الخميس دعا نائب وزير الخارجية الروسي ديمتري روغزين إلى جهود كبيرة من أجل بناء علاقات مع إيران. وقال في حديث تلفزيوني: "لا تستطيع القول بالضبط أن القوى السياسية كلها في إيران توافق على فكرة تحول
روسيا إلى شريك استراتيجي. وعليه فإن علينا القيام بعمل جدي فيما يتعلق بهذا".
وتذكر الصحيفة أن روسيا قامت بإقناع القوى الإقليمية الأخرى كي تقبل بدور إيراني في المفاوضات حول مستقبل سوريا. مبينة أنه بعد أشهر من المباحثات والضغوط، كانت مشاركة إيران في مباحثات فيينا هذا الشهر خطوة تشير إلى التقدم.
ويستدرك التقرير بأن دبلوماسيين قالوا إن بوتين قدم بعض "المحليات"؛ للحصول على دعم السعودية، بالتحديد لمشاركة إيران في المحادثات. وقال دبلوماسي شرق أوسطي: "أشار الروس إلى أن عملياتهم العسكرية في سوريا، ودورهم البارز في العملية السياسية، سيكونان بمثابة توازن قوة مع إيران".
ويورد الكاتبان أن بوتين حاول تطمين إسرائيل بأن مشاركة بلاده في الحرب السورية، واتفاقها مع إيران لتزويدها بنظام صواريخ دفاعي "أس- 300"، لن يعرض إسرائيل لخطر صواريخ حزب الله من الأراضي السورية.
ويفيد التقرير بأن هناك خلافات أخرى، ومنها المصالح السياسية والجغرافية، فروسيا ترتبط بشكل كبير مع النخبة العلمانية للنظام، خاصة المؤسسة العسكرية. وتدير مصالحها من الساحل الغربي للبلاد، أي من قاعدة طرطوس البحرية، وعبر مناطق العلويين واللاذقية، التي تنطلق منها الطائرات الروسية. أما إيران فتتركز مصالحها في الجنوب، خاصة الممر الذي تزود من خلاله حزب الله بالسلاح. ولا تهتم بمؤسسات الدولة، قدر اهتمامها بتطوير مليشيات الدفاع الشعبي.
وتوضح الصحيفة أن التحالف الغربي يأمل بشق التحالف الروسي الإيراني، من خلال تباين المواقف الروسية الإيرانية من الأسد. مشيرة إلى أن قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري، أثار دهشة الجميع، عندما قال إن التدخل العسكري الروسي في سوريا يهدف إلى خدمة أغراض موسكو، "وقد لا تهتم موسكو ببقاء الأسد، كما نهتم نحن".
وينوه الكاتبان إلى أن موسكو ترفض أي إشارات إلى وجود خلافات بينها وبين طهران. فقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موقف بلاده من مصير الأسد لم يتغير، وحذر من محاولات الغرب جعل رحيله شرطا لتسوية سياسية. وعلق الدبلوماسي الروسي السابق في طهران نيكولاي كوزانوف قائلا إن "تصريحات مثل تلك التي أطلقها جعفري، لا تعبر إلا عن أقلية، والساسة الأيرانيون الذين يحددون الخط السياسي متوافقون مع روسيا في موضوع الأسد".
وبحسب التقرير، فإن موسكو تعي أن إيران تسير نحو طريق في علاقات طويلة الأمد باتجاه الغرب، وأصبح هذا أمرا مثيرا لقلق روسيا، بعد توقيع الاتفاق النووي هذا العام.
وتختم "فايتتشال تايمز" تقريرها بالإشارة أنه نتيجة لهذا، فإن روسيا لن تقوم باتخاذ خطوات تؤثر على تحالفها مع إيران في المدى القريب. وكما يقول كوزانوف: "قد تنحرف الدولتان عن بعضهما البعض في المستقبل، وفي الوقت الحالي تظل سوريا هي (الصنارة) التي تربطهما معا".