تعد مصر من طليعة دول المنطقة التي بادرت إلى إنشاء برنامج نووي
سلمي في خمسينيات القرن الماضي، إلا أن هذه الخطوة تعثرت مرارا لأسباب عدة، من بينها غياب القرار السياسي.
وانتقد عدد من المراقبين توقيع مصر اتفاقية مع روسيا الخميس الماضي لإقامة أول محطة نووية، في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المضطربة التي تمر بها مصر والمنطقة، وغياب الشفافية والمعلومات حول بنود الاتفاقية.
نقص الطاقة يهدد بتوقف الحياة
يقول مدير عام الهيئة العربية للطاقة الذرية سابقا، محمود بركات، إن المشروع تعطل منذ بدء التفكير فيه: "فالأمريكان لم يرغبوا في إنشاء مفاعل نووي بمصر، فيما ضغطت إسرائيل بقوة على "مبارك" الذي قام بتعطيله لسنوات، ولم يفتح الملف إلا من أجل الدعاية لابنه "جمال".
وأكد بركات لـ"
عربي21" أن الحكومة جادة هذه المرة في إنشاء المفاعل، ورأى أن البلاد "ليس بها مصادر طاقة البتة، وعلى وشك التوقف تماما بسبب أزمة الطاقة".
وبشأن اتخاذ مصر الضمانات اللازمة حتى لا يكون المفاعل رهينة لدى الروس، رد بركات قائلا: "لا بد من خوض التجربة، وإلا لن نحققها أبدا، فأنت بحاجة للكهرباء لتشغيل المصانع، وخلال ست أو سبع سنوات ستنتج المفاعلات الأربع نحو 4800 ميجا وات أي ما يعادل أربعة أمثال السد العالي".
مجد سياسي ومغامرة غير محسوبة
أما الكاتب الصحفي، جمال سلطان، فأعرب عن مخاوفه من ضخامة "فاتورة" بناء المفاعل النووي، قائلا "تكلفة المشروع نحو 20 مليار دولار، فكيف سيدفعها الشعب المصري، ونحن في بلد يعاني ماديا واقتصاديا"، متسائلا "هل هي تكلفة عادلة، هل هي أفضل العروض فعلا".
وقال لـ"
عربي21" إن "المشكلة الرئيسية هي غياب أي معلومات أو حقائق بشأن هذا المشروع وهذه الاتفاقية عن الشعب المصري"، مضيفا أنه "في أي مشروع يوجد مناقصات وعروض، من حق الناس معرفة نوع المناقصات التي تمت".
ورأى أن "هناك هاجس كبير يعتري أنصار "الرئيس" عبد الفتاح
السيسي، وهو
صناعة مجد سياسي مبهر على طريقة عبدالناصر لتدشين شرعية جديدة له، فخلال عام واحد سمعنا عن العديد من المشروعات الضخمة والكبيرة، وسط ضجيج إعلامي، لم يلبث أن اختفى".
واعتبر أن الشروع في بناء مفاعل نووي، في ظل وجود اكتشافات كبيرة من الغاز ستدخل حيز التنفيذ خلال ثلاثة أعوام على أكثر تقدير تكفي احتياجات مصر من الطاقة، هو "مغامرة في بيئة غير مستقرة".
فنكوش جديد
بدوره، انتقد مدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية الأسبق، السفير إبراهيم يسري، "غياب المصداقية، والشفافية عن المشروع"، وقال لـ"
عربي21": "لا يمكن الحكم على أي مشروع، في ظل نقص المعلومات التي بها شيء من الصدق والكذب".
ولفت إلى أن "الأمريكان عرضوا عمل 8 محطات نووية للاستخدام السلمي في عدة دول من بينها مصر، من أجل حثها على توقيع معاهدة منع الانتشار، وبعد التوقيع "ضربونا بومبه"،أي لم يلتزموا بوعودهم.
وأكد أن المشروع "يأتي وسط ظروف سياسية واقتصادية مرتبكة للبلاد، إلا أن الانطباع العام عن المشروع قد يكون "فنكوش" جديد مثله مثل باقي المشروعات الكبرى الأخرى التي تم الإعلان عنها"، مشيرا إلى أنه "من باب أولى معالجة ملف الحفاظ على حصة مصر في مياه النيل مع إثيوبيا".
ممانعة غربية قديمة
وعلى الرغم من مضي نحو ستة عقود على إنشاء أول مفاعل نووي بحثي في مدينة أنشاص بمحافظة الشرقية بقدرة 2 ميجا فقط، اعتبر مستشار هيئة المحطات النووية، نائب رئيس مجلس أمناء مصر للطاقة، إبراهيم العسيري، أن "تأتي متأخرا خيرا من أن لا تأتي مطلقا".
وقال لـ"
عربي21": "التأجيل كان لظروف سياسية، فالغرب وإسرائيل مانعوا بقوة امتلاك مصر مفاعلات نووية، حتى وإن كانت لأغراض سلمية، وقد فرضت الولايات المتحدة شروطا مجحفة إبان عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، ولكنه رفضها".
التنوع في مصادر الطاقة
وعلى الرغم من المخاوف التي أبداها البعض بأن مصر ليست جاهزة لمثل هذا المشروع، أكد نائب رئيس هيئة الطاقة الذرية، ليلى فكري، لـ"
عربي21": "ليس هناك مخاوف جدية من المفاعل؛ فهناك كوادر مدربة، ومصر لديها خبرة بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي".
ورأت أنه من الضروري "التنوع في مصادر الطاقة، وعدم الاعتماد على المصادر التقليدية"، لافتة إلى أن البعض تحدث عن الطاقة الشمسية كبديل إلا أن "إنتاجها مكلف، ولا تغطي مناطق واسعة".
في عام 1981 أصدر الرئيس الأسبق، محمد أنور السادات، قرارا جمهوريا بتخصيص منطقة في مدينة الضبعة، بمحافظة مرسي مطروح الساحلية، بطول 15 كيلومترا، وبعمق 3 كيلومترات، لتكون موقعا لإقامة محطة للطاقة النووية في مصر.