نشر موقع "ميدل ايست آي" البريطاني تفاصيل وثيقة خطيرة قال إنه انفرد بالحصول عليها، وتكشف تفاصيل خطة
الإمارات لحكم
مصر والسيطرة عليها والهيمنة على مقدراتها.
وكشف الموقع البريطاني الوثيقة بالتفاصيل عبر تقرير مطول بالإنجليزية ترجمته "
عربي21"، إلا أن الوثيقة التي يدور الحديث عنها تعتبر الأهم والأخطر والأكثر إثارة في العلاقة الغامضة بين مصر والإمارات منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه الجنرال عبد الفتاح
السيسي في تموز/ يوليو 2013 بتمويل إماراتي ودعم وتخطيط من أبوظبي.
وقال موقع "ميدل إيست آي" إنه اطلع على وثيقة تحدد معالم استراتيجية الإمارات للسيطرة على مصر، حيث أن الوثيقة المصنفة على أنها بالغة السرية أعدت خصيصاً لعناية ولي عهد أبو ظبي
محمد بن زايد آل نهيان وتقول بأن "دولة الإمارات العربية المتحدة بدأت تفقد الثقة بقدرات رئيس مصر عبد الفتاح السيسي على خدمة مصالح هذه الدولة الخليجية".
وتشتمل الوثيقة المؤرخة في الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر والتي قام بإعدادها مجموعة من الفرق التي تعمل لدى محمد بن زايد على اقتباسين أساسيين يشرحان ما يشعر به محمد بن زايد من إحباط تجاه السيسي، والذي تم دعم انقلابه وتمويله من قبل الإمارات والسعودية بمليارات الدولارات.
ومن النصوص المقتبسة التي وردت في الوثيقة ما يلي: "يحتاج هذا الشخص لأن يعرف بأنني لست صرافاً آلياً". وفي موقع آخر، تكشف الوثيقة عن الثمن السياسي الذي ترغب الإمارات في تقاضيه إذا ما استمرت في تمويل مصر.
والاستراتيجية القادمة قائمة ليس فقط على محاولة التأثير على الحكومة في مصر بل السيطرة عليها والتحكم بها. ولذلك تم تلخيص هذه الاستراتيجية في العبارة التالية: "الآن سأعطي، ولكن سأعطي بشروطي. إذا كنت أنا الذي يعطي فأنا الذي يحكم".
ومن المعروف أن مصر، التي حاولت مؤخرا إعادة تقييم الجنيه المصري، تعتمد بكثافة على المال الذي يردها من الإمارات، والتي أصبحت أكبر مستثمر أجنبي في مصر. وكان رئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قد كشف في المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في شهر آذار/ مارس في شرم الشيخ بأن الإمارات العربية المتحدة قدمت لمصر حتى ذلك الوقت 13.9 مليار دولار وتعهدت بتقديم 3.9 مليار دولار إضافية. ويعتقد بأن إجمالي ما حصل عليه السيسي من دعم مالي من الإماراتيين يصل إلى 25 مليار دولار، أي ما يعادل تقريباً نصف إجمالي ما قدمته دول الخليج مجتمعة لمصر.
ولم يبق (في البنك المركزي المصري) سوى 16.4 مليار دولار، ومن هذه المبالغ لا يوجد سوى 2.5 مليار على شكل ذهب، وذلك بحسب ما صرح به مسؤول مصري سابق تحدث إلى موقع "ميدل إيست آي" مشترطاً عدم التصريح بهويته. وأما الباقي فهو على شكل قروض. وهذا لا يكفي للوفاء بمتطلبات استيراد السلع الأساسية لمدة شهرين.
وتثير الوثيقة، التي اطلع عليها موقع "ميدل إيست آي" حصرياً، التساؤلات حول ما إذا كان محمد بن زايد يحصل على عوائد مناسبة عن استثماراته تلك، كما تكشف النقاب عن حالة من السخط تجاه المسؤولين المصريين الذين ظن الإماراتيون أنهم جندوهم للعمل لصالحهم، لأنه اتضح لديهم بجلاء فيما بعد بأنهم لا يدينون بالولاء للإماراتيين بنفس الدرجة التي كانوا يدينون بها بالولاء للنظام في مصر.
وتقول الوثيقة الاستراتيجية المشار إليها إن على الإماراتيين في المستقبل أن يختاروا شركاءهم في مصر بعناية أكبر، وفي إشارة إلى الحملة التي تشن حالياً في وسائل الإعلام المصرية ضد حاكم السعودية الجديد الملك سلمان وضد ولده محمد – والتي شملت هجوماً على المملكة بسبب الدور الذي تقوم به في سوريا وبسبب ما يزعم أنه السعي السعودي للسيطرة على مصر – تقول الوثيقة إن عليهم أن يوقفوا هذه الحرب الكلامية لأنها تضر بمصالح الإمارات.
مراحل ثلاث
تحدد وثيقة الاستراتيجية ثلاث مراحل للاستثمار في مصر ستبدأ في وقت مبكر من العام القادم، وفي المرحلة الثالثة منها ستسعى الإمارات إلى الانتقال من الممول إلى "الشريك الكامل".
وتقول الوثيقة إنه يتوجب على الإمارات تجنيد وتمويل مراكز البحث والجامعات ووسائل الإعلام في مصر، وتمضي في التصريح بأن هذه الاستثمارات المباشرة ينبغي أن تكون لها استراتيجية واضحة ورؤية واضحة وأنه ينبغي اختبار كل مبلغ مال يدفع مقدماً تحت الحساب للتأكد من الفوائد التي ستجنيها أبو ظبي.
وتفصح الوثيقة بكل وضوح وجرأة عن الطموحات الإماراتية للسيطرة على مصر. ويأتي التصريح بهذا الهدف ضمن الجزء الذي يوصي بثلاث شروط للاستمرار في إنقاذ حكومة السيسي مالياً.
والشروط الثلاثة هي: رفع الدعم عن أسعار مشتقات النفط على مدى الأعوام الثلاثة القادمة وذلك من خلال تخفيض الدعم على ثلاث مراحل بما نسبته 30 بالمائة في العام الأول و 30 بالمائة في العام الثاني ثم 40 بالمائة في العام الثالث، والمطالبة بأن يكون من حق الإمارات وضع الاستراتيجية الخاصة بسعر الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي، وهو ما يعني فعلياً التحكم بالسياسة النقدية لمصر، وتخفيض عدد موظفي القطاع العام (البيروقراطية). لا يخفى على أحد أن كل واحد من هذه الشروط يتعلق بالسياسة المحلية.
وتكشف الوثيقة بالإضافة إلى ذلك عن مدى إفشال السيسي لأرباب نعمته وتخييبه لآمالهم. يقول أحد المحللين، وهو الذي عكف على دراسة التدهور في العلاقة بين البلدين: "يشير النقد (الإماراتي ) إلى أنهم ليسوا مسرورين بالسيسي وإلى أنه لا يخدم مصالحهم ولا يحقق لهم أهدافهم. والفكرة الأساسية التي تشكلت لدى الإماراتيين هي أن محمد بن زايد ينبغي أن يكون هو الحاكم الفعلي لمصر، وأن كل من يكلف بإدارة البلاد عليه أن يقوم بما يطلب منه أن يفعله".
مصدر القلق
هناك ثلاثة أسباب تدفع الإماراتيين نحو القلق:
فأما السبب الأول، فهو أن الإماراتيين يعتقدون بأن الحرب الإعلامية التي نشبت بين مصر والمملكة العربية السعودية تضر بمصالح أبو ظبي. وكانت صحيفة اليوم السابع قد نشرت في الشهر الماضي تقريراً عن نزاع وقع بين رئيس مجموعة الأهرام الإعلامية المملوكة للدولة احمد السيد النجار والسفير السعودي في مصر أحمد قطان، والذي انتهى بأن تزعم الأهرام بأنه "حتى بناية في وسط القاهرة" هي أقدم من المملكة. كما اتهم مقدم برامج موالي للحكومة إبراهيم عيسى المملكة العربية السعودية بتمويل الجماعات الإرهابية في سوريا، وطالب السيسي بالكف عن التصرف كما لو كان "أسير الرياض"، وحث مصر على الانعتاق من قيود الامتنان للملكة العربية السعودية.
وأما السبب الثاني فهو أن الإماراتيين ليسوا مسرورين نتيجة لنكوث السيسي بوعوده التي قطعها وتعهد بموجبها بإرسال قوات برية للمساهمة في الحملة التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن، وهي الحرب التي فرض على الإمارات المشاركة بقوات لها فيها. وكان السيسي قد استخدم المصطلح المصري الشائع "مسافة السكة"، والذي يعني أن الأمر سيستغرقه ذلك الزمن الذي يحتاجه لاجتياز الطريق الموصلة إلى حيث تحتاج دول الخليج المساعدة العسكرية. ولكن حتى هذه اللحظة لم يصل جندي مصري واحد إلى الأرض اليمنية.
وأما السبب الثالث فهو الشكوى من أن السيسي لا يستمع إليهم عندما يطالبونه بإصلاحات اقتصادية وإدارية أو عندما يطالبونه باللجوء إلى الحوكمة الصالحة كأساس لتحقيق الاستقرار داخل الدولة.
وعودة إلى المحلل الذي تكلم معه موقع "ميدل إيست آي" واشترط عدم الإفصاح عن هويته، قال هذا المحلل: "من وجهة نظر أبو ظبي، لم يؤد السيسي دوره كما يجب، كما أنه يفتقد إلى وجود استراتيجية للإصلاح الاقتصادي، وباتت الخدمات في البلاد في منتهى السوء. إذن، من وجهة النظر الإماراتية لا يفعل السيسي ما يطلب منه. ولذلك، وفي المرحلة القادمة التي تبدأ في وقت مبكر من العام القادم، يخطط الإماراتيون لحملة واسعة شاملة. إنهم لن يتخلوا عنه (أي السيسي) وسيظل هو رجلهم، ولكنهم غير مسرورين بسلوكه. إنهم يريدون خضوعاً تاماً لهم، بحيث يصبحون هم الحكام الفعليون".
العلاقات مع الرياض
تردت علاقات السيسي مع الرياض أكثر فأكثر بعد اكتشافه أن قائداً عسكرياً منافساً له في الجيش المصري زار المملكة منذ أسبوعين حيث يجري فيها مباحثات خاصة.
وقد كشفت مصادر قريبة من المملكة النقاب عن أن الاستخبارات العسكرية المصرية كانت قد استفسرت من السعوديين عن سبب وجود سامي عنان عندهم. فقيل لهم بأن عنان يقوم بزيارة خاصة وبصفته الشخصية وأنه ليس بإمكان الحكومة في الرياض فعل شيء إزاء ذلك.
كان عنان هو الرجل الثاني بعد محمد حسين طنطاوي حينما أطيح بالرئيس مبارك في عام 2011، ثم أقاله الرئيس محمد مرسي حينما تسلم مهام الرئاسة في عام 2012. ولكن، حينما أطيح بمرسي في انقلاب عسكري بعد عام من ذلك، أعلن عنان عن طموحه في الترشح لمنصب الرئاسة. يبلغ عنان من العمر سبعين عاماً ويقال إنه قريب من واشنطن، وكان في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية حينما اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير.
وبحسب المصادر السعودية المطلعة، فإن عنان هو واحد من ثلاثة أسماء تم تداولها كبدائل محتملة للسيسي. والآخران هما أحمد شفيق، وهو ضابط عسكري سابق ويقيم الآن منفياً في أبو ظبي ومراد موافي الرئيس السابق لمديرية المخابرات العامة، والذي لقي نفس مصير عنان حينما أقاله مرسي. يعتبر كلا الرجلين، شفيق وموافي، في نفس درجة القرب من الإمارات.
خلال محادثاته مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لم يخف الملك سلمان رغبته في بقاء زمام الأمور في مصر بأيدي العسكر. وذلك أن المملكة العربية السعودية تعتبر الجيش المصري الضامن الوحيد لاستقرار البلاد ولاستقرارها وهو ما يهم السعودية وليس الديمقراطية .
إلا أن المعادلة تغيرت خلال الشهور الثلاثة الماضية لدرجة أن سلمان لم يعد يعتبر السيسي زعيماً مستقراً لمصر. بل يعتقد السعوديون بأن فترة حكم السيسي لمصر قد انتهت، وهم الآن يبحثون فيمن يمكن أن يحل محله من داخل المؤسسة العسكرية ويكون قادراً على الانفتاح على كافة قطاعات المعارضة السياسية المصرية، والتي بات معظم قادتها في المنافي.
يفضل السعوديون عنان كمرشح أول لهذه المهمة، وهو رغم هدوئه إلا أنه زعيم يتصف بالدهاء والعزوف عن ركوب الأخطار، كما أنه يزعم بأنه أكثر قادة الجيش المصري تمثيلاً له والأكثر تمتعاً بالولاء داخله، إلا أن مثل هذه المؤهلات تجعله موضع شك لدى قوى المعارضة المصرية والذين يستذكرون الوقت الذي قضاه داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر منذ لحظة الإطاحة بمبارك وحتى انتخاب مرسي وكان يسيطر على مقاليد الأمور في البلاد بينما كان دم المتظاهرين يسفك في ميدان التحرير.
يقول أحد أقطاب المعارضة السياسية المصرية: "إذا كانوا يبحثون عن شخصية عسكرية فعنان هو خيارهم الأفضل، إلا أن الشخص الذي يقبل به العسكر لن يكون مقبولاً لدى الأغلبية في مصر، وهنا تكمن مشكلة عنان".