كتب المعلق الأمريكي المعروف توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز"، تقريرا عن التطورات الجديدة في
السعودية، وذلك بعد زيارة له إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي.
وألقى فريدمان محاضرة في مركز الملك سلمان للشباب، وحضر المحاضرة أكثر من 500 من الشبان والشابات، حيث تحدث إليهم عن التكنولوجيا الكبيرة، وأثرها على مركز العمل. ورغم النقد الذي وجه لدعوة شخص معروف بنقده للسلفية، إلا أن الحضور استقبل محاضرته بنوع من الدفء. وقال إن الأسئلة التي وجهت إليه بعد المحاضرة، تشير إلى رؤية وتطلعات الجيل الجديد، وكيفية تحضيره لمواجهة القرن الحادي والعشرين.
وأشاد الكاتب بطموحات القيادة السعودية الجديدة، حيث التقى مع ولي ولي العهد السعودي الأمير
محمد بن سلمان، الذي قال إنه يضج بالحيوية والطاقة، ولديه مع ولي العهد الأمير محمد بن نايف خطة لتطوير المملكة، وتحقيق نقلة في طبيعة الحكم بالبلاد.
وأشار فريدمان إلى التغيرات الحاصلة في المجتمع السعودي، وأن معظمها إيجابية، خاصة ثورة الإنترنت، التي فتحت المجال أمام السعوديين للتواصل والتعبير عن آرائهم. وقال إن الدور الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي يعد منحة إلهية دخلت هذا المجتمع المغلق. مشيرا إلى أن الشباب السعودي يستخدم "تويتر" بشكل واسع، حيث يرسلون كل شهر ما معدله 50 مليون تغريدة. وقال إن ما كانت تفتقده السعودية هو القيادة للاستفادة من هذه الطاقات الشبابية، وهذه القيادة تتجسد بالجيل الجديد الذي يمثله ولي العهد ونائبه.
ويقول الكاتب في تقريره، الذي كان تحت عنوان "رسالة من السعودية"، إنه وصل الأسبوع الماضي إلى الرياض؛ بحثا عن جذور
تنظيم الدولة، ولمعرفة سبب قدرته على جذب ألف سعودي إلى صفوفه. ويضيف: "لا أتظاهر بأنني قمت باختراق المساجد المليئة بالرجال الملتحين المتشبعين بالسلفية أو الوهابية، الذين لا يتحدثون اللغة الإنجليزية، ويجذب من داخلهم تنظيم الدولة مجندين، وأعرف أن المؤسسة الدينية لا تزال جزءا من مقايضة الحكم هنا، وأكثر الأصوات شعبية على (تويتر) هم من المتدينين"، ويتابع: "لا يزال المتدينون يديرون النظام القضائي، ويحكمون بجلد المدونين. وهم في حالة إنكار حول موقف العالم المحبط منهم ومن الأيديولوجية التي يحاولون تصديرها".
ويعتقد فريدمان أن المؤسسة الدينية تواجه منافسة قوية لتحديد هوية البلد. ويعود هذا إلى أن معظم سكان السعودية لا تتجاوز أعمارهم الـ30 عاما. يضاف إلى هذا الثورة التعليمية، التي بدأها العاهل الراحل عبدالله، الذي توفي بداية هذا العام، حيث عبر عن رغبة في توفير التعليم الحديث لأبناء وطنه. وقال إنه مستعد لدفع تكاليف دراسة أي سعودي في الخارج. وكانت النتيجة ابتعاث حوالي 200 ألف سعودي للدراسة في الخارج، منهم 100 ألف في أمريكا. ويدخل في كل عام منهم سوق العمل 30 ألف عائد.
ولم يفت الكاتب أن يلاحظ ظاهرة دخول المرأة قطاع العمل. وقال إن بعض الوزراء همسوا في أذنيه أنه حتى الرجال المحافظين والرافضين لعمل المرأة يحاولون الضغط على المسؤولين لتوفير وظائف جيدة لبناتهم.
إن هذا كله كان مدعاة لقول فريدمان إنه اكتشف شيئا جديدا في السعودية، "شيء لم أكن أعرفه ويتخمر في داخل هذا المجتمع" . وفي لقاء مع وزير الخارجية عادل الجبير أخبره بأن السعودية التي يشاهدها اليوم "ليست السعودية التي عرفها جدك"، وأضاف: "وفي الحقيقة ليست السعودية التي عرفها والدي، وليست التي عاشها جيلي".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الوجه الجديد للتغيرات يمثله الأمير محمد بن سلمان، الذي التقاه الكاتب في مكتبه، حيث عرض عليه خطته للتغيير، التي تقوم على الشفافية وقياس أداء الوزارات. وأكد الأمير أهمية إشراك معظم السكان في شؤون الحكم. ولتوضيح صورة عن التغيرات يقول وزراء إنه ومنذ وصول الأمير محمد أصبحت القرارات التي كانت تأخذ عامين للنظر فيها تنفذ في أسبوعين.
وتذكر الصحيفة أن الأمير محمد أشار إلى أهمية تنويع الاقتصاد السعودي، حيث قال: "التحدي الأكبر أمامنا هو اعتمادنا الكبير على النفط، وكيفية إنفاق الميزانية". ولهذا يشير الأمير إلى إمكانية رفع الدعم عن الأثرياء السعوديين، وهو ما يعني عدم حصولهم على الغاز والكهرباء أو الماء بأسعار مخفضة. ويقتضي هذا الأمر فرض ضرائب على السجائر والمشروبات الغازية، وخصخصة المناجم والأراضي غير المطورة، وفرض ضرائب عليها بطريقة توفر للدولة عائدات تمكنها من الاستمرار في البناء، حتى في ظل انخفاض أسعار النفط إلى 30 دولارا للبرميل الواحد.
ويلفت الكاتب إلى أن الأمير يدعو إلى توفير حوافز تشجع السعوديين على ترك القطاع العام والانضمام للقطاع الخاص، حيث قال: "70 بالمئة من السعوديين هم تحت سن الثلاثين عاما، ولهذا فإن مستقبلهم مختلف عن نسبة 30 بالمئة الباقية". وعلق قائلا: "أعمل على بناء بلد يعيشون فيه في المستقبل".
ويقول فريدمان إنه لا يعرف إن كانت هذه الرؤية ستخلق مجتمعا مفتوحا أم محافظا؟ مستدركا بأن رئيس مجلس هيئة سوق المال محمد عبد الله الجدعان علق قائلا: "لم أكن متفائلا أكثر مما أنا عليه الآن"، وأضاف: "لدينا دفعة لم نرها من قبل، ولدينا نموذج للحكومة اعتقدنا أننا لن نراه".
ويستدرك التقرير بأنه رغم وجود نقاط "سوداء" تقاوم التغيير، إلا أنها تلقى مقاومة من القاعدة الشعبية والحكومة. ونقل فريدمان عن سعودي قوله: "لا تزال هناك مقاومة للتغيير، ولكن هناك مقاومة ضد هذه المقاومة".
وتورد الصحيفة أن الأمير الذي يلقى دعما من والده، يجد أنه من المهم "مساعدتنا على مكافحة الفساد، الذي يعد واحدا من أكبر تحدياتنا". مشيرا إلى أنه من خلال التقليل من الدعم ورفع أسعار المحروقات، ستتمكن السعودية في يوم ما من إنشاء مفاعل نووي للطاقة السلمية، أو مولدات للطاقة الشمسية، ومن هنا فسيتم تصدير النفط السعودي بدلا من استهلاكه محليا.
ويرى الكاتب أن مشكلة إصلاحات الأمير تواجه بواقع لا يدفع فيه السعوديون الضريبة. وهو ما يعرفه الأمير، الذي يقول: "مجتمعنا لا يقبل الضرائب، ولم يتعود عليها". والسؤال، كما يقول فريدمان، هو: "هل سيسمع المسؤولون السعوديون: لا ضرائب دون تمثيل".
ويستدرك التقرير بأن لا أحد يعرف مسار الأحداث، فالدولة ستنظم انتخابات بلدية تشارك فيها المرأة لأول مرة، ولكن ما هو واضح هو أن دولة الرفاه في تراجع. ويرى الأمير محمد أن "حكومة ليست جزءا من المجتمع أو لا تمثله، من المستحيل أن تبقى".
وبحسب الصحيفة، فقد أشار الأمير إلى
الربيع العربي، حيث لم تنج سوى الحكومات التي "كانت متصلة بمواطنيها، وأساء الناس فهم ملكيتنا، فهي ليست مثل أوروبا؛ لأنها ملكية قبلية ترتبط فيها القبائل وفروعها والمناطق مع المؤسسة الحاكمة، ويأخذ الملك مطالبهم ورغباتهم بعين الاعتبار، فلا يصحو الملك ويقرر أنه يريد عمل أمر ما".
وينوه فريدمان إلى أن الأمير يرفض الاتهامات التي توجه للسعودية، بأنها ساعدت في إنشاء تنظيم الدولة. ويؤكد أن بروز التنظيم جاء ردا على الوحشية التي مارستها حكومة نوري المالكي في العراق، ومحاولة سحق السنة في سوريا على يد إيران، وحليفها النظام السوري، ويقول: "لم يكن هناك (داعش) قبل رحيل الأمريكيين من العراق، وعندما رحل الأمريكيون دخلت إيران، وظهر ( داعش)". واشتكى الأمير من تحميل العالم السعودية مسؤولية ظهور تنظيم الدولة، في الوقت الذي كان الأخير يدمر ويفجر المساجد في السعودية. ويعلق قائلا: "قال لي إرهابيو (داعش) إنك لست مسلما، فيما اتهمني العالم بأنني إرهابي".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الأمير محمد يقول إن رواية تنظيم الدولة تصل إلى السعوديين عبر "تويتر"، وتقوم على أن "الغرب يحاول فرض أجندته عليكم بمساعدة من السعودية، فيما تحاول إيران استعمار العالم العربي، ولهذا فنحن من يحمي الإسلام". ولا يلوم الأمير محمد الغرب على سوء فهمه للسعوديين، ويقول: "هذا خطؤنا؛ لأننا لم نشرح الوضع. والعالم يتغير بسرعة، ونحن بحاجة لإعادة ترتيب أولوياتنا، ولأن نكون مع العالم".