قدرت دراسة
اقتصادية بأن "
المنطقة الآمنة" التي اقترحت
تركيا إقامتها في منطقة حدودية في الشمال السوري، يمكنها أن تحقق نشاطا اقتصاديا قد يوفر دخلا بمقدار بأكثر من 100 مليون دولار شهريا، ويحقق فرص عمل لنحو نصف مليون شاب سوري عاطل عن العمل.
وتشمل الدراسة الصادرة عن "مجموعة عمل اقتصاد
سوريا"؛ 448 مدينة وقرية وتجمعا سكنيا، وثلاثة معابر حدودية (الراعي، وجرابلس، وباب السلامة)، وثلاث صوامع (أخترين، ومنبج، وجوبان بيك)، وثلاث بحيرات، وسدا واحدا، ومحطة قطار، وكلها تقع ضمن الحدود المقترحة للمنطقة الآمنة، التي تمتد من مدينة جرابلس شرقا إلى مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، بطول 110 كيلومترات وبعمق 65 كيلومترا، ويمكنها استيعاب ما لا يقل عن مليون ونصف سوري.
وعن هذه الدراسة يقول أسامة القاضي، رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" التي أعدت الدراسة، في تصريح خاص لـ"عربي21": "للأسف بات تدويل المسألة السورية عابرا للسيادة السورية، وباتت معظم القرارات حول سوريا تتم دون حضور أو حتى استشارة السوريين، ومن هنا تأتي أهمية تقرير الرؤية الاقتصادية والإدارية للمنطقة الآمنة الذي أصدرناه مؤخرا في مجموعة عمل اقتصاد سوريا كي ندلي بدلونا كسوريين في مسألة هامة مثل المنطقة الآمنة".
ويرى القاضي أن إقامة المنطقة الآمنة "سيوفر مناخا مناسبا لكل المنظمات الدولية الإغاثية كي تقوم بإدخال الإغاثات الطبية والغذائية والتعليمية وغيرها إلى تلك المنطقة، وقد يفوق حجم الإغاثات سنويا أكثر من مليار دولار".
وحول إمكانية تطبيق ما ورد في الدراسة على أرض الواقع يجيب القاضي: "الدراسة ميدانية، وإمكانية تطبيقها كبير للغاية فيما لو توفر الأمان والإدارة المهنية الشفافة، بحيث يتم ضمان الأمن الشخصي وأمن حدود تلك المنطقة جوا وبرا، بالتنسيق بين الفصائل الإحدى عشر المنتشرة في تلك المنطقة"، مضيفا "هذا عمليا يتم الإشراف عليه من الدول الراعية للمنطقة الآمنة التي تُلزم تلك الفصائل بالتنسيق والعمل الوطني المهني بطريقة مهنية، بمساعدة الضباط المنشقين من الجيش الحر بحيث يكون هناك لجنة عسكرية للمنطقة الآمنة" وفق رأيه.
ويرى القاضي أن "الإدارة المطلوبة في المنطقة الآمنة هي إدارة تكنوقراط من الداخل (السوري)، فهي تحتاج إلى كادر إداري مؤهل يدير المنطقة بشكل مدني وطني بعيدا عن المحاصاصات والولاءات، بحيث تُدار المنطقة الآمنة بأعلى معايير الشفافية والمهنية".
وأوضح القاضي أنه "يمكن الاستفادة من خبرة المجالس المحلية المنتخبة فقط، ومن العاملين السابقين والحاليين في مؤسسات الدولة السورية الموجودين في تلك المنطقة".
ويقدر القاضي أن المنطقة الآمنة "ستخفف، وقد توقف بلاشك نزيف النزوح من المناطق الشمالية على أقل تقدير، وتمكن الأسر السورية لتبقى في أرضها، وتؤوي نازحين خارج حدود المنطقة الآمنة"، كما أن المنطقة الآمن يمكن أن "تشجع الكثير ممن عانوا ذل اللجوء للعودة لتلك المنطقة، وخاصة اللاجئين في دول مثل لبنان، بينما توفر المنطقة الآمنة فرصة عمل في مهنهم الأصلية في أجواء آمنة بعيدا عن عيشة المخيمات القاتلة"، بحسب تعبيره.
وحول مصدر تمويل المشروعات التي من الممكن إقامتها في المنطقة الآمنة، أوضح رئيس المجموعة التي أعدت الدراسة؛ أنه يمكن أن يكون "عن طريق التمويل الذاتي، ودعوة الأشقاء للتبرع لمشروعات فعلية على الأرض، وعن طريق المؤسسات الإغاثية العربية والعالمية".
وفي المقابل، يرى رئيس تجمع المحامين الأحرار، غزوان قرنفل، أنه "ما لم تقم مؤسسات سلطة بديلة في تلك المنطقة المفترضة تستطيع أن تمارس أعمالها بعيدا عن الضغوط والتحزبات، سيظل ما جاء في تلك الدراسة معطيات نظرية مغرية".
وقال قرنفل لـ"عربي21": "لن تكون واقعا يستطيع السوريون الاستفادة منه وتلمس نتائجه؛ لسببين أساسيين برأيي، الأول وهو سبب ذاتي يتعلق بنا كجهة معارضة أو قوى ثورة، والفشل الذريع والمريع الذي منينا به في ادارة المناطق المحررة"، مضيفا: "ليس بعيدا عنا ملامح الفشل المريع في إدارة إدلب المحررة كمثال، حيث تتفشى العطالة والبطالة وسوء الإدارة وانعدام الخدمات، ليس لعدم وجود الكفاءات بل لمنعها من أداء دورها كما ينبغي، ولقيام القوى المسلحة بدس أنفها في كل تفاصيل الحياة"، وفق قوله.
أما السبب الثاني، بحسب قرنفل، فهو "عامل موضوعي يتعلق بعدم توفر إرادة دولية حقيقية تجعل من إقامة تلك المنطقة شيئا ممكنا".
وتابع قائلا: "قد تكون هي حاجة تركية وضرورة أوربية تحد من تدفق اللاجئين، وتسهم في تحسين فرص العيش للناس، لكنها ليست كذلك بالنسبة للنظام وحلفائه الروس والإيرانيين، بل وحتى هي محل توظيف وورقة مساومة بالنسبة للأمريكيين، وبالتالي فإن نشوءها حقيقة هو محل شك"، وفق تقديره.