علقت المحررة في صحيفة "فايننشال تايمز" رولا خلف، على العدد الأخير من المجلة الناطقة باسم
تنظيم الدولة "
دابق"، مشيرة إلى أن قراءة المجلة تدعو إلى الرعشة، فرغم صقالة ورقها وصورها اللامعة، إلا أنها تحتفي بمقتل المدنيين، وتقدم نصائح لا أخلاقية للجهاديين. ومع ذلك ترى الكاتبة أن قراءة "دابق" مفيدة أحيانا؛ لأنها تقدم رؤية عن العقلية المشوهة لقادة
الإرهاب العالمي.
ويشير التقرير إلى مقال ورد في العدد رقم (12)، وخصص للحديث عن تنظيم
القاعدة، المنافس لتنظيم الدولة على قيادة
الجهاد العالمي.
وتذكر الصحيفة أن المقال زعم أن "حمى الصحوة" تنتشر في صفوف تنظيم القاعدة. وعنى كاتب المقال بحركة الصحوة مجموعة من القبائل العراقية التي تعاونت مع الأمريكيين قبل عقد من الزمان؛ لاقتلاع جذور تنظيم القاعدة من العراق. ولكن الفرع العراقي انتقم، وأصبح معظم أفراد القبائل أعضاء في تنظيم الدولة.
وتعلق خلف بالقول إن "الطريقة اللاذعة التي يرفض فيها تنظيم الدولة خصمه، تأتي من خلال تقديم نفسه بأنه المنظمة الإرهابية رقم واحد، واضعا نفسه موضع الوارث الحقيقي لزعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن. ومن هنا فإن الرسالة التي تظهر من المقال تفيد بأن تنظيم القاعدة فقد طريقه، وأن المستقبل لتنظيم الدولة".
وتضيف الكاتبة أن "تنظيم الدولة على ما يبدو مهووس بتنظيم القاعدة، الذي انفصل عنه عام 2013، بعد الخلاف بينهما حول أهداف الجهاد في سوريا. ومنذ ذلك الوقت ميز تنظيم الدولة من الأم التي خرج منها عبر الوحشية، (فهو مستعد لارتكاب وحشية لا حدود لها)، ومن خلال تحركه وإعلانه دولة (الخلافة) في كل من العراق وسوريا".
ويقارن التقرير بين عمل تنظيم القاعدة، الذي قام، وباسم الجهاد، بالتركيز على الخارج. أما تنظيم الدولة، فقد ركز جهود "الجهاد" على الداخل، داعيا الجهاديين في العالم للقدوم إلى "الخلافة". ولهذا السبب كان رد الدول الغربية عليه صامتا؛ لاعتقادها أن تهديده منحصر في منطقة الشرق الأوسط.
وتستدرك الصحيفة بأن تنظيم الدولة غيّر أسلوبه في الأشهر الأخيرة، فمن أجل الحفاظ على زخمه في وجه الضغوط العسكرية التي يواجهها، قام بتكثيف هجماته في الخارج. فقد أعلن مسؤوليته عن إسقاط الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء ومذابح باريس والتفجيرات في بيروت وتفجير الحافلة في تونس.
وتجد خلف أنه بناء على ما تقدم، فإن أهداف تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة في صف واحد الآن، والنتيجة مروعة. لافتة إلى أن تنظيم القاعدة رد بعد أيام من هجمات باريس، بمداهمة فندق فخم في العاصمة المالية باماكو. ولكنه قدم نفسه بطريقة مختلفة، فقد نشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنه حافظ على حياة الرهائن أثناء حصاره لفندق راديسون بلو.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه لحسن الحظ، فإن تنظيم القاعدة لم يعد كما كان، عندما أمر ابن لادن بالهجمات على الولايات المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2001، وفي الوقت الذي تلاشت فيه قوة المركز، إلا أن الفروع التي تبنت فكره ازدهرت وأصبحت قوية.
وتنقل الصحيفة عن مؤلف كتاب عن تنظيم الدولة حسن حسن، قوله: "ما لم نفهمه بعد هو أننا نواجه الآن مشكلتين: تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، كونهما شبكتين إرهابيتين دوليتين تتنافسان فيما بينهما، وتتوسعان في الوقت ذاته".
وتورد الكاتبة نقلا عن الخبير في مجال الإرهاب روهان غونارتنا، قوله إنه "يجب علينا أن نفكر بتنظيم القاعدة من خلال مسارح العمليات المتعددة. ففروعه لا تزال قوية في المغرب ومنطقة الساحل وفي القرن الأفريقي واليمن، وكذلك في أفغانستان وباكستان وجنوب شرق آسيا. وفي الوقت ذاته ينشط تنظيم الدولة في العراق وسوريا وليبيا وغرب أفريقيا والقوقاز". ويضيف: "لا يزال تنظيم الدولة نتاجا لتنظيم القاعدة، ولا يزال الأخير قادرا على إنتاج نسخ له".
ويلفت التقرير إلى أن تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة لا يتصارعان على الأيديولوجية، ولكن على الاستراتيجية والأساليب. مبينا أن معظم صراعهما يتركز حول القيادة. وتكهن بعض الخبراء بإمكانية اندماج التنظيمين فيما بينهما، لو اختفى أحد القائدين، أيمن الظواهري أو أبو بكر البغدادي.
وتنقل الصحيفة عن المحقق السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي علي صوفان: "صورة الإرهاب اليوم معقدة جدا؛ لسببين: أولا لمشاركة اللاعبين المختلفين كلهم، وثانيا بسبب الفراغ الإقليمي، الذي نتج بعد الربيع العربي، والذي منح الجماعات الإرهابية مناطق للعمل منها".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه قد تصبح الصورة أكثر تعقيدا، حيث يحاول تنظيم الدولة الدفاع عن مناطقه، وقد يصبح أكثر خطرا. وفي والوقت ذاته يقوم تنظيم القاعدة بتحصين نفسه، وتعقد تحالفات محلية من الصعوبة تدميرها. وكلاهما يحاول توسيع قوته عبر الإرهاب.