نشرت صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية تحقيقا عن ردود الأفعال في الشارع
الإيراني؛ حول
الأزمة الأخيرة مع المملكة العربية
السعودية، وقالت إن الشباب وعموم المواطنين في إيران يرفضون تواصل السياسات العدائية للنظام الإيراني، الذي يواصل التسبب بمشكلات دبلوماسية واقتصادية كبيرة منذ قيامه في سنة 1979، كما تقول الصحيفة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن المواجهة بين الرياض وطهران أثارت قلق ملايين الإيرانيين، الذين استبشروا بعد الاتفاق النووي في الصيف الماضي، وانتظروا حصد ثمار الرفع التدريجي للعقوبات التي كانت مفروضة على بلادهم، ولكن مظاهر التوتر في السياسة الخارجية تزايدت، وكان آخرها يوم الخميس، مع اتهام طيران المملكة باستهداف السفارة الإيرانية في صنعاء.
ونقلت مراسلة الصحيفة عن سيدة إيرانية تدير محلا تجاريا في طهران، كان ملكا لزوجها المتوفى، قولها: "أنا أشعر بخيبة الأمل لأننا في كل مرة نعتقد أننا اقتربنا من تحقيق شيء ما يتجدد التوتر ونعود للمربع الأول، ولكن ما يبعث على بعض الأمل هو ردة الفعل الهادئة للرئيس روحاني وجواد ظريف، اللذين أدانا الاعتداء على السفارة السعودية وفضلا تهدئة الأمور".
وأضافت هذه السيدة: "هذا البازار الذي أديره يعاني من الكساد منذ فترة طويلة، وكنت أتأمل في رفع العقوبات حتى تعود الحركية إليه، ولكن هذه الأزمة الأخيرة قد تدفعني للإفلاس تماما وغلق المحل".
وقالت الصحيفة إن يوم الخميس من كل أسبوع، يمثل اليوم الذي يخرج فيه كثيرون من سكان طهران لاستنشاق الهواء النقي في المناطق الخضراء خارج العاصمة، بعد أن خنقتهم سحابة الدخان السوداء في الأسابيع الماضية، وأجبرتهم على غلق المدارس في بعض المناطق.
وأضافت أن يوم الخميس يمثل بالنسبة للإيرانيين فرصة ليس فقط للتنزه في الجبال، بل والتحدث بحرية في الشؤون السياسية، وقول ما لا يمكن الإفصاح عنه في أماكن أخرى. فبالنسبة لهم تعتبر هذه النزهة فرصة لتبادل الحديث والتعبير بحرية، وحتى كيل الشتائم أحيانا لمن هم في السلطة.
وذكرت الصحيفة أن بعض وسائل الإعلام في الأوساط الإيرانية سخرت من الدول التي قررت قطع علاقاتها مع إيران، مثل السودان والبحرين والصومال. ولكن بقية وسائل الإعلام والنشطاء المنتمين للتيار الإصلاحي أظهروا قدرا من الاطلاع على تاريخ بلادهم، والوعي بأوضاع المنطقة وبتداعيات مثل هذه المواقف، حيث سخر بعضهم من الذين قاموا بإحرق السفارة السعودية، وقالوا إن الأمر بالنسبة لهؤلاء أصبح عادة يقومون بها لا شعوريا، وعليهم في المرة المقبلة أن يكونوا أكثر ذكاء وينظروا للمستقبل قبل الإقدام على فعلتهم.
ونقلت مراسلة الصحيفة عن مهندس معماري التقته في نزهة يوم الخميس على أطراف العاصمة، قوله إن "الدعايات التحريضية التي يبثها أنصار الرئيس السابق أحمدي نجاد، المتهم الأول بالوقوف وراء الاعتداء على السفارة، هي السبب وراء موجة ردود الأفعال اللاعقلانية التي أعقبت إعدام النمر، وقد لوحظ أن هؤلاء المناصرين عادوا للنشاط بقوة في الفترة الأخيرة، بفضل التمويلات التي يتلقونها من خزينة الدولة".
وأضاف هذا المهندس: "دعاية التيار المتشدد تسعى لإقناع الناس بأن الرئيس روحاني ضعيف في مواجهة السعودية والولايات المتحدة، وهي دعايات تؤثر على أقل الناس وعيا وتثقيفا. ولكن الأزمة الأخيرة هي ضربة للجميع، لأن الجميع كان بانتظار رفع العقوبات لتمويل المشاريع التنموية التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية بشكل عاجل".
وقالت الصحيفة إن إيران تتهم السعودية باستهداف مقر سفارتها في العاصمة اليمنية صنعاء، التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون، ما أدى لإصابة أحد الحراس وتدمير جزء من المبنى. كما ترفض إيران دخول أية بضائع تم تصنيعها في السعودية، وينتظر أيضا أن تمنع رحلات الحج نحو مكة، في مسلسل فعل وردّ فعل قد يعني خسارة مالية كبيرة للطرفين.
ونقلت الصحيفة رأي المحلل الاقتصادي سعيد ليلاز، الذي نشط سابقا ضمن التيار الإصلاحي وانتهى به الأمر في السجن في عهد أحمدي نجاد إثر الاحتجاجات على انتخابات 2009، قوله إن "أهم شيء في الموقف الإيراني هو أن روحاني وظريف سارعا لإدانة الاعتداء على السفارة لإبقاء الوضع تحت السيطرة ومنع توسع الخلاف. ولكن المتشددين المعارضين للاتفاق النووي سيسعون لدفع الأمور نحو التصعيد قبيل الانتخابات المنتظرة في شهر شباط/ فبراير المقبل، وبعد ذلك نأمل أن تهدأ الأمور".
وفي الختام، قالت الصحيفة إن الإيرانيين يواصلون العيش في قلق، في بلد مزدحم يواجه عديد التحديات الداخلية والخارجية، تحت نظام يمكنه الزج بأي شخص في السجن بين ليلة وضحاها دون تقديم توضيحات، ويمكنه في المقابل السماح لجمع غاضب بالتسبب في أزمة دبلوماسية قد تتطور إلى حرب.