ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الولايات المتحدة تتعامل مع حلفاء غير موثوقين لمواجهة الفرع الليبي لتنظيم الدولة.
ويشير التقرير إلى أن قوات العمليات الأمريكية الخاصة توقعت ترحيبا دافئا، عندما نزلت طائرتهم في قاعدة عسكرية تحتلها مليشيا موالية لهم، ولكن بدلا من ذلك تعرضوا للتهديد من رجال مسلحين ينتمون لمليشيا أخرى هددوا باعتقال قوات الكوماندوز الأمريكيين، وهو ما اضطر هؤلاء للجلاء عن المكان.
وتبين الصحيفة أن الحادثة، التي وقعت في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2015، تلخص المصاعب التي تواجه الإدارة الأمريكية وهي تبحث في
ليبيا عن حلفاء يمكنها التعاون معهم؛ لمواجهة فرع
تنظيم الدولة في ليبيا.
وينقل التقرير عن مسؤولين أمريكيين وليبيين قولهم إن الرحيل المفاجئ في الشهر الماضي لـ20من قوات الكوماندوز، وصلوا إلى قاعدة "الوطية" الجوية، كان نتيجة سوء اتصالات مع
المليشيات التي كانت ترابط هناك، مستدركا بأن المشكلة كشفت وبشكل واضح عن غياب السلطة المركزية في ليبيا، حيث لا توجد هناك حكومة واحدة تسيطر، ولا جيش يستطيع إصدار أوامر لجماعات تقع اسميا تحت إمرته.
وتذكر الصحيفة أن خبراء مكافحة الإرهاب يتعاملون مع الفرع الليبي لتنظيم الدولة على أنه الأخطر، ويقوم بتوسيع مناطق سيطرته وهجماته المميتة، حيث شن عددا منها هذا الشهر. ومن أجل مواجهته ووقف تقدمه، أجبرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على التقرب والتعاون مع حلفاء لا يوثق بهم من المليشيات المتعددة، التي لا تخضع لمساءلة، وتفتقر إلى التنظيم، ومنقسمة بناء على المنطقة والقبيلة.
ويقول التقرير إن البحث يحمل معه الكثير من المخاطر لإدارة الرئيس باراك أوباما، التي اعتمدت في الماضي على المليشيات المحلية، لتوفير الحماية لدبلوماسييها في مدينة بنغازي، مشيرا إلى أن هذه المليشيات فشلت بالمهمة، عندما قام مسلحون بالدخول للقنصلية الأمريكية عام 2012، وقتلوا السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين.
وتورد الصحيفة أن المحللين حذروا من أي جهود أجنبية لتقوية أفراد وجماعات وكيلة في ليبيا؛ لأنها قد تؤدي إلى التنافس في وقت تحاول فيه الأمم المتحدة جمع الفصائل الليبية المتصارعة فيما بينها، بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي في عام 2011.
ويعلق التقرير بأن الحادث الأخير في
القاعدة الجوية، التي تبعد 70 ميلا عن العاصمة طرابلس، جاء في وقت تشعر فيه واشنطن والعواصم الأوروبية بالقلق من صعود تنظيم الدولة في ليبيا. ويقول مسؤولو الاستخبارات الأمريكية إن تنظيم الدولة قام خلال الأشهر الماضية بتحويل وجهة مئات من المقاتلين الأجانب، الذين كانوا في طريقهم إلى سوريا، وطلب منهم التوجه نحو ليبيا.
وتنوه الصحيفة إلى أن غارة جوية أمريكية قد قتلت في تشرين الثاني/ نوفمبر قياديا بارزا في التنظيم، يدعى أبا نبيل، وهو عراقي الجنسية، وقاد عمليات تنظيم القاعدة في العراق في الفترة ما بين 2004 إلى 2010.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى ما قاله مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب نيكولاس جي راسموسين في تصريحات لـ"سي – سبان" الشهر الماضي: "الفرع الليبي لتنظيم الدولة هو الفرع الذي يستفيد من تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا، واضعا نفسه في موضع لتنسيق جهود التنظيم في مناطق شمال أفريقيا".
وتجد الصحيفة أنه لهذا السبب تتعرض الولايات المتحدة لضغوط كبيرة، بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة لتدريب وتسليح المقاتلين في المنطقة، خاصة السوريين منهم. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية تخلت العام الماضي عن برنامج لتسليح وتدريب قوات جديدة من المعارضة السورية، وتحولت عوضا عن ذلك لتسليح وتدريب جماعات مختارة من المعارضة؛ كي تسهم في الحملة ضد تنظيم الدولة.
ويكشف التقرير عن سفر فرق من قوات العمليات الخاصة التابعة للقيادة المركزية الأمريكية في أفريقيا إلى ليبيا؛ للقيام بأغراض عدة، منها جمع معلومات حول الوضع هناك، وتقييم الجماعات الليبية المسلحة، والتعرف على قدرتها، وإمكانية تعاونها مع الولايات المتحدة، بحسب مسؤول بارز رفض الكشف عن هويته.
وتنقل الصحيفة عن المتحدث باسم القيادة المركزية الأفريقية القائد الجنرال أنطوني فلافو، قوله إن مهمة القوات الأمريكية في قاعدة الوطية كانت من أجل تمثين العلاقات، وتعزيز الاتصالات مع زملائهم بالجيش الوطني الليبي.
ويورد التقرير نقلا عن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي قوله إن الولايات المتحدة قلقة بشكل متزايد من نشاطات الفرع الليبي لتنظيم الدولة، وإن القوات الأمريكية كانت تخطط للقاءات في قاعدة الوطية، وهذا لا يعني مصادقة على جماعة بعينها. وأضاف أن المسؤولين الأمريكيين تواصلوا العام الماضي مع عدد واسع من الجماعات الليبية، وشجعوها على تسوية سياسية هناك.
وتنقل الصحيفة عن الخبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي فردريك ويهري، الذي يزور ليبيا بشكل منتظم، قوله إن المواجهة في قاعدة "الوطية" تكشف عن مصاعب، ليس فقط العثور على حلفاء يوثق بهم على الأرض، ولكن التعامل مع الخلافات الفصائلية.
ويقول التقرير: "إن هناك العديد من الفصائل في ليبيا غير تنظيم الدولة، ولا يصلح أي منها أن يكون شريكا للغرب. أما (الجيش الوطني الليبي)، الذي يشير إليه الأمريكيون، فليس سوى واحد من الفصائل التي تتنافس على السلطة. وأطلق الجنرال خليفة حفتر الاسم على مجموعته، بعد حصوله على تفويض من البرلمان المنتخب الذي ينعقد في منطقته".
وتعلق الصحيفة بأن "حفتر بدا رجلا لديه طموحات لحكم ليبيا، والتحول لرجلها القوي الجديد، ولكنه لم يكن قادرا على التحكم بشكل كامل حتى في مدينة بنغازي، التي لا تبعد سوى أميال عن مقر قيادته. ورغم أن قواته تشمل قوات من الجيش النظامي، إلا أنه اعتمد على تسليح جماعات جهوية خاضعة له، وتعمل وكيلة عنه، وغالبا ما عبر المسؤولون الأمريكيون عن عدم ثقتهم بالجنرال حفتر وحلفائه. وهناك جماعة أخرى متحالفة مع الجنرال حفتر، وهي مجموعة الزنتان التي تسيطر على مدينة الزنتان وقاعدة الوطية، وسيطرت في الماضي على مطار طرابلس، وظلت تستفز النواب".
ويفيد التقرير بأن هناك جماعة مسلحة ثالثة تعارض كلا من حفتر والزنتان، ومركزها مدينة مصراتة الساحلية، التي لا تبعد سوى ساعات بالسيارة عن مدينة سرت معقل تنظيم الدولة، مشيرا إلى أن ثوار مصراتة حاولوا السيطرة على مؤسسات الدولة، قبل انهيار العملية السياسية بشكل كامل عام 2014. وقدمت هذه الجماعة دعما للجماعات المعادية لحفتر في مدينة بنغازي.
وتنقل الصحيفة عن عبد الرحمن السويحلي، وهو شخصية مؤثرة في مصراتة، قوله إن فرقا من العسكريين الأمريكيين زارت مصراتة خلال الستة أشهر الماضية، وأقامت اتصالات عسكرية وأمنية. وأضاف أن الأمر ليس سرا، حيث تحاول فرنسا وبريطانيا وإيطاليا إقامة علاقات مع جماعات ليبية مسلحة.
وبحسب التقرير، فإن المسؤولين الليبيين يقولون إن الولايات المتحدة لديها علاقات قديمة مع كتيبة العمليات الخاصة 22، التي تتمركز في قاعدة الوطية، ونشرت الكتيبة بيانا في 18 كانون الأول/ ديسمبر، قالت فيه إن الولايات المتحدة تدرب أفرادها منذ عام 2012.
وتورد الصحيفة نقلا عن قائد غرفة العمليات في قاعدة "الوطية" العقيد إدريس محمد مهدي، قوله إن التدريب كان يتم في مكان آخر قرب طرابلس، يطلق عليه معسكر 27، ولكن التدريب توقف عام 2013، عندما سيطرت جماعة أخرى عليه. واستأنف التدريب مرة أخرى قبل ثلاثة أشهر.
ويذكر التقرير أنه عندما وصل الأمريكيون للقاعدة الشهر الماضي، كانت فيها جماعة مسلحة لا تعرف عن وصولهم، ولهذا بدأت بالتحرش بهم والتهديد باعتقالهم. وقال مهدي إن المقاتلين لم يتلقوا معلومات عن وصول الأمريكيين، مشيرا إلى أن ما حدث هو أمر عادي في ليبيا.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه عندما قابل ويهري قائد الكتيبة 22 في عام 2013، وجد أن معظم المقاتلين فيها جاؤوا من منطقة واحدة في ليبيا، وهو ما يكشف عن المخاطر في المنطق الأمريكي. وعلق ويهري بأن تقوية جماعات كهذه قد يخدم أهدافا قصيرة الأمد، ولكنها تجعل من عملية بناء جيش وطني متماسك ويمثل القبائل والمناطق كلها أمرا صعبا.