لم تكد تمر ساعات على نشر الجهاز المركزي للمحاسبات (أعلى هيئة رقابية بمصر)، مساء الثلاثاء، رده على تقرير اللجنة التي شكلها رئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، حول تصريحات رئيس الجهاز، المستشار هشام
جنينة، بأن حجم
الفساد في
مصر بلغ 600 مليار جنيه (نحو 80 مليار دولار)؛ حتى أصدر النائب العام المستشار نبيل أحمد صادق، قراره الأربعاء، بحظر النشر في التحقيقات التي تجريها النيابة في القضية "رقم 75 لسنة 2016 حصر أمن دولة"، المعروفة إعلاميا بـ"تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن الفساد".
ولوحظ في الساعات الأخيرة ملامح معركة "إبادة" معنوية شاملة يشنها نظام السيسي بحق "هشام جنينة"، وتمثلت في قرار النيابة بحظر النشر المشار إليه في القضية، ما يعني منع نشر رد الجهاز على لجنة السيسي، وتجدد صدور دعوات من الأبواق الإعلامية للسيسي بإقالة جنينة ومحاكمته، فضلا عن تحرك قضائي يشمل نظر دعوى محاكمته، وكان سبق هذه التحركات قرار مجلس نواب ما بعد الانقلاب بتشكيل لجنة برلمانية لنظر الموضوع.
وفي المقابل، أوقف قرار حظر النشر الصادر مقالات ومداخلات وهجوم تيار المتعاطفين مع "جنينة" على تيار مؤيدي لجنة السيسي وتقريرها حول الفساد الذي أشار إليه "المركزي للمحاسبات"، حتى إن رئيس تحرير جريدة "المصريون" اعتبر كاتبيه "جهلة وكفتجية، مع الاعتذار لصانعي الكفتة في المطاعم"، على حد تعبيره.
البرعي: منعوا نشر ردود "المحاسبات"
وفي البداية علَّق الناشط الحقوقي، نجاد البرعي، على قرار حظر النشر في القضية، قائلا: "أجمل حاجة.. قعدوا يشتموا في جنينة، وتقاريره الكاذبة، وينشرون تقرير لجنة شكلها الرئيس للرد عليه، فلما بدأ الجهاز المركزي يرد عليهم منعوا النشر".
واستطرد البرعي ساخرا من القرار - على حسابه الشخصي، بموقع التدوين "تويتر" -: "مبروك رفع حظر النشر عن قضية تزوير الانتخابات الرئاسية، والبقاء لله في حظر النشر في تقارير الجهاز المركزي.. ربك يقطع من هنا، ويوصل من هنا".
قرار حظر النشر
وشمل قرار النائب العام بحظر النشر في التحقيقات، التي تجري بمعرفة نيابة أمن الدولة العليا، تحت رقم 75 لسنة 2016، جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وكذلك الصحف والمجلات القومية والحزبية اليومية والأسبوعية، المحلية والأجنبية، وغيرها من النشرات أيا كانت، وكذا المواقع الإلكترونية، لحين انتهاء التحقيقات، عدا البيانات التي تصدر من مكتب النائب العام بشأنها، وفق القرار.
رد "المركزي للمحاسبات"
جاء قرار النائب العام بحظر النشر بعد ساعات من رد الجهاز المركزي للمحاسبات على تقرير لجنة تقصي الحقائق المشكلة من قبل السيسي، للتحقيق في تصريحات رئيس الجهاز، المستشار هشام جنينة، حول حجم الفساد في مصر، الذي قدره بنحو 600 مليار جنيه خلال السنوات الأربع الماضية، واصفة تلك التصريحات بـ"المضللة، و"غير الدقيقة"، وبأنها اعتمدت على التضخيم، وأغفلت عددا من الحقائق.
وكان الجهاز تمكن من توصيل فحوى التقرير إلى الكاتب الصحفي فهمي هويدي فكشف حقيقة أن تقديرات الجهاز للفساد يستند إلى تكليف من وزير التخطيط بإجراء دراسة حول الفساد.
أما في رده فقال الجهاز إن البيان الصادر عن لجنة تقصي الحقائق، استخدم عبارات دعائية.
وذكر الجهاز أنه ورد له من وزارة التخطيط، دراسة عن تحليل تكاليف الفساد في مصر، حددت هذه التكلفة بنحو 257.7 مليار جنيه سنويا، وأن وزير التخطيط الدكتور أشرف العربي، طالب الجهاز بتدقيق تلك الدراسة، وبعدها تمت مخاطبة الإدارت المعنية به، وتم إطلاعهم على الدراسة المذكورة، وانتهى رأي الجهاز إلى عدم دقة ما ورد فيها.
وتابع الجهاز: "تم تشكيل لجنة من أعضاء الجهاز لتدقيق تلك الدراسة، واستندت اللجنة إلى تقارير الجهاز المبلغة للجهات الخاضعة لرقابته، وإلى الجهات المعنية خلال الفترة من 2012، وحتى 2015 لبعض قطاعات الدولة، وانتهت إلى أن حجم الفساد خلال الأربع سنوات الأخيرة بلغ 600 مليار جنيه".
مطلوب تحقيق عاجل مع المستشار هشام بدوي
وتلقف رئيس تحرير جريدة "المصريون" رد الجهاز المشار إليه، وأشار - تحت العنوان السابق - إلى تسرب نسخة من رد الجهاز المركزي للمحاسبات، وأنه بات منشورا في أكثر من مكان، وأنه يمكن بسهولة اكتشاف أن "من كتبوا تقرير تقصي الحقائق (التي شكلها السيسي) كانوا "كفتجية" و"جهلة"، مع احترامي الكامل للكفتجية في "مطاعمهم"، مجال تخصصهم".
وأضاف سلطان أن "الكفتجية" في لجنة تقصي الحقائق لم يقرؤوا تقرير الجهاز المركزي بكامله، وكانوا ملهوفين على الإدانة بأي سبيل، لدرجة أن رد الجهاز المركزي راح يشرح لهم مبادئ في الفهم.
وتابع: "على سبيل المثال عندما خلطوا بين "حجة" وقفية منذ 1920 ميلادية تقريبا، وبين عمليات سطو عليها وقعت في العام 2014، تصور "الكفتجية" أن تقرير المركزي للمحاسبات يعود لمناقشة الحجية، وأصلها، بينما هو يتعامل مع عملية فساد في إعادة تصريفها، والسطو عليها.. حدثت في العام 2014".
وأردف سلطان أن الأمر تكرر مع واقعة إهدار المال العام في هيئة المجتمعات العمرانية البالغة 170 مليارا، وادعاء أن الجهاز المركزي تجاهل أن المشكلة تم حلها في 2015، فنبههم رد الجهاز إلى أنه ذكر ذلك نصا في تقريره، ولم يتجاهله، ولكنهم كانوا متعجلين فلم يلاحظوه.
وتابع أن رد الجهاز المركزي للمحاسبات كان موقعا عليه من نحو ست من قيادات الجهاز، فهو ليس رد هشام جنينة، وإنما رد الجهاز كمؤسسة سيادية، وقد قطع كل الألسنة، وأخرس مافيا الفساد، وأعادها إلى جحورها، غير أن ما يثير الغرابة أن لجنة تقصي الحقائق التي ظهر أنها كانت لجنة "كفتجية"، كان يرأسها اثنان، الأول رئيس هيئة الرقابة الإدارية، والثاني المستشار هشام بدوي، المحامي العام السابق لنيابات أمن الدولة، وهو صاحب التاريخ العريض، الذي تم تعيينه مؤخرا نائبا لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.
واستكمل سلطان: "فهم كثيرون عند صدور هذا القرار أنه تم "زرع" هشام بدوي تمهيدا للعبة سيتم بها الإطاحة بهشام جنينة، ليتولى بدوي رئاسة الجهاز مكانه، وكانت مفارقة بالغة الغرابة أن يتم ضم هشام بدوي تحديدا للجنة تقصي الحقائق، لأنها سابقة أن يطلب من موظف أن يحقق في عمل رئيسه، لأن "جنينة" هو رئيس هشام بدوي".
وتابع: "الأسوأ أن يقوم نائب رئيس الجهاز بإهانة رئيسه علنا في بيان للصحافة والإعلام والرأي العام، ويتهمه بالتضليل ونشر الأكاذيب، وعندما نعلم أن البيان الذي أصدره "هشام جنينة" متعلق بتقرير علمي شامل للجهاز المركزي كونها مؤسسة رقابية وسيادية، وأن هذا العمل الذي شتمه وأهانه هشام بدوي، ووصفه بالتضليل والأكاذيب، هو عمل المؤسسة التي يتولى المنصب القيادي الثاني فيها، فهذا يعني أن نائب رئيس الجهاز يحتقر الجهاز الذي يعمل فيه الآن، ويهينه، ويشكك في مصداقيته، ويتهم قياداته من الخبراء والأكاديميين بالجهل وتعمد نشر الأضاليل وإحراج الدولة وتشويه صورتها في الخارج، إلى آخر ما ورد في صدر باسم هشام بدوي، ومن معه".
واستطرد سلطان: "ما سبق كوم، واتهام بدوي للجهاز بما يشبه الخيانة الوطنية كوم آخر، لأنه اتهم الجهاز بأنه أعد هذه الدراسة بالاتفاق مع جهات أجنبية، وأشار إلى ما يعني تسريب أسرار الدولة إلى الخارج "تخابر"، والتآمر على المصلحة الوطنية، وهذا اتهام كان كافيا لإحالة كامل قيادات الجهاز المركزي إلى نيابة أمن الدولة، التي كان يرأسها هشام بدوي أيام مبارك".
واختتم سلطان مقاله بالقول: "إذا علمت أن ما قاله هشام بدوي كان كذبا وافتراء، حسب ما أوضح نص بيان الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي سجل في ختامه تحفظه الشديد على إهانة جهاز سيادي، واتهامه في شرفه الوطني، وأنه مخترق ويعمل لحساب جهات أجنبية، علمت أنك أمام كارثة، لا يمكن أن تمر بدون تحقيق".
تفتيت "المركزي للمحاسبات" من الداخل
في المقابل لجأت أجهزة السيسي إزاء هذا الهجوم الكاسح على لجنة السيسي، إلى تفتيت وحدة "المركزي للمحاسبات" من الداخل، وممارسة لعبة بث الانقسام بين العاملين فيه.
فنشرت جريدة "اليوم السابع"، الأربعاء، مزاعم بأن موظفي الجهاز بدؤوا في البوح بما لديهم من معلومات عن مخالفات يرتكبها مقربون من هشام جنينة، وأنهم اتهموه علانية الآن بأنه لا يتخذ أي إجراء تجاه مجموعة الـ 14 المقربين منه، ومن مكتبه الفني، برغم ارتكابهم المخالفات الجسيمة، وبرغم ضبط أحدهم مؤخرا متلبسا في قضية رشوة كبرى.
وأضافت الصحيفة، وثيقة الصلة بالمخابرات المصرية: "بل على العكس من ذلك يمعن "جنينة" في التمكين لهم داخل قطاعات وإدارات الجهاز، الأمر الذي وصفه بعض كبار الموظفين بأنه عملية ممنهجة تحت إشراف جنينة لإحكام السيطرة على مفاصل الجهاز واستخدامه لغير مهمته المنوطة به، وهي شن حرب المعلومات ضد الدولة ومؤسساتها بدلا من مراقبتها بمصداقية وشفافية".
كما نشرت "اليوم السابع" ما اعتبرته صورة يتداولها موظفو الجهاز اتهموا فيها "جنينة"، صراحة، بالاعتماد على مستشارين أشباح لا يحضرون إلى الجهاز، ولا يتم استشارتهم في شيء بينما تخصص لهم المكافآت الشهرية بصورة منتظمة.
وزعمت الصحيفة أيضا تداول موظفي الجهاز صورا لجنينة، وتحتها أوصاف "الفاسد" و"الكذاب" و"المضلل" و"فاقد المصداقية"، وإلقائها في طرقات وأروقة ومصاعد الجهاز الأمر الذي شبهه البعض بمقدمات ثورة إدارية ضد رئيس الجهاز، ورفض لاستمراره برغم ما تم كشفه من مخالفات جسيمة.
دعوة للجنة مستقلة ورفض قانون السيسي للعزل
إلى ذلك أعلن "البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان" أنه يتابع عن كثب، معركة المستشار هشام جنينة مع الفساد، وتطوراتها، منذ تصريحه الشهير عن حجم الفساد في مصر في أواخر العام الماضي، وتقديره لها بنحو من 600 مليار جنيه.
وقال البرنامج - في بيان أصدره، الثلاثاء، وتلقت صحيفة "
عربي21" نسخة منه - إنه كان يجب أن تكون اللجنة "الرئاسية" المشكلة لدراسة تقرير الفساد لجنة محايدة من خبراء القانون والمالية والمجتمع المدني، ممن لم يرد لهم ذكر في التقرير المشار إليه.
واعتبر البرنامج أن تقرير اللجنة الرئاسية مثل إشارة خضراء لبدء الهجوم الممنهج على رئيس المركزي للمحاسبات، إذ بدأ الإعلاميون في الهجوم عليه في برامجهم وأعمدتهم الصحفية فضلا عن رفع العديد من القضايا لعزل، ومحاكمة جنينة.
وشدد "البرنامج العربي" على أن القضية برمتها مفتعلة، وأن الإجراء الصحيح الواجب اتخاذه هو تشكيل لجنة قضائية للتحقيق في الوقائع التي ذكرها تقرير المركزي للمحاسبات، والتحقيق في المخالفات المالية، التي ذكرها في وزارات الداخلية والعدل والإسكان والتعمير وغيرها.
وشدد البرنامج، أخيرا، على ضرورة أن يرفض مجلس النواب الموافقة على القانون رقم 89 لسنة 2015 بشأن عزل رؤساء الجهات والهيئات الرقابية، معتبرا أن هذا القانون، الذي أصدره السيسي، هو المشكلة الحقيقة والعقبة أمام مكافحة الفساد بشكل حقيقي وفعال، لأن عملية العزل هذه تمثل سيفا على رقاب رؤساء الأجهزة الرقابية، بما يحد من دورهم في مواجهة قمع الأجهزة وفسادها، وفق البيان.