يكرهونها، لأنها تؤرق ضمائرهم، وتحرّك ضمائرنا، لها شهداؤها، ولهم ائتلاف "سيف اليزل" !
(1)
25 يناير 2011 هي السنة الجديدة، كل السنوات بعدها قديمة – مريد البرغوثي.
لم تعد الثورة الآن في احتياج لمن يدفع عنها تشويه المشوَّهين -بفتح وتشديد الهاء-، فرضت أجنحتها، واستقرت في قلوب الملايين، كأفضل حدث إنساني في تاريخنا المعاصر، يكفيها فضح الأقنعة، وتحطيم الأساطير!
لماذا لم يسألوا أنفسهم، وهم يملكون كل شيء، عن سرّها المقدس، وقدسيتها المعلنة، رغم أن مريديها لم يعد لديهم أي شيء؟!
(2)
سيزيد الخطاب الكاره المدجج بالأكاذيب، خلال اليومين القادمين، بعدما خلت لهم مقاعد الفضائيات، لوصفها بـ"النكسة" مرة، وبالمؤامرة مرات كثيرة، حدث متكرر عبر 4 أعوام مضت، لم ينل من رصيد 25 يناير، وأثرها الوجداني، شيئًا، لا يملّون، ولا نمّل، والبقاء للحظة استثنائية استرد الشعب فيها إنسانيته طوال 18 يوما بميدان التحرير.
سيقولون أنّ الذكرى السادسة تحمل جزءًا آخر لـ"المؤامرة"، وقتها انقر فقط على محرك البحث جوجل لتدرك كيف كان موقف الطاعن –أي طاعن- في جسد الثورة، خلال عام 2011 !
بيننا وبينهم قصاصات الصحف، ومقاطع الفيديو المصورة، وللأجيال المتعاقبة حرية الحكم!
(3)
على كوبري الجلاء -ظهر 25 يناير 2011-، وقف الشاب العشريني ذو المظهر الأنيق، محدثًا مجند الأمن المركزي، أخبره أن هذه التظاهرة لأجله، ورفاقه المطحونين، حيث انعدام فرص الحياة بالنسبة له بعد انتهاء فترة التجنيد، وفسر له بعبارات هادئة أنّ هتاف "عيش –حرية-عدالة-إنسانية"، يمس
المصريين جميعًا، بدا كلامه العاطفي ملامسًا لقلب المجند، ففاضت عيناه، طلب الشاب منه عدم الاشتباك، لأن لا عداوة بينهما –حسبما يصورون-له، استحضر تلك الصورة الآن، وقد بات التاريخ ملخصًا بحسب فضائيات –لاتعرف الثورة إطلاقًا- في شيطنة الثوار، لصالح إحياء ذكرى "عيد الشرطة".
أفضل ما في مرحلة انكسار الثورة الحالية، أنها تخلصت من شوائبها العالقة، ونفضت عن جسدها، غبارا، حسبناه يوما ما، ساترًا يؤمنها!
(4)
يعرف من أتى الميدان زائرا، أو ثائرا، أو أيا كانت وضعيته، كيف حدث التماس الإنساني العفوي، بين جموع المصريين، ولكل شاب في الذكرى، ذكرى يرويها.. يكفي أنها في ذاكرة أعدائها تاريخًا لـ"الهزيمة"، وفي ذاكرة الوطن ملحمة إنسانية مرصعة بدماء الشهداء، نعم شهداء وصورة اللواء محسن الفنجري لم تزل في خلفية المشهد منذ بدايته.
ليس أمامهم سوى تمجيدها، وتخليدها، كل رهانات التشويه خاسرة، لأن قلوب الأطفال الذين شاركوا، وعقولهم لم تزل حاضرة!
(5)
غابت صور الشهداء عن ميدان التحرير -25 يناير 2014-، وقتها لم يسمح بالدخول إلا لفصيل مؤيدي الفريق عبدالفتاح السيسي-وزير الدفاع وقتئذ-، سألت أحد الضباط المعنيين بتأمين الميدان: لماذا غابت صور رموز الثورة في ذكراها الثالثة؟.. فأجابني مندهشا: لم نمنعها !، كررت السؤال على أحد الباعة : فنكسّ رأسه قائلًا : مش عارف أقول لك إيه يا أستاذ!
ندرك أن استنساخ الحال من المحال، وأن استدعاء اللحظة التاريخية بتفاصيلها، أمرا يدخل دائرة المستحيلات، لكن ما ندركه أيضًا أن الثورة خالدة في ديباجة دستور الدولة، وأن نائبًا موتورًا أهانها على رؤوس الأشهاد، دون أثر لـ"لوم" فضلًا عن العقاب.
- إذا اعتبرتم إهانة 25 يناير حرية رأي يكفلها الدستور، فلماذا لا تعتبرون إهانتها -بنفس المنطق- جريمة بحكم الدستور؟!
(6)
- دعونا نتوقف الآن عن جدلية الاعتراف بـ"25 يناير" من عدمها، واحسموا لنا، ما الذي تحقق على أنقاضها!
- احذف معي الثورة الآن من المشهد المصري، وعد بذاكرتك قليلًا إلى 24 يناير 2011، حيث برلمان تسيطر عليه أغلبية الحزب الوطني –المنحل-، وشعب علّقت آماله بأقدام لاعبي منتخب مصر، تمامًا كشعبية الرئيس والوريث-آنذاك، وأوضاع صحية، وتعليمية، لم تقل بؤسًا عما صرنا إليه، ثم أعد المشهد دون حذف، حتى نصل إلى افتتاحية مجلس النواب، وأغلبية ائتلاف "دعم مصر"، واذكر لي شيئًا واحدًا تحقق دون استدعاء لأي استقطاب سياسي من أي نوع؟!
- انتقل الأمر من "خليهم يتسلوا"-مبارك في افتتاحية برلمان 2010 إلى "اللي هيتكلم عن 25 يناير هيضرب بالجزمة"- نُسخة مبارك في برلمان 2016، الفارق في المشهدين، أنّ صاحب العبارة الأولى "حرامي" بحكم القضاء، والثاني "مجرم" بحكم الدستور، لم يمثل قضائيا بعد!
(7)
من يملك إعلاما، وصحفا، ودولة مستقرة، ليس له أن ينشغل بـ"نوستالجيا" افتراضية لـ"مريدي يناير"، فقط عليه أن ينشغل بالأزمات الواقعية، حتى تبدو ذكرى الثورة مجرد ملهاة بائسة-حسبما يريد نوّاب 2016 !
حتى يصير هناك منجزا حقيقيا، يستوعبه شعب ليس افتراضيا، لا تعنيه 25 يناير، أو غيرها، بقدر ما تعنيه حاجاته المؤجلة، دعونا ندوّن "أنا شاركت في ثورة يناير".