نشرت صحيفة "لوبوان" الفرنسية تقريرا تناولت فيه حرب النفوذ بين
إيران والسعودية في
أفريقيا، التي أصبحت تمثل امتدادا للتجاذبات السياسية والدينية بين القطبين الشيعي والسني في الشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن التوتر بين إيران والسعودية امتد جغرافيا بقدر امتداده التاريخي، حيث تتعامل المملكة مع المد الشيعي الزاحف على القارة السمراء على أنه "تهديد لأمنها القومي" ومصالحها في أفريقيا؛ التي يمكن أن تطيح بها إيران بعد خروجها من عزلتها الاقتصادية والسياسية.
وذكرت الصحيفة أن
السعودية وظفت كل ثقلها الدبلوماسي والاقتصادي لعزل إيران دبلوماسيا في القارة الأفريقية، حيث عملت على إقناع "أصدقائها" في أفريقيا بقطع علاقاتهم الدبلوماسية مع طهران، بعد رد الفعل العنيف على إعدام المملكة رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر.
وأضافت الصحيفة أن بعض الدول الأفريقية لم تتردد في الانحياز للسعودية، ومن بينها السودان وجيبوتي والصومال. وقد لعبت العوامل الاقتصادية والجغرافية دورا كبيرا في تشكيل خارطة نفوذ البلدين في أفريقيا التي دانت في جزئها الشرقي للمملكة، بينما ينحصر النفوذ الإيراني في دول أفريقيا جنوب الصحراء.
واعتبرت الصحيفة أن السعودية وجدت صعوبة في إقناع بعض الدول الأفريقية، وأحيانا الإسلامية، ممن تعتبرهم حلفاءها التاريخيين، بوجهة نظرها فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني في المنطقة، إذ إن المغرب الذي يعتبر أبرز حليف للمملكة في شمال أفريقيا، فضل التزام الحياد عندما دعت الوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية في المغرب، امباركة بوعيدة، "البلدين لضبط النفس وتجنب التصعيد"، قبل أن تتدارك الرباط موقفها لاحقا بتحميل "إيران وحدها المسؤولية عن هذه الأزمة".
وأضافت الصحيفة أن الأزمة الدبلوماسية بين إيران والسعودية تمثل اختبارا حقيقيا للدول الأفريقية، التي يبدو أنها لا زالت مترددة في حسم موقفها، وهو ما تجسد في موقف "المخزن المغربي" الذي فضل عدم إقحامه في
الصراع الإيراني السعودي، بعد أن استعاد المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران في سنة 2014.
وذكرت الصحيفة أن توقعات السعودية من حلفائها في القارة الأفريقية، وخاصة الدول الأعضاء في الجامعة العربية، تتجاوز مجرد المراهنة على مواقفهم السياسية من إيران، حيث تطمح المملكة إلى إقحامهم في الحرب اليمنية، عن طريق المشاركة في الحلف الجوي الذي تقوده الرياض منذ شهر آذار/ مارس 2015، ضد مواقع الحوثيين الذين يمثلون الذراع العسكري لإيران في اليمن، إلا أن السودان وحده وافق على مشاركة محدودة في هذه الحملة.
واعتبرت الصحيفة أن الصراع بين القطب الشيعي بقيادة إيران، والقطب السني بقيادة السعودية، بدا واضحا في تضارب المواقف السياسية في السودان أكثر من أي بلد أفريقي آخر، حيث كانت الخرطوم إلى حدود سنوات مضت نقطة الدعم الخلفية للنفوذ الإيراني الممتد في شرق أفريقيا، وهو ما دفع بالخرطوم إلى تبني مشروع "الإسلام العالمي" في تسعينيات القرن الماضي لإنهاء النفوذ السعودي في المنطقة.
وأضافت الصحيفة أن السعودية وظفت كل ثقلها الاقتصادي لإقناع الرئيس السوداني عمر البشير؛ بالوقوف إلى جانب المملكة في التصدي للنفوذ الإيراني، وهو ما نجحت فيه الرياض إلى حد موافقة البشير على إرسال مئات الجنود للمشاركة في الحملة العسكرية في اليمن، وفي المقابل تعهدت المملكة في ربيع سنة 2015 بضخ مليارات الدولارات لتطوير قطاع الفلاحة وبناء السدود في السودان.
واعتبرت الصحيفة أن إيران فشلت في المحافظة على "حلفائها التقليديين" في أفريقيا، بعد أن نجحت المملكة السعودية في إغراء السودان، الذي وجد في وعود المملكة بدعمه اقتصاديا فرصة لتجاوز انعكاسات العقوبات الدولية التي فرضت عليه من طرف الأمم المتحدة منذ سنة 1997.
أما موقف إريتريا من الصراع السعودي الإيراني، فلم يختلف كثيرا عن الموقف السوداني، حيث قطعت إريتريا، التي كانت قبل سنوات مضت تدعم الحوثيين بالسلاح، علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.
وذكرت الصحيفة أن الأزمة الدبلوماسية بين إيران والسعودية أحرجت الدول الأفريقية التي تفضل عدم إقحامها في صراع ثنائي بين الدولتين، وهو ما ترغب المملكة في تغييره لصالحها، حيث تسعى إلى الضغط على دول الساحل الأفريقي عن طريق نشر الفكر الوهابي في تشاد والسنغال.
وأضافت الصحيفة أن الموقف المحايد لبعض الدول الأفريقية لا يمكن أن يصمد كثيرا أمام النفوذ الاقتصادي والديني للسعودية، التي تترأس المؤتمر الإسلامي الذي ينظم مناسك الحج، ويحدد نصيب الدول الأفريقية والإسلامية في كل موسم، ما يعني أن المصالح المشتركة تتجاوز البعدين السياسي والاقتصادي.
واعتبرت الصحيفة أن النفوذ الإيراني في القارة الأفريقية يعود إلى أواخر القرن السادس عشر، حيث عملت إيران على دعم القطاع الفلاحي في السنغال، وقامت بدعم غامبيا عسكريا في سنة 2010، ومنذ قدوم حسن روحاني لم تخف طهران رغبتها في التقرب من مصر والمغرب للخروج من عزلتها الاقتصادية والسياسية بعد رفع العقوبات الدولية عنها.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن إيران أصبحت تمثل تهديدا حقيقيا لمصالح السعودية في أفريقيا، إلا أن الدول الأفريقية لا زالت مترددة في حسم موقفها من هذا الصراع الثنائي، الذي يبدو أنه تجاوز منطقة الخليج العربي نحو أفريقيا، وحتى أوروبا.