دعت صحيفة "تسايت" الألمانية؛ الدول الغربية إلى التفاوض مع
تنظيم الدولة، إذا كانت رغبة هذا الأخير جادة في إحلال
السلام، بدل الاكتفاء بالاعتماد على الحلول العسكرية التي لا تؤدي إلا لسقوط المزيد من الضحايا.
وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، إن نشطاء السلام في ألمانيا، الذين عارضوا التوجه الغربي نحو شن عمليات عسكرية في سوريا ضد تنظيم الدولة، تعرضوا لانتقادات لاذعة واتهامات بأنهم يعارضون الحلول العسكرية "بشكل عبثي"، دون أن يطرحوا أي بدائل لها.
وأشارت الصحيفة إلى أن نشطاء السلام الألمانK يعتقدون أن التدخل العسكري الغربي في سوريا ليس قانونيا، بما أن مجلس الأمن الدولي دعا إلى محاربة هذا التنظيم ولكنه لم يصدر قرارا رسميا بالتدخل العسكري في سوريا، كما أن المخططات الغربية تفتقر إلى رؤية واضحة لكيفية حماية المدنيين وضمان سلامتهم، ما يعني تواصل وقوع المزيد من الضحايا بسبب الغارات الجوية التي تشنها طائرات الدول الغربية، وتعميق معاناة الشعب السوري الذي يعاني من انتهاكات نظام بشار الأسد وقصف الطائرات الروسية وإرهاب تنظيم الدولة.
وأضافت الصحيفة أن تيار دعاة السلام دعا منذ بداية سنة 2012 إلى دعم المعارضة السورية غير المسلحة بالوسائل كافة، حتى تؤدي دورا في إنهاء الصراع، ولكن المشكلة هي أن بقية أطراف الصراع تدّعي رغبتها في إحلال السلام، ولكنها في الوقت ذاته ترفض الجلوس مع خصومها للتفاوض، والواقع أن من يريد فعلا تحقيق السلام عليه أن يتحلى بالشجاعة للتفاوض مع أعدائه.
واعتبرت الصحيفة أن الدول الجادة في التوصل لحل سياسي للأزمة السورية، وخاصة تلك الممثلة في مباحثات جنيف، مدعوة إلى جمع كل الأطراف المعنية حول طاولة واحدة دون استثناء، بما في ذلك تنظيم الدولة الذي لا يمكن التوصل لوقف إطلاق النار وإنهاء الصراع السوري دون إشراكه في
المفاوضات، على حد تعبير الصحيفة.
وذكرت الصحيفة أن التاريخ مليء بالنجاحات السياسية التي تم تحقيقها عبر التفاوض مع منظمات متطرفة، على غرار الجيش الجمهوري الإيرلندي في إيرلندا الشمالية، وجماعة طالبان في أفغانستان. ورغم أن البعض يعتبر أن هذه المجموعات "شريرة وإرهابية ويجب عدم التفاوض معها"، ويرى البعض الآخر أنها غير مستعدة للتفاوض أصلا، فإن جميع الأطراف تضطر في النهاية إلى التفاوض معها، بعد سقوط عدد كبير من الضحايا من الطرفين، وفي صفوف المدنيين الأبرياء.
واعتبرت الصحيفة أن المجازر التي ارتكبها تنظيم الدولة ضد اليزيديين والشيعة وكل معارضيه بصفة عامة، ليست هدفا بحد ذاتها، بل هي مجرد وسيلة يعتمدها التنظيم لتحقيق أهدافه المتمثلة في إقامة "دولة الخلافة".
وأضافت الصحيفة أن تنظيم الدولة يعتمد أيضا على طرق أخرى أقل وحشية في سبيل تحقيق هذا الهدف، مثل تركيز إدارة منظمة وعصرية، وترميم الطرقات وتوزيع الطعام على الناس، وتزويج النساء السنيات بمقاتلي التنظيم.
وأكدت الصحيفة أن فكرة التفاوض مع تنظيم الدولة ليست خيالية أو مستحيلة كما قد تبدو للوهلة الأولى، حيث إن هذا التنظيم المستعد لفعل كل شيء لإقامة دولته، سيكون مستعدا أيضا للتفاوض وتقديم بعض التنازلات في سبيل تحقيق هذا الهدف، وهذه هي النقطة المركزية التي يمكن الانطلاق منها لجره إلى طاولة المفاوضات.
واعتبرت الصحيفة أن التفاوض مع تنظيم الدولة وتقديمه بعض التنازلات سيكون أمرا صعبا، بما أن ذلك سيعني المس من سيادة الأراضي السورية والعراقية، وسيشكل أيضا خطرا على إيران وتركيا ودول أخرى في المنطقة، ولكن رغم ذلك فإنه لا ضرر من المحاولة، على حد تعبيرها.
وأضافت الصحيفة أن التفاوض مع تنظيم الدولة قد يؤدي إلى وضع حدّ للإرهاب الذي يمارسه داخل معاقله، وفي أنحاء العالم كافة، وستكون هذه الطريقة أكثر نجاعة وأقل تدميرا من الحلول العسكرية التي تعتمدها روسيا وحلف شمال الأطلسي، بحسب قولها.
وقالت الصحيفة إن الحلول العسكرية لا يمكن أن تضع حدّا للإرهاب، وهو ما أثبتته في السابق التجارب مع الجيش الجمهوري الإيرلندي، وخلال الحرب على
الإرهاب التي أعلنتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر؛ لأنه كلما طالت هذه المعركة فإنها تؤجج المزيد من مشاعر الكراهية والرغبة في الانتقام بين الضحايا، وتسهل عملية استقطاب التنظيمات الإرهابية للمزيد من العناصر.