نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن تقريرا للصحافية سارة إليزابيث ويليام، حول حالة عائلة الطيار الأردني معاذ
الكساسبة، بعد عام من إعدام
تنظيم الدولة له حرقا في قفص من حديد.
وينقل التقرير عن الأخ الأكبر للطيار، جواد الكساسبة، قوله إنه هو وعائلته يعيشون حالة مطاردة ذكريات معاذ لهم، الشخص الذي يصفه جواد بأنه "أفضلنا".
وتشير الكاتبة إلى أن "هناك مكالمات من أشخاص يدعون بأن لديهم إثباتات بأن الطيار الأردني معاذ الكساسبة لا يزال حيا، وأن حرق تنظيم الدولة له حيا في حدود يوم 3 كانون الثاني/يناير 2015، لم يكن سوى مجرد خدعة".
ويذكر الموقع أن "هناك أشرطة فيديو يعود تاريخ أحدثها إلى أواسط كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حيث يدعي أشخاص قالوا إنهم كانوا سجناء لدى تنظيم الدولة، وزعموا أنهم شاركوا معاذ في الزنزانة ذاتها بعد تاريخ قتله بفترة طويلة. ومع أن جواد وإخوته لا يصدقون تلك الادعاءات، إلا أن آخرين يصدقونها، وتنكأ الأسئلة والتعليقات جرحا لا يزال طريا لعائلة لا تزال تحاول قبول الميتة البشعة التي لقيها ابنها".
ويضيف الموقع أن "غرباء يطرقون الباب يثقلون على العائلة الحزينة بطلب خدمة من مسؤول حكومي أو آخر".
وتعلق ويليام بأن "الأهم من ذلك كله هو أن سؤالا كبيرا لم تتم الإجابة عنه، وهو: لماذا وقعت
طائرة الكساسبة في مناطق تنظيم الدولة في
سوريا في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2014؟". ويتساءل جواد: "ماذا حصل لمعاذ؟ في رأينا كان الأمر مدبرا، فقد أعطي مهمة ليست له وفي آخر اتصال له لم يكن مرتاحا لها".
ويلفت التقرير إلى أن "تلك المهمة كانت القيام بقصف الرقة، وقام الملازم الكساسبة بالإقلاع في الساعة السادسة صباحا، وحلق فوق شمال سوريا في السابعة صباحا، وبعد ذلك بساعة أو ساعتين لم يكن واضحا إن كانت طائرته سقطت أم لا، ولكن وبعد الساعة التاسعة صباحا ظهر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر الطيار شبه عار، ويجره مقاتلو تنظيم الدولة من الماء".
وتقول الكاتبة إن "الأرن وحلفاءه راوغوا لمدة ستة أسابيع، بينما قام تنظيم الدولة بعرض الرهائن على صفحات مجلة (دابق)، مجلة التنظيم الناطقة باللغة الإنجليزية، ثم كان هناك صمت. وتم فتح قنوات تفاوض سرية للتحقق من أن الكساسبة كان لا يزال حيا، ولترتيب تبادل أسرى، بحيث تطلق السجينة ساجدة الريشاوي المحكوم عليها بالإعدام في الأردن، مقابل الطيار معاذ الكساسبة والصحافي الياباني كنجي غوتو، ولكن تلك الجهود ذهبت هباء. وقام تنظيم الدولة بنشر فيديو جيد الإنتاج يصور فيه أنه قام بحرق الكساسبة حيا في قفص حديدي. وقدرت الحكومة الأردنية أنه كان قد مات قبل شهر من بث الفيديو".
ويستدرك الموقع بأن الظروف الدقيقة التي قادت إلى وفاته لا تزال غير واضحة. وفي فيديو إعدامه، قال الكساسبة بأنه قفز من طائرته بعد أن أصيبت بنيران مضادة للطائرات، كما كانت هناك ادعاءات بأن الطائرة أصيبت بصاروخ حراري، ولكن السلطات الأردنية والأمريكية أصرتا على أن تنظيم الدولة لا يمتلك وسائل تمكنه من إسقاط الطائرات.
ويقول جواد للموقع: "كل شيء ضبابي، ولا شيء واضح، فالتحالف أعطانا تفسيرا يختلف عن التفسير الذي أعطانا إياه الأردن، وأمريكا أعطتنا إيضاحا مختلفا أيضا. ويدعي تنظيم الدولة أنه أسقط الطائرة. يجب أن يكون هناك سبب لسقوطها، فمعاذ كان طيارا محترفا. ولا أدري من أسقط الطائرة، ولكن أنا متأكد أنه ليس تنظيم الدولة".
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن جواد قال إن عائلته طلبت مرارا أن تسمع تسجيلا لآخر دقائق له في الطائرة، ولكنهم لم يمنحوا العائلة ذلك. ويقول جواد: "سألناهم عن ساعة إسقاط الطائرة بالضبط، وهي معلومات يجب أن تتوفر لدى سلاح الطيران الأردني بالتأكيد، ولكن لم يكن هناك جواب".
وتنوه ويليام إلى أنه تم الاتصال بالجيش الأردني، ولكنه رفض التعليق على الموضوع. وتقول الكاتبة إنه بعد عام من إعدام ابنهم، يتزايد شعور العائلة بالإحباط من حكومة تشعر العائلة بأنها أهملتها.
وتقول الكاتبة: "أصبح جواد البالغ من العمر 34 عاما في مكان رب الأسرة مع تدهور صحة والديه. وتحدث مع (ميدل إيست آي) من مستشفى في عمان مع والدته إيساف الكساسبة، التي تدخل المستشفى لثالث مرة خلال شهرين بسبب التهاب صدري".
وتضيف ويليام: "من رآها قبل عام عندما كانت تتمتع بصحة جيدة لن يعرفها اليوم، بعد أن هدها المرض، وجلست بجسدها النحيل تستمع لابنها جواد يتحدث عن أخيه الذي أعدمه تنظيم الدولة، فتقول والدموع تملأ عينيها: (هناك أشياء لا نزال لا نعرف جوابها)".
وتتابع الكاتبة قائلة: "يقول جواد لو عرفت العائلة ماذا حصل بالضبط لتمكنت من عمل شيء تجاه المضايقات، ولكن نتائج تحقيق الحكومة في الموضوع تأخرت، والمسؤولون في الجيش وسلاح الجو لا يردون على مكالماته".
ويذكر الموقع أن عائلة الكساسبة وعشيرة البرارشة، التي تنتمي العائلة إليها، وقفتا مع الحكومة على مدى العام الماضي، ويقول جواد: "نحب بلدنا ونقدر الاستقرار فيه"، ولذلك فإن انتقاد الحكومة سيضعف قبضتها على السلام والاستقرار في منطقة مشتعلة.
ويستدرك التقرير بأن "هذا الصبر بدأ ينفد، فجواد، الذي يعمل مهندس حاسوب بعد أن خدم طيارا في سلاح الجو، يحطمه انهيار عائلته الباقية على قيد الحياة بالمقدار ذاته الذي تحطمه خسارة أخيه، أبوه صافي، الذي كان قويا وبصحة جيدة، لم يعد قويا، ودخل المستشفى مرات عديدة، وأمه نحلت إلى حد كبير، ولو رأيت الصور التي عرضها جواد لـ(ميدل إيست آي) تظهر أمه مع أخيه قبل وفاته لقلت إنها صور لامرأة أخرى".
وتبين ويليام أنه في الأيام الأولى بعد القبض على معاذ، التف الشعب الأردني حول قضية استرجاع الطيار الشاب، وعلى مدى ستة أسابيع من المفاوضات كانت الأغاني الحماسية حول "الطيار البطل معاذ"، وحول قوة المملكة الهاشمية تبث في الإذاعات، فقد وحد الكساسبة الأردنيين، حتى عندما كانت عائلته تصر على أن ابنها كان يجب ألا يرسل لإلقاء القنابل على المسلمين، وأن هذه الحرب ليست حرب الأردن.
ويلفت الموقع إلى أن هذا كله تغير عندما تم نشر فيديو الإعدام؛ فأصبحت البلاد كلها تطالب بالثأر، وحتى جواد غير رأيه بالنسبة للحرب على تنظيم الدولة، وأصبح مقتنعا بأنها حرب الأردن، ولو للانتقام لأخيه.
ويستدرك التقرير بأنه وبعد عام، لم تعد قضية الطيار في أعلى قائمة اهتمام الأردنيين، ومع أن البلاد مليئة بالدوارات المسماة باسم الكساسبة، وبعد 56 طلعة ضد تنظيم الدولة في الأسبوع الأول من نشر الفيديو، لم تسقط القنابل الأردنية على التنظيم منذ آب/ أغسطس 2015.
وتشير الكاتبة إلى أن الملك عبد الله الثاني سمى المعركة ضد تنظيم الدولة وعنف المتطرفين بـ"الحرب العالمية الثالثة"، مستدركة بأن الأردن تخوض المعركة بحذر وبالتشاور، فهي لديها مشكلات أخرى من البطالة وعدم الاستقرار الناجم عن الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين المحتاجين للمساعدة، والصراع الداخلي مع التطرف.
ويكشف الموقع عن أن الأمثلة الحديثة حول تجنيد تنظيم الدولة لشباب أردنيين، تشير إلى أن التنظيم يملك موطئ قدم في الأردن، مشيرا إلى أن الخطر في الأردن لا يتعلق بالخوف من اجتياح للحدود من تنظيم الدولة، بقدر ما يتعلق بزعزعة القوى الموجودة فيه.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أنه بالنسبة لجواد وعائلته، الذين يصفون أنفسهم بأبناء وبنات الأردن، فإن الاستقرار مسألة مهمة، ويفضلون أن يكظموا غيظهم لأجل البلاد التي يحبونها، أكثر من أن يقوموا بالإفصاح عن الإحباط الذي يعانون منه علنا، فيثيروا غضب مواطنيهم، وبالتالي المخاطرة بزعزعة الاستقرار في واحد من آخر البلدان المستقرة في منطقة شديدة التقلب.