علق الباحث في برنامج أوروبا في المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" فادي حاكورة على استهداف
تنظيم الدولة لساحة السلطان أحمد السياحية، بهجوم راح ضحيته عشرة سياح معظمهم ألمان، بأنه عرض للتحديات الكثيرة التي تواجهها الحكومة التركية.
ويقول الكاتب في تقريره، الذي نشرته مجلة "نيوزويك"، إن أهم وأكبر تحد هو مكافحة تنظيم الدولة في
العراق وسوريا، الذي أشار رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو إلى أنه الجاني الحقيقي وراء هجوم السلطان أحمد.
ويضيف حاكورة إن متشددي تنظيم الدولة ارتكبوا عددا من الهجمات العنيفة في
تركيا، بما فيها قتل حوالي 100 من مؤيدي حزب يساري كردي في أنقرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2015.
ويشير التقرير إلى أن "هجوم إسطنبول يأتي على قاعدة أكبر، حيث استهدف قطاعا سياحيا يشكل نسبة 12% من الاقتصاد التركي، بحسب تقرير لمجلس السياحة والسفر العالمي، وهو ما يدعو للرد بقسوة وبشكل حاسم من أجل مواجهة التداعيات السلبية لهذا الحادث على الاقتصاد الذي يعاني من ركود".
ويقول الكاتب: "في الوقت الذي تتعامل فيه تركيا مع تنظيم الدولة على أنه تهديد، وقد اتخذت سلسلة من الإجراءات ضد المتشددين الإسلاميين، فإن التنظيم ليس هو التهديد الوحيد لاستقرار تركيا، ولكن العدد الكبير من اللاجئين السوريين البالغ عددهم حوالي 2.5 مليون نسمة، والحدود الطويلة التي تمتد على طول 910 كليومترات من
سوريا، مع عشرات آلاف المقاتلين الإسلاميين الذين يتمترسون حولها. وتواجه تركيا شبه عزلة في الشرق الأوسط، ويخوض الجيش التركي معركة مع متمردي حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)".
وتذكر المجلة أن الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان عادة ما يحمل المتمردين الأكراد مسؤولية المشكلات الكثيرة التي تواجهها حكومته، بدلا من الحديث عن سياسات حكومته، ويرى أن بقاء الحكومة السورية في دمشق والتردد الأمريكي في التورط بالحرب الأهلية هناك، هما السبب الحقيقي وراء وجود تنظيم الدولة،ويتعامل مع القضية الكردية في تركيا من خلال منظور نزاعه مع التمرد الذي يقوده حزب العمال الكردستاني، وذهب بعيدا في اتهام لوبي المصالح بالوقوف وراء مشكلات تركيا الداخلية.
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "نظريات المؤامرة لا يمكنها توضيح مشكلات تركيا الحقيقية ووضعها الهش، المرتبط بتخليها عن موقفها التقليدي المتوازن، القائم على اللاتدخل- أو صفر مشكلات مع الجيران- والقائم على سياسة خارجية مرنة ومؤيدة للغرب، وفضلت عليه موقفا يقوم على الأيديولوجيا، وهو ما قاد تركيا للتورط في التصدع السياسي، والانقسام الطائفي الذي يمزق المنطقة إلى أجزاء".
ويلفت حاكورة إلى أن تمزق العلاقات مع روسيا، وحالة عدم الثقة في العلاقات مع إيران والحكومة المركزية في العراق، وتذبذب العلاقات مع أوروبا وأمريكا، يعني أن تركيا لم تعد البلد الذي يبني الجسور بين الأطراف المتنازعة، مثل إيران والسعودية، في شرق أوسط ملتهب.
ويقول الكاتب إنه "كان من المثير للدهشة عندما عبرت إسرائيل ما بين عامي 2007 و2008 عن ترحيبها بدعم تركيا مصالحة مع سوريا، ووثقت بها إيران في عام 2010، لدرجة أنها وافقت على تخصيب اليورانيوم على الأراضي التركية".
ويضيف حاكورة: "لم يكن مفاجئا عندما رفضت الولايات المتحدة طلب أردوغان إقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية؛ لوقف توسع الإقليم الكردي المستقل في شمال سوريا، وزيادة الجهود لإسقاط نظام بشار الأسد. وتجاهلت أمريكا الاحتجاجات المستمرة من القيادة التركية لوقف التعاون مع الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وهو حزب الاتحاد الكردستاني وفرعه العسكري قوات الحماية الشعبية، في الحرب ضد تنظيم الدولة".
وتفيد المجلة بأنه على الصعيد المحلي تخلى الرئيس التركي عن سياساته التي تميزت بها فترته الأولى من الحكم، والقائمة على الإصلاح والسياسات القريبة من الاتحاد الأوروبي. وأدت سياساته، التي تستخدم الدين والوطنية، إلى زيادة التوتر بين الأتراك والأكراد، والانقسام بين المحافظين والعلمانيين، وأصبحت ثقة المستثمرين المحليين والأجانب بالحكومة أقل.
وينوه التقرير إلى تحد آخر نابع من إصرار أردوغان على تحويل تركيا من جمهورية برلمانية إلى رئاسة تنفيذية.
ويرى الكاتب أن "التعقيدات المحلية والأجنبية حجبت تركيا عن أداء دور قيادي في الشرق الأوسط، ولا يمكن القيام به إن ظلت الحكومة تواصل سياستها بهذه الطريقة".
ويخلص حاكورة إلى القول: "ستصبح تركيا قوة استقرار في الشرق الأوسط فقط عندما تتحول 180 درجة في سياساتها، خاصة النابعة من مستنقع سوريا والانفجار العراقي، وفي الوقت ذاته تقوم بتهدئة الأوضاع محليا، وتستعيد دورها الريادي، الذي تمتعت به قبل وقت ليس بالطويل".