وجه عدد من الصحفيين
المصريين انتقادات شديدة إلى الخطاب الذي ألقاه رئيس الانقلاب
عبدالفتاح السيسي، السبت، لدى افتتاحه، عبر "الفيديو كونفرانس"، عددا من المشروعات الخدمية، مؤكدين أنه يقوم بعلاج جزئي لحالة التخلف الممسكة بالبلاد، وأنه يتبع الخطوات نفسها التي كان يتبعها الرئيس المخلوع حسني مبارك.
واستنكروا أن يكون افتتاح السيسي محطة صرف صحي أو محطة مياه شرب إنجازا عظيما، متسائلين: "لماذا يحاول السيسي تسويق بعض
المشاريع باعتبارها إنجازا عظيما كما كان يفعل مبارك؟"، مشددين على أن استعجال السيسي تنفيذ بعض هذه المشاريع، والموافقة على ذلك، قد ينبئ بكارثة.
السيسي يسير على سطر ويترك سطرا
وتحت عنوان: "الرئيس ماشي على سطر وبيسيب سطر"، بجريدة "المقال"، الأحد، تساءل محمد زكي الشيمي: كيف تحولت كلمة الرئيس إلى مداخلات قصيرة؟ وهل دور الدولة توفير وحدات سكنية لتغطية الزيادة السكانية فقط؟ وكيف كان حديث الرئيس عن جماهير الكرة أقرب إلى التحليل؟
وفي التفاصيل قال الشيمي: "حديث السيسي عن كوبري سوهاج بأنه إذا كان المطلوب عمل "خوازيق" عند مطلع الكوبري، كما قال، فإنها بالتأكيد لن تستغرق أربعة أسابيع فقط ليتم تنفيذها، وإعادة التشغيل بعدها، ولكن في جميع الأحوال "المياه تكذب الغطاس"، وإن كان هذا يشير لإعطاء الرئيس أولوية دائمة للوقت، وهو أمر جيد لو لم يكن على حساب المضمون، وهو أمر يمكن استنتاج تكراره مستقبلا من رد الرئيس في قضية إصلاح مهبط مطار القاهرة، فقد طلب اللواء كامل الوزير أربعة شهور، فقال الرئيس إنه يريد الإنجاز في شهر فقط ليشهد العالم كيف ينجح المصريون بالتنظيم والإصرار، ثم قال: "طيب.. ثلاثة شهور"، وهي مطالب وردود غريبة في العمل الهندسي وغير مريحة، وقد تنبئ بكارثة إلا إذا كان ما نراه هو "فيلم هندي"، وأن التقديرات أساسا مبالغ فيها ليتم تخفيضها".
خطوات مبارك نفسها
وفي سياق متصل، وصف أحمد رمضان الديباوي، في الجريدة نفسها، مشاريع السيسي بأنها: "نفس الخطوات التي كان يتبعها مبارك يباركها السيسي.. إلا قليلا"، متسائلا: هل يمثل افتتاح الرئيس محطة صرف صحي أو محطة مياه شرب إنجازا عظيما؟ ولماذا يحاول الرئيس السيسي تسويق بعض المشاريع باعتبارها إنجازا عظيما كما كان يفعل مبارك؟
وقال الديباوي: "بصراحة شديدة، مثلي لا يقتنع البتة، بأن تحلق طائرة بالرئيس فيهبط منها، قبل أن يشق موكبه طريقه باتجاه مشروع جديد، كافتتاح جسر أو محطة كهرباء أو محطة صرف صحي أو محطة مياه شرب، أو غير ذلك من تلك المشاريع العادية، التي لا تمثل في حد ذاتها إنجازا فائقا لدولة ما، باعتبار وجودها - من الأساس - ينم عن احترام تلك الدولة آدمية مواطنيها، وسعيها لتوفير بنية أساسية تليق بآدميتهم، خصوصا بعد التقدم الحضاري والصناعي والعلمي الكبير، الذي شهدته الإنسانية في العقود الأخيرة، الأمر الذي يجعل من تصوير تلك المشاريع باعتبارها إنجازا عظيما يثير السخرية والدهشة في آن، لا لشيء سوى المبالغة في تضخيم الحدث باعتباره حدث الأحداث، عجيبة العجائب، وهو عين ما كان يحدث أيام الرئيس السابق المخلوع حسني مبارك".
وأشار الكاتب إلى أن إعلام صفوت الشريف، ثم أنس الفقي من بعده، كان يصور افتتاح مبارك جسرا من الجسور، أو محطة من محطات الصرف الصحي أو مياه الشرب، باعتباره إنجازا "ما كان ليتم لولا مباركة السيد الرئيس، وعنايته، وعطف سيادته على المواطنين، ثم في كل محفل ومناسبة، بل كان مبارك يتيه عجبا ومنا بإنجازاته التي افتتحها، وباركها، وكأنه يقتطع من مصروف بيته وأولاده؛ ليدشن للمصريين محطات المجاري والشرب"، بحسب الكاتب.
لا فرق بين دولة السيسي ودولة الباشا
وفي مقاله بعنوان "لا فرق بين دولة السيسي ودولة الباشا" بجريدة "المقال"، كذلك، قال نبيل عمر: "كفانا الدولة الخفير الحارس على امتيازات أوضاع فاسدة، ترفع شعار سيادة القانون اسما، بينما القانون عاجز ومهان إما بالبطء أو بالالتفاف عليه".
وتابع عمر أن أهم شروط التحديث الفعال هو الدولة المهتمة بتطوير وتنمية القوة العسكرية والإنتاجية والمكانة الدولية لمجتمعها، وأهم قواعدها السيادة المطلقة لقانون موحد يخضع له جميع سكانها من أكبر رأس فيها إلى أبسط مواطن على أرضها، وأيضا تكافؤ الفرص بين الجميع.
واستدرك: "لكن عندنا كانت الدولة شيئا آخر، دولة خفير، حارسة لأوضاع قائمة بالفعل أو أوضاع استحدثتها، ونتج عنها امتيازات كان الحفاظ عليها هو جل أهدافها، دولة تكافؤ الفرص فيها مقتول بالواسطة والمحسوبية والسلطة والنفوذ، دولة هي الحكومة وليست الحكومة مجرد "جهاز إداري سياسي" ينوب عن الناس، ومختار منهم!
وشدد الكاتب على أن "التحديث الصحيح يقوم على مبدأ حكم القانون "حقوق واحدة وواجبات متساوية وفرص متكافئة للجميع"، وإذا نظرنا إلى حياتنا الحالية سنجد بناء طريق أو كباري أو نفق أو مدينة ملحقة بالقاهرة أو مدارس أو محطات صرف صحي أو كهرباء، وكلها علاج جزئي لحالة التخلف الممسكة بنا، وهكذا نحن من أوائل القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن الحادي والعشرين".
واستطرد: "ينقصنا مشروع حقيقي، لا علاجات جزئية، نريد نهضة فعلية لا كوبري أو مدرسا، أو"، مشيرا إلى أن مشروع التحديث الحقيقي، أن نوفر شروط التحديث، وأولها الدولة "البستاني" التي ترعى وتحمي وتوزع، وتوفر للكل فرصة الوصول إلى الشمس والهواء، حسب القدرة والحاجة، وينمو بين يديها المجتمع بشكل يحدد قانون واحد"، وفق قوله.
وشدد نبيل عمر على أن: "الدولة البستاني لن تصنعها حكومة مزجت نفسها بالدولة وأزالت الفاصل، فصارت الدولة والحكومة واحدا، الدولة البستاني لابد أن تكون مطلبا شعبيا يتبناه عدد من المثقفين الذين لم يرضو، ولم يدجنو، ولم ينضمو إلى حزب المنافقين الباحثين عن نصيب في "كعكة" الطاعة" بحسب قوله.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: "دون تحديث مصر، وتغييرها من دولة خفير إلى دولة بستاني، سنظل ندور في حلقة "الزيت والدقيق والسكر والشاي"، وربما نتحول إلى كائنات في متحف التاريخ".