نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا تناولت فيه بالتحليل تأثير الحرب ضد
تنظيم الدولة على موازنات
الدفاع الأمريكية والأوروبية، وتحديدا فرنسا التي مثلت الهدف الأبرز للهجمات الإرهابية خلال سنة 2015.
وقالت الصحيفة -في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"- إن شعور الدول الغربية بالتهديد المتنامي لتنظيم الدولة على استقرارها الداخلي ومصالحها الخارجية دفعها لمراجعة ميزانياتها المخصصة لوزارة الدفاع، بعد أن أدركت أن التعاطي مع تنظيم الدولة يقتضي تسخير إمكانيات عسكرية ولوجيستية ضخمة.
وذكرت الصحيفة أن المقاربة العسكرية للدول الغربية في مواجهة تنظيم الدولة تخضع لعدد من العوامل السياسية والاقتصادية والأمنية المتداخلة فيما بينها، التي تدفعها غالبا لمراجعة مواردها المالية المخصصة للعمليات العسكرية.
ويمكن حصر هذه العوامل المشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سياسيا وأمنيا في سياق مصالحهما الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وتهديد تنظيم الدولة لأمنهما الداخلي، والانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة. أما اقتصاديا، فتتمثل هذه العوامل في تراجع سعر البترول والضغوطات الاقتصادية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي.
وأضافت الصحيفة أن التهديد الأمني الذي يمثله تنظيم الدولة للدول الأوروبية دفعها لمراجعة مواردها المالية المخصصة للدفاع، خاصة بعد سلسلة الهجمات التي نفذها التنظيم في باريس سنة 2015، والتي قطعت مرحلة من التراجع المطرد لميزانيات الدفاع التي انطلقت منذ سنة 2008، وهو ما أكدته دراسة صدرت عن معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (ايريس) حول موازنات الدفاع الأوروبية.
وذكر معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في هذه الدراسة الحديثة التي صدرت عنه منذ أيام، أن ميزانية الدفاع في 31 دولة أوروبية باستثناء إيطاليا واليونان ولكسمبورغ والسويد، شهدت تطورا بنسبة 8.3 في المئة في سنة 2016، مقارنة بالسنة الماضية.
وذكرت الصحيفة أن تطور ميزانية الدفاع يتفاوت نسبيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن هذا التفاوت يكون بدرجة أكبر بين دول الاتحاد الأوروبي في حدّ ذاته، وهو ما أكدته الدراسة التي أثبتت أن دول
أوروبا الشرقية والوسطى سخّرت موارد مالية ضخمة للدفاع، مقارنة بدول أوروبا الغربية، وهو ما يمكن رده إلى المخاوف الأمنية التي أثارها التدخل الروسي في شبه جزيرة القرم في شهر آذار/ مارس في سنة 2014.
وأضافت الصحيفة أن أحداث باريس في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر مثلت منعرجا حاسما بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، وتحديدا فرنسا التي أدركت في السنة الماضية أن تنظيم الدولة جرّها لحرب مكلفة من خلال تنفيذ عديد العمليات الإرهابية في باريس. أما بالنسبة لألمانيا، فإن السبب مختلف لكن النتيجة واحدة؛ حيث أدى التزام برلين بدعم الجيش المالي في سنة 2013، وتقديم مساعدات عسكرية لقوات البيشمركة العراقية في سنة 2014، إلى ارتفاع ميزانية وزارة الدفاع بنسبة 2.1 مليار يورو إلى حدود سنة 2019.
وذكرت الصحيفة أن الهاجس الحقيقي بالنسبة للولايات المتحدة يتعلق بتهديد تنظيم الدولة لمصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما دفع البنتاغون لتخصيص مبلغ 582.7 مليار دولار لميزانية الدفاع الأمريكية في سنة 2017، أي بزيادة تقدر بنسبة واحد في المئة مقارنة بسنة 2016، من بينها 7.5 مليار دولار مخصصة لعمليات الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، ما يعني أن التهديد الحقيقي بالنسبة لواشنطن يتعلق بتهديد تنظيم الدولة لمصالحها الاستراتيجية أكثر مما يتعلق باستقرارها الداخلي.
وليس الخطر الخارجي هو وحده ما دفع بواشنطن لتعزيز تواجدها العسكري في قواعدها الخارجية، وبالتالي زيادة مواردها المخصصة لوزارة الدفاع، بل مثل أيضا النفوذ الروسي الزاحف في منطقة الشرق الأوسط، الذي تطمح واشنطن للتصدي له عن طريق دعم حلفائها من الدول الأوروبية في حلف شمال الأطلسي، سببا آخر لزيادة ميزانية الدفاع.
وأضافت الصحيفة أن الدول الأوروبية تعاملت مع التهديدات الأمنية التي تواجهها بطرق مختلفة، إلا أن هذا الموضوع أثار جدلا كبيرا بين الأوساط الفرنسية بعد توجه فرانسوا هولاند لزيادة الموارد المالية المخصصة للدفاع بمعدل أربعة مليارات دولار، وهو ما يمثل اثنين في المئة من الناتج المحلي.
وأشارت الصحيفة إلى أن فرنسا تدرك ضرورة تعبئة مواردها العسكرية في مواجهة تنظيم الدولة أكثر من أي بلد أوروبي آخر، رغم أنها لم تخصص سوى مبلغ 170 مليار يورو لتنمية قدراتها العسكرية في السنوات العشر القادمة، وهو مبلغ لا يعكس حقيقة التهديدات التي تواجهها فرنسا، في الوقت الذي خصصت فيه بريطانيا مبلغ 250 مليار يورو خلال الفترة ذاتها؛ ولذلك أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في مجلس الشيوخ الفرنسي، جيان بيار رافاران، أنه "من الخطر إعلان الحرب ضد تنظيم الدولة دون دعم القدرات العسكرية".
وذكرت الصحيفة أن المؤشرات الأمنية والسياسية تدعم فرضية توجه الدول الغربية لدعم الميزانية المخصصة لوزارة الدفاع خلال السنوات القادمة، خاصة أن التهديدات الإرهابية لا زالت تواجه عددا من الدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا.
وفي الختام، قالت الصحفية إن المعطيات السياسية والاقتصادية للدول الغربية خلال السنوات القادمة، يمكن أن تثبت ما إذا كانت الموارد الضخمة التي تخصصها الدول الغربية لعملياتها العسكرية في السنوات الأخيرة مجرد ردة فعل تجاه تطورات الوضع إقليميا ودوليا، أم أنها مؤشرات واقعية حول تغيير جذري للسياسات الغربية في إطار السباق نحو التسلح.