يرى الباحث في معهد واشنطن والمتخصص في شؤون دول الخليج العربي أن الطيف السياسي
البحريني يعد واسعا للغاية، ويَعتبر بعض الشيعة أن المشاركة في أي عملية سياسية رسمية أمر غير مجد، ويسعون إلى الإطاحة بنظام آل خليفة.
ويقول إن آخرين ينظرون إلى النظام بازدراء، ولكنهم يزعمون محاربتهم لأساليب العنف، وفي الوسط تقريبا "جمعية الوفاق الوطني الإسلامية"، التي لا تزال قانونية، على الرغم من مقاطعة أنصارها للانتخابات في عام 2014.
وعلى الطرف الآخر من الطيف السياسي هناك العائلة المالكة آل خليفة، التي تمثل درجات متفاوتة من الاستعداد لاستيعاب المشاركة السياسية المنظمة للشيعة في الجزيرة. ويعدّ ولي العهد الأمير سلمان الأكثر اعتدالا، ويُقال إنه يتمتع بدعم وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة. ويُنظر إلى عمه، رئيس الوزراء، الشيخ خليفة، على أنه الأب الروحي للمتشددين الذين يعارضون أي مشاركة سياسية شيعية منظمة وعملية نقل للسلطة الفعلية.
ويوضح في دراسة له أن الملك حمد يبقي مواقفه في توازن من أجل الحفاظ على احترام جميع أطراف العائلة المالكة، على الرغم من تجنب اتخاذه أي قرار نهائي. بالإضافة إلى ذلك، يسود رأي مجموعة سنية خارج عائلة آل خليفة، وتضم هذه جماعة الإخوان المسلمين التي يتم التغاضي [عن نشاطاتها] في البحرين، والسنة المتطرفين، الذين تم الإعلان عن سبعين من أتباعهم على الأقل كمن غادروا البلاد للانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» للقتال في سوريا والعراق.
ويقول إنه "لا يوجد اتفاق واضح حول تعريف كلمة "إصلاح" في القاموس السياسي البحريني. ومن وجهة نظر جمعية "الوفاق"، أثار غياب الأمل في إجراء أي إصلاح حقيقي إلى تقديم استقالة جماعية من قبل أعضائها من "الجمعية الوطنية" في عام 2011 ومقاطعة "الوفاق" للانتخابات في عام 2014. وربما يخشى الشيعة الأقل نشاطا سياسيا فضلا عن أعضاء من الطائفة السنية في البحرين من قيام أي إصلاح من شأنه أن يعزز قوة الشيعة المنظّمين في جمعية "الوفاق"، الأمر الذي قد يسبب أزمة سياسية ويهدد موقف أولئك الشيعة الذين هم أكثر اعتدالا. وتظهر مقاومة في صفوف الأسرة الحاكمة لأي تطور قد يضعف سيطرتها".
ويضيف قائلا: "ومع ذلك، ففي الواقع، أقرت الأسرة الحاكمة بالفعل ما يرقى إلى أجندة الإصلاح. وفي محاولة لتهدئة الاضطرابات المتنامية التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، حدد ولي العهد الأمير سلمان سبعة مبادئ لتوجيه الحوار الوطني، من بينها إقامة برلمان يتمتع بسلطة كاملة، وحكومة تلبي إرادة الشعب، ودوائر انتخابية عادلة. إلا أن تلك المبادرة لم تلق أي استجابة؛ بسبب الحملة الأمنية المدعومة بتعزيزات من المملكة العربية
السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي أنهت احتلال المتظاهرين لـ"دوار اللؤلؤة"، وهو عبارة عن معلم محلي معروف. وفي وقت لاحق، تم تدمير ذلك الموقع وإعادة تسميته بـ"تقاطع الفاروق".
وشملت المحاولات اللاحقة من أجل استقرار الوضع السياسي إقامة لجنة تحقيق وعقد جلسات لما يُعرف بالحوار الوطني، على الرغم من أن العاهل البحريني، تحت ضغوط المتشددين، وعلى ما يبدو المملكة العربية السعودية، قاوم التحرك لإقامة برلمان يتمتع "بسلطة كاملة". وأدى غياب الاتفاق إلى قيام الحكومة بتعليق الحوار في كانون الثاني/ يناير 2014".
ويشير إلى أنه في أيلول/ سبتمبر 2014، وضع ولي العهد الأمير سلمان "إطارا" من خمس نقاط لحوار وطني جديد، من خلال التركيز على إعادة تعريف الدوائر الانتخابية، وإجراء عملية منقحة لتعيين "مجلس الشورى"، ومنح صلاحيات خاصة لـ"مجلس النواب" المنتخب؛ للموافقة على مجلس وزراء جديد أو رفضه، وتمرير إصلاحات قضائية، وإصدار قواعد سلوك جديدة للأجهزة الأمنية.
ورفضت المعارضة المقترحات لأنها لم تلبّ المطلب الأساسي المتمثل بقيام "مجلس النواب" بتعيين رئيس الوزراء بدلا من الملك.
أما بالنسبة للحكومة، فهي تفضل على ما يبدو أن تتكون "الجمعية الوطنية" من أعضاء يعملون أفرادا لا مجموعات. فبالإضافة إلى جمعية "الوفاق" الوطنية، فإن الجمعية السياسية الوحيدة الأخرى غير الممنوعة هي "وعد" - مجموعة يسارية علمانية تضم أعضاء من السنة والشيعة على حد سواء.
وفي نهاية 2015، دعت الحكومة إلى إدخال تعديلات على "قانون الجمعيات السياسية"، الذي من شأنه أن يحظر على رجال الدين الناشطين من أن يصبحوا أعضاء في الجمعيات السياسية.
والهدف الواضح من هذا "الحظر المفروض على العمائم"، كما يُعرف في السلك الدبلوماسي، هو زعيم جمعية "الوفاق" المسجون حاليا، الشيخ علي سلمان، الذي هيمن على الحياة السياسية الشيعية منذ عودته من المنفى عام 2001، بعد أن أُدين بإلقاء خطاب مثير للفتنة زُعم أنه يدعو إلى إسقاط الحكومة عن طريق أعمال العنف، إلا أنه طعن في ذلك الاتهام. وهناك هدف آخر وهو الشيخ عيسى قاسم، الذي غالبا ما يُنظر إليه على أنه الزعيم الروحي لجمعية "الوفاق".
ويفصل أن هناك طرفين فاعلين رئيسيين يشجعان الإصلاح في البحرين هما:
ولي العهد الأمير سلمان: وريث العرش للملك حمد الذي تفاوض مع جمعية "الوفاق"، ويبدو أحيانا أنه يوافق على أن يكون هناك دوْر سياسي شيعي كبير، وإن كان ذلك على حساب مصداقيته الشخصية مع الطائفة السنية.
خليل المرزوق: المساعد السياسي والأمين العام لجمعية "الوفاق"، وهو قائد مؤثر في الوقت الذي يقضي الأمين العام الشيخ علي سلمان فترة سجنه. وكان المرزوق يواجه مشكلات قانونية خاصة به، بعد أن تمت تبرئته في عام 2014 من تهمة توجيه انتقادات للحكومة.
التوقعات المستقبلية ودور أمريكا
ويقول إنه "على الرغم من وجود القاعدة البحرية الأمريكية الكبيرة، ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها محايدة من قبل كل من القيادة السنية والمعارضة الشيعية. ومن أجل إثبات هذه النظرة، لم تدعُ جمعية "الوفاق" إلى إغلاق القاعدة.
وعلى الرغم من أن الحكومة البحرينية تشعر بالإحباط في بعض الأحيان من إعراب الإدارة الأمريكية والكونغرس عن عدم رضاهما إزاء الانتهاكات البحرينية لحقوق الإنسان، إلا أن الحكومة لم تعمل على الانتقام من القوات الأمريكية، بل يمكن القول إنها تتّبع سياسة أقل قيودا على الأنشطة العسكرية الأمريكية من بين دول «مجلس التعاون الخليجي».
وعلى الرغم من أنه ينبغي استخدام هذه المراعاة بحكمة، فإن هذا الاحترام يمنح الولايات المتحدة نفوذا قد يكون كبيرا على العملية الانتقالية في المستقبل".
"وفي خلال عام 1999، عندما توفي أمير دولة البحرين الشيخ عيسى إثر نوبة قلبية مفاجئة وهو في الخامسة والستين من عمره، بعد فترة قصيرة من اجتماعه مع وزير الدفاع الأمريكي وليام كوهين، كان يُنظر إلى الوجود المستمر وغير المتوقع لكوهين في الجزيرة على أنه ضمان لاستلام حمد، ابن عيسى -حينها، كما الآن- منصب رئاسة الوزراء ومركز السلطة الفعلية بدلا من خليفة، شقيق عيسى".
ويشير إلى أنه "يلوح احتمالان يمكن التنبؤ بهما، على الأقل في الأمد المتوسط، وهما: وفاة الملك حمد ووفاة رئيس الوزراء الشيخ خليفة أو على الأقل تقاعده من الحياة العامة (في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، قضى الشيخ خليفة ثلاث ليال في المستشفى لإجراء فحوصات غير محددة)، وسيساهم أحد الحدثين بالتسبب بأزمة ملكية أو حتى أزمة أكبر مع المتشددين المؤيدين لخليفة وغير المستعدين على الأرجح للتنازل عن عملية انتقال السلطة أو الحكم إلى ولي العهد الأمير سلمان".
وحيث تقع البحرين بين جمهورية
إيران، التي تعرّف نفسها دولة مناهضة لسياسة الولايات المتحدة، وبين المملكة العربية السعودية التي تعاني من التوترات ضمن العائلة المالكة الحاكمة، لا يزال موضوع ضمان استمرار الاستقرار في الجزيرة وموقف البحرين المؤيد للولايات المتحدة يصبان في مصلحة واشنطن.
يجب تعزيز الاحترام البحريني واسع النطاق للولايات المتحدة؛ من أجل ضمان الانتقال السلمي إلى السلطة المهيمنة لولي العهد الأمير سلمان، إما كعاهل للبحرين، أو كوريث طالما لا يزال الملك حمد على قيد الحياة. ويرى الملك حمد نفسه كعاهل دستوري، إسوة بملكة بريطانيا الملكة اليزابيث، على الرغم من أن الأخيرة تملك السلطة فقط وليس الحكم.
وتحتاج البحرين إلى التقدم على هذا التسلسل لكي يتقاسم ملكها، أيضا، الحكم على الأقل. إن البديل لذلك هو إما الفوضى الثورية أو القمع القاسي من قبل النخبة الحاكمة التي تحتقر الكثير من شعبها. ويمكن إرضاء مصلحة الولايات المتحدة بأفضل طريقة من خلال تشجيع الإصلاح الحذر وتهميش المتشددين على طرفي الطيف السياسي.