نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن تقريرا للكاتبة راشيل شابي، تحدثت فيه عن إغلاق قرى فلسطينية كاملة؛ بسبب هجمات ضد
إسرائيليين.
وتبدأ الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى المثل الأفريقي القائل: "تحتاج إلى قرية لتربية طفل"، ثم تقول إن هذا المثل في رأي الحكومة الإسرائيلية يبدو كأنك "تحتاج إلى قرية فلسطينية لتربي مهاجما قاتلا"، أو على الأقل هذا تفسير لقرار إسرائيل فرض الإغلاق الأمني على قرى بكاملها في الضفة الغربية.
ويشير التقرير إلى أنه تم فرض هذا القرار مرتين خلال الأسابيع القليلة الماضية، في رد فعل على هجمات على إسرائيليين، فقد أغلق الجيش الإسرائيلي قرية نحالين الأسبوع الماضي، بينما قام بالبحث عن فلسطيني مشتبه بقيامه بطعن مستوطن عمره 20 عاما من مستوطنة قريبة، وقبل ذلك بأسبوع، قام الجيش بمحاصرة قرية قباطية، شمال الضفة الغربية، وعدد سكانها 25 ألف نسمة، بعد أن قام ثلاثة مراهقين فلسطينيين بقتل ضابط شرطة إسرائيلي، وتم قتل الثلاثة في الموقع ذاته.
ويذكر الموقع أنه تم إغلاق رام الله جزئيا في شهر كانون الثاني/ يناير؛ بذريعة منع هجمات إضافية في القدس.
وتلفت شابي إلى أن هذه الإجراءات، التي لم تستخدم منذ
الانتفاضة الفلسطينية الثانية، تأتي في موجة عنف جديدة في المنطقة: قتل فيها 165 فلسطينيا و26 إسرائيليا منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر.
ويبين التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه "عادة ما تنتج عن مثل هذه الإجراءات نتائج عكسية، من وجهة نظر أمنية؛ وذلك لأنه ينظر إليها على أنها عقوبات جماعية: فما ذنب قرية بكاملها بأن تعاقب بسبب فعل مهاجم واحد؟ ولماذا يجب حصار سكان القرية جميعهم بسبب أعمال عنف لا علاقة لهم بها؟ وكيف يمكن للإحباط والخنق والإذلال، الذي تتسبب به هذه الإجراءات، أن يؤدي إلى شيء غير زرع بذور العدوانية والكراهية؟".
ويعلق الموقع بأن "المشكلة في الحلول القائمة على الحواجز والأسيجة هي أنها ليست في الواقع حلولا؛ ففي الصراعات المتعلقة بالأرض والموارد والحرية والاحتلال، فإن الناس دائما ما يجدون طريقا حول الجدران أو من تحتها".
وتورد الكاتبة نقلا عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قوله منذ فترة قريبة، إنه يريد "إحاطة إسرائيل كلها بجدار عازل"؛ ليحميها ممن سماهم "الحيوانات البرية"، الذين يحيطون بها، وكان ذلك رد فعله لما يحصل في البلدان المجاورة.
وتعلق شابي قائلة: "يجد الشخص في ذلك التصريح لنتنياهو ومضة للمنطق، الذي يدفع بإسرائيل تجاه الحدود والحصار، وذلك لأن التوجه كان منذ البداية هو الإغلاق بدلا من التفاعل مع المنطقة، التي يراها مؤسسو دولة إسرائيل الأوروبيون أنها غريبة، وقذرة وغير متحضرة قبل أن تصبح معادية فعليا بفترة طويلة، وهي نظرة يمكن اختزالها بقول رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، الذي وصف إسرائيل بأنها (فيلا في الغابة)".
ويجد التقرير أن "هذه المشاعر ليست خاصة بإسرائيل طبعا، بل هي تشكل الأساس للهستيريا التي تجتاح أوروبا بسبب أزمة اللاجئين والإشارات المجازية للإرهاب عند الحديث عن (غوغاء) المسلمين الذين (يغرقون) البلدان الأوروبية الجميلة بممارساتهم الدينية المتخلفة وعنفهم الغريزي. وعندما يصف نتنياهو جيرانه العرب بـ(الحيوانات البرية)، فإنما هو يستعير الرواية الأوروبية الحالية ويقويها في الوقت ذاته".
ويستدرك الموقع بأنه في السياق الإسرائيلي، فإن تفضيل الإغلاق يحمل معه منطقا إضافيا لدولة حدودية، وأن المتاريس غير المرئية في كثير من الأحيان تقسم وتفصل اليهودي عن غيره.
وتقول الكاتبة: "هي قائمة بشكل دائم، ودون شعور عند أي عملية غربلة أو تصنيف، تتم على أي مستوى في المجتمع الإسرائيلي: فهل أنت واحد منا أم منهم؟ هل لديك لهجة مختلفة؟ هل تشبه الأعداء؟ أم هل يفضحك لباسك أو سيارتك أو بطاقتك الشخصية أو موقعك الجغرافي؟".
وتستدرك شابي قائلة: "بالطبع هناك حدود واضحة تظهر فيها المتاريس والحصار والجدران وأبراج المراقبة والأسلاك الشائكة، التي تحمل كلها رمزية الاحتلال الإسرائيلي، الذي في الوقت ذاته يعرف منطق إسرائيل، وهو شيء سجله المفكر والمعماري الإسرائيلي إيال وايزمان في كتاباته: كيف تعرف حجارة ومتاريس الاحتلال المنطلقات العملية للسياسات الإسرائيلية، بحيث أصبحت المشاعر السياسية المحركة جزءا لا يتجزأ من تلك البنى، وتعرف البنى الملموسة سياسات السيطرة وتفعلها".
ويفيد التقرير بأن "المشكلة في سياسات الحواجز ليست فقط بمفعولها الخانق على الناس، الذين تحاول احتواءهم: لأنه وبإغلاق الأبواب لمنع دخول الآخرين تغلق الباب على نفسك. والثقافات المغلقة تصبح ضعيفة وواهنة؛ لأن التعرض لما هو مختلف هو ما يسمح بالنمو والتطور".
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أن أشر ستشتشتر كتب في صحيفة "هآرتس" اليسارية التوجه عن نتيجة تصريح نتنياهو حول بناء الجدران، قائلا إن ما ستحققه هذه السياسة هو "بلدة معظم سكانها يهود، ولديها غواصات ألمانية"، وهو ما لم يرده أحد ولم يسع إليه أحد.