قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن الأزمة الدبلوماسية بين
لبنان والسعودية، وقرار الرياض إيقاف دعمها لحلفائها في بيروت، ألحق ضررا كبيرا بشركات عائلة الحريري، وهو ما جعلها عاجزة عن دفع رواتب عمالها وموظفيها في
السعودية ولبنان.
ورأت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن الأمر ليس مصادفة، حيث إنه في الوقت الذي قررت فيه السعودية وحلفاؤها الخليجيون إيقاف دعمهم للبنان، كنوع من الاحتجاج على استحواذ حزب الله على القرار السياسي في البلاد، تفاقمت معاناة الإمبراطورية السياسية والاقتصادية التابعة لعائلة الحريري، التي يقودها الآن رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، الذي كان يحظى بدعم الرياض.
وقالت الصحيفة إن وسائل إعلام فرنسية كشفت يوم الأحد الماضي أن مجموعة "سعودي أوجيه"، التي أسسها رفيق الحريري سنوات السبعينيات في السعودية، عاجزة عن دفع مستحقات موظفيها منذ نهاية الصيف الماضي، حيث إن عمال هذه الشركة العملاقة المختصة في البناء ومشاريع البنية التحتية، الذين يبلغ عددهم 39 ألفا، قضوا كامل الخريف وشهر كانون الثاني/ يناير دون مرتبات، وفي منتصف شهر شباط/ فبراير الجاري حصلوا على مستحقات شهر أيلول/ سبتمبر 2015، مع وعد بتسوية أوضاعهم في آذار/ مارس.
وأوضحت الصحيفة أن أكبر المتضررين من هذه الأزمة المالية هم العمال القادمون من جنوب شرق آسيا، على غرار الفلبينيين والهنود والنيباليين والباكستانيين، الذين يعملون في مشاريع البناء في دول الخليج. كما أن هذا التأخير في صرف المستحقات أثر أيضا على كوادر هذه الشركات الذين يوجد من بينهم مئتا موظف فرنسي، وهو ما دفع بالسفير الفرنسي في السعودية إلى مراسلة سعد الحريري في مناسبتين، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة "سعودي أوجيه"، لحثه على صرف رواتب الفرنسيين.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الأزمة المالية امتد تأثيرها، ليشمل أيضا مصالح عائلة الحريري في لبنان، حيث إنه أثر على تيار المستقبل الذي يقوده سعد الحريري، والذي يعد قاطرة تحالف 14 آذار مقابل تحالف 8 آذار الذي يقوده حزب الله، كما أن مجموعة واسعة من المؤسسات التابعة لعائلة الحريري من قنوات تلفزيونية ومؤسسات خيرية وجمعيات تضررت أيضا؛ لأنها كانت تتلقى تمويلها من شركة أوجيه السعودية.
ونقلت الصحيفة في هذا السياق ما قاله صحفي في قناة المستقبل التابعة لعائلة الحريري، بأن "كل فروع مجموعة الحريري تضررت، حتى إن مرتبات الصحفيين لم تعد تصرف بشكل منتظم، والأوضاع تدهورت منذ بضعة أشهر".
وأوردت الصحيفة أن عائلة الحريري تؤكد على أن ما تمر به هذه الشركات ليس إلا أزمة عابرة؛ حيث صرح أحد المسؤولين في شركة أوجيه للصحفية بأن "هذه المشاكل مردها الأوضاع الإقليمية المتدهورة، والانكماش الاقتصادي الذي سببه انهيار أسعار النفط، الذي يعد المصدر الأول لموارد الدولة السعودية التي حققت في سنة 2015 مستوى عجز قياسيا بلغ 87 مليار يورو، أي ما يعادل 16 في المئة من الناتج المحلي".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التراجع في المشاريع العمومية تضررت منه أيضا شركات عائلة بن لادن، التي تعد المنافس الأول لشركة أوجيه التابعة لعائلة الحريري.
كما أشارت الصحيفة إلى أن شركة أوجيه تعاني أيضا من صعوبات؛ بسبب وجود فساد في داخلها، حيث كثرت الأحاديث في الفترة الماضية عن سوء التصرف، ووقوع عدد من حالات الاختلاس وتدليس الفواتير، وسوء استغلال الميزانية، رغم نفي إدارة الشركة وجود هذه التجاوزات.
واعتبرت الصحيفة أن الأزمة التي تواجهها شركة أوجيه العريقة تعكس أفول نجم عائلة الحريري في السعودية، حيث إن سعد -الذي ورث هذه الامبراطورية عن والده رفيق الذي اغتيل سنة 2005- لا يمتلك الكاريزما ولا الشعبية التي كان يتمتع بها والده، الذي كان يحظى بقبول كبير في الرياض.
وقالت الصحيفة إن السعوديين وحلفاءهم في تحالف 14 آذار يعتبرون أن القرار السعودي بوقف الدعم للجيش اللبناني جاء ردا على رفض وزير الخارجية اللبناني، المقرب من حزب الله، إدانة الاعتداء الذي وقع على السفارة السعودية في إيران في بداية السنة الجارية.
وفي المقابل، فإن المنتمين لتيار 8 آذار يعتبرون أن هذا السبب ليس إلا حجة تتخذها السعودية لتبرير قرارها، وأن السبب الحقيقي هو الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها المملكة.
ونقلت الصحيفة عن أحد العاملين في قناة المستقبل أن "المنتمين لتيار 14 آذار يشعرون بأن المملكة تخلت عنهم، في وقت يشهد فيه تيار 8 آذار انتعاشة وشعورا بالسيطرة على الوضع، كما أن إيران التي تعاني أيضا من أزمة اقتصادية لم تتخلّ عن وسائل الإعلام التابعة لحزب الله، وواصلت دعمها رغم الصعوبات المالية".
وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولي شركات الحريري يحاولون التقليل من أهمية هذه الأزمة، ويقولون إن أحداثا مماثلة حصلت قبل سنوات وبقي الموظفون دون مرتبات لثمانية أشهر، ولكنهم حافظوا على ولائهم لعائلة الحريري إلى أن مرت تلك الأزمة.