صادق
البرلمان التونسي، في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء، على مشروع القانون الأساسي المتعلق بإحداث المجلس الأعلى للقضاء، بالإجماع (132 صوتا)، بعد تراشق بين نواب الائتلاف الحاكم والمعارضة، وجدل كبير تواصل منذ أكثر من عام.
وكانت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، أقرت في مناسبتين عدم دستورية مشروع قانون إحداث المجلس الأعلى للقضاء، الأولى كانت في 8 حزيران/ يونيو 2015، والثانية في 22 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حيث تم عرضه مجددا على أنظار مجلس نواب الشعب.
ونقلت وكالة تونس إفريقيا للأنباء، عن عدد من ممثلي الكتل البرلمانية، قولهم أثناء نقاش المشروع، إن المجلس الأعلى للقضاء "يعد تجسيدا لاستقلال
القضاء الذي بات مطلبا شعبيا، مما يؤكد الحرص على إرسائه احتراما لمقتضيات الدستور، ولاعتباره من أهم مكونات السلطة القضائية، شأنه شأن المحكمة الدستورية".
مصلحة البلاد
وكان النائب عن كتلة النهضة، الحبيب خضر، طالب في كلمته زملاءه وجميع المتدخلين في عملية إحداث المجلس الأعلى للقضاء، بـ"تغليب مصلحة البلاد، لإرساء ما نص عليه الدستور"، مشيرا إلى أن "التوافق بين البرلمان والحكومة حاصل بخصوص مضامين هذا المشروع".
واعتبر عدد من النواب خلال جلسة المناقشة والتصويت على المشروع، أن مجلس نواب الشعب "لا يقبل الإملاءات (...) فهو صاحب السلطة في إرساء القوانين، بما يتماشى مع مصلحة البلاد"، في رد على انتقاد رئيسة جمعية القضاة التونسيين روضة القرافي، وعلى كلمة النائبة عن حزب "التيار الديمقراطي" سامية عبو.
واعتبرت عبو مهمة تقييم القضاء ليست من صلاحيات البرلمان، الذي يمكنه وضع آليات لضمان استقلاليته (القضاء)، بحسب ما جاء في كلمتها خلال جلسة المناقشة والتصويت، مؤكدة أن على النواب "القيام بدورهم في الرقابة على الحكومة، وهم مقصرون في ذلك (...) كما أن على البرلمان أن يحترم الدستور".
أسوأ من عهد الديكتاتورية
من جانبها؛ اتهمت القرافي لجنة التشريع العام في البرلمان، بـ"تعمد الخلط بين إجراءات مشروع قانون كان قد عرض عليها سابقا، وبين إجراءات تنفيذ قرار وارد عليها من هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين".
وقالت في تصريح لها نقلته صحيفة "الشروق"، الخميس، إن الخلط "مدروس ومخطط له، ولا يمكن أن يكون عن حسن نية، بل إنه خيار مقصود، بهدف الهروب من مشروع قانون الحكومة للمجلس الأعلى للقضاء، الذي يحقق القدر الأكبر من استقلالية القضاء طبقا للدستور".
وأضافت أن "لجنة التشريع العام اتخذت قرارها بخصوص مشروع الحكومة ومشروع استقلال القضاء؛ منذ عرض عليها مشروع الحكومة في كانون الأول/ديسمبر الماضي، فألغته تماما، وتركته جانبا، وأعطت لنفسها صلاحية المبادرة التشريعية، وصاغت مشروع قانون أسوأ حتى من تشريعات عهد
الديكتاتورية، في سابقة لم تحصل مع أي مشروع قانون آخر" منذ انطلاق أعمال مجلس نواب الشعب أواخر عام 2014.
عودة الهيمنة
ووصفت القرافي مشروع لجنة التشريع العام بأنه يمهد لعودة الهيمنة "لأن خلفية تعنت لجنة التشريع إزاء مشروع قانون الحكومة؛ هي رفضها للتصور الذي جاء للمجلس في مشروع الحكومة، وخاصة من حيث صلاحيته التي تحقق جانبا من القطع مع التصور القديم للمجلس الأعلى للقضاء، الذي يمنحه أكثر استقلالية إزاء السلطة التنفيذية، وأكثر وسائل لتحقيق هذه الاستقلالية والإصلاح القضائي".
وأسقطت عملية التصويت خلال الجلسة المسائية، عددا كبيرا من الفصول المتعلقة بالمجالس التي تنتصب عند النظر في تأديب القضاة وتركيبتها، وأخرى تتعلق بتعهد المتفقد العام للشؤون القضائية بالشكايات والبلاغات والإعلامات، وإمكانية رفع المجلس العقاب التأديبي بعد مرور خمس سنوات من تاريخ صدور القرار، إلى جانب فصول تتعلق بمهام التفقدية العامة للشؤون القضائية وبميزانية المجلس.
تركيبة المجلس
ويتكون المجلس الأعلى للقضاء من أربعة هياكل؛ هي مجلس القضاء العدلي، ومجلس القضاء الإداري، ومجلس القضاء المالي، والجلسة العامة للمجالس القضائية الثلاثة، التي تتكون بدورها من أعضاء هذه المجالس.
وتتكون مجالس القضاء العدلي والإداري المالي من 15 عضوا، وهم قضاة معينون بالصفة، وقضاة منتخبون من نظرائهم في الرتبة، بحساب عضوين اثنين عن كل رتبة، وشخصيات مستقلة من ذوي الاختصاص، منتخبة من نظرائها من المحامين والباحثين المختصين في القانون، وأساتذة التعليم العالي، وعدول التنفيذ، والخبراء المحاسبين.