اتهم مسؤولون أتراك الحكومات الأوروبية بمحاولة تصدير مشكلة التطرف إلى
سوريا، واتهموا الاتحاد الأوروبي بالفشل في تأمين حدود دوله الأعضاء، أو الالتزام بالتعهدات، والمشاركة في المعلومات الأمنية، والتعاون في مكافحة التهديد الجهادي.
وكشفت صحيفة "الغارديان" عما قاله المسؤولون الأتراك من أن عددا من المقاتلين الأجانب غادروا بلادهم وهم يحملون جوازات سفر مسجلة عند الشرطة الدولية "إنتربول"، وفي حوزتهم حقائب مليئة بالأسلحة والذخيرة، حيث يتم الأفراج عنهم بعد ترحيلهم من
تركيا، رغم التحذيرات من الحكومة التركية، وعلاقتهم المشبوهة مع شبكات المقاتلين الأجانب.
وينقل التقرير عن مسؤول تركي بارز، قوله: "نحن نشك أن السبب وراء قدوم هؤلاء هو أن هذه الدول لا تريدهم في بلادها"، وأضاف المسؤول التركي: "أعتقد أنهم كسالى وغير جاهزين، وأجلوا النظر في قضاياهم حتى أصبحت المشكلة مزمنة".
وتشير الصحيفة إلى أن تصريحات المسؤولين الأتراك حدثت قبل الهجمات الإرهابية الأخيرة على العاصمة البلجيكية بروكسل، مستدركة بأن الهجمات على باريس في تشرين الثاني/ نوفمبر، أدت إلى الكشف عن فشل
أوروبا في التصدي للتهديدات النابعة من الأوروبيين الذين يقصدون السفر إلى سوريا والعراق للقتال إلى جانب
تنظيم الدولة، ثم عادوا للقيام بمجازر في بلادهم.
ويلفت التقرير إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال يوم الجمعة إن مفجر مطار "زافنتيم" في بروكسل إبراهيم البكراوي اعتقل في غازي عينتاب جنوب تركيا في حزيران/ يونيو 2015؛ بتهمة محاولة السفر إلى سوريا، مستدركا بأنه رغم إبلاغ السلطات البلجيكية عن اعتقاله، إلا أن المسؤولين في بروكسل قالوا إنه ليست لديهم أدلة تشير إلى علاقته بالإرهاب، ولهذا فلن يطلبوا ترحيله، حيث رحل إلى هولندا قبل عودته إلى بلجيكا.
وتذكر الصحيفة أن أنقرة حذرت السلطات الفرنسية أيضا حول عمر إسماعيل مصطفاي، الذي ورد اسمه في التحقيق في خلية للمواطنين الفرنسيين ما بين 2014 و2015، ويقول مسؤول تركي بارز إن مصطفاي كان واحدا من مجموعة تنظيم الدولة التي داهمت مسرح باتاكلان في باريس في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن المسؤولين الأوروبيين والتحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، يتهمون تركيا بأنها لا تعمل ما هو كاف للحد من تدفق الجهاديين عبر أراضيها إلى كل من سوريا والعراق، لافتا إلى أن نقاد أردوغان يقولون إن أنقرة تغض الطرف عن تدفق الجهاديين، وإن تركيا كانت تأمل من خلال دخول المقاتلين الأجانب التأثير في نظام بشار الأسد وإضعافه، ويشيرون إلى عدم وجود عراقيل تواجه تدفق الجهاديين من دول الشرق الأوسط إلى سوريا عبر تركيا، التي تعد من المعابر التي يمرون منها، ويشيرون إلى أن معظم المقاتلين الذين يعبرون إلى سوريا مروا عبر الأراضي التركية.
وتنوه الصحيفة إلى مزاعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اتهم فيها تركيا بـ"التواطؤ مع الإرهابيين"، وذلك بعد إسقاط الطائرة الروسية، ويقول الزميل الباحث في المجلس الأطلنطي ومؤلف كتاب عن السياسة الخارجية التركية آرون ستين إن "التهديد غير مسبوق، ولم تعد القوانين المحلية وقوى الأمن قادرة على مواجهته؛ بسبب الأعداد الكبيرة من الجهاديين". ويضيف أن "هذا يكشف بطريقة أو بأخرى غضبهم على تركيا، وهناك توقعات من الاتحاد الأوروبي بأن تقوم تركيا بوضع إجراءات ثانوية لمنع عبور الأشخاص والمواد إلى تنظيم الدولة"، مشيرا إلى أن "تركيا زادت وبشكل دراماتيكي أمن الحدود، وذلك منذ بداية شهر آذار/ مارس 2015".
ويورد التقرير أن مقابلات مع مسؤولين أتراك تشير إلى رفضهم الزعم بأن الدولة التركية لم تقم بما فيه الكفاية من أجل التصدي للتهديد الإرهابي، حيث قدموا تفاصيل عن حوادث عدة تكشف عن سماح الحكومات الأوروبية لأشخاص بالسفر إلى تركيا.
وتبين الصحيفة أنه في حزيران/ يونيو 2014، قام أمن مطار إسطنبول بالتحقيق مع رجل نرويجي اعترف بشكل صريح بأنه وصل إلى تركيا من أجل السفر إلى سوريا للجهاد، مشيرة إلى أن تنظيم الدولة تقدم في ذلك الوقت في
العراق، واحتل مناطق واسعة فيه، وأعلن عن إنشاء "خلافة" على الأراضي السورية والعراقية الواقعة تحت سيطرته، وعندما فتش المحققون حقائبه وجدوا أنه استطاع تهريب زي عسكري وصندوق للإسعاف الأولي وسكاكين ومخازن ذخيرة وأجزاء من بندقية "إيه كيه-47".
ويذكر التقرير أنه بعد شهرين وصل رجل ألماني إلى مطار إسطنبول يحمل حقيبة تحتوي على سترة واقية من الرصاص وزي عسكري ومنظار، استطاع حمله معه عبر مطار باريس إلى تركيا، لافتا إلى أنه في عام 2013 غادر التركي الدانماركي فاتح خان الدانمارك، وكان غرضه التوجه إلى سوريا، لكنه اعتقل وهو يحاول قطع الحدود التركية من بلدة كلس، وتم ترحيله إلى كوبنهاغن، واستطاع الحصول على جواز سفر جديد جديد، ثم العودة ودخول سوريا.
وتكشف الصحيفة عن أنه في العام ذاته وصل محمد هارون سليم، الذي يحمل الجنسية البريطانية إلى إسطنبول قادما من لندن وسافر إلى سوريا، واستطاع الخروج من بريطانيا بجواز سفر موضوع على قائمة المطلوبين في الـ"إنتربول"، باعتباره جواز سفر مفقودا.
ويشير التقرير إلى أن محمد مهدي رؤوفي ترك فرنسا في كانون الثاني/ يناير 2014؛ من أجل القتال في سوريا، مستدركا بأنه رغم التحذيرات التي أرسلتها شقيقيته للسلطات التركية، التي بدورها أبلغت السلطات الفرنسية، إلا أنه سمح له بالخروج والانضمام للقتال في سوريا.
وتذكر الصحيفة أن مجموعة "صوفان" الاستشارية الأمنية في نيويورك تقدر أن عدد المقاتلين الأجانب الذين وصلوا إلى سوريا في نهاية عام 2015 يتراوح ما بين 27 ألف مقاتل إلى 31 ألفا، منهم 760 من بريطانيا، مشيرة إلى انه لدى تركيا اليوم قائمة مكونة من 38 ألف شخص يحظر عليهم دخول تركيا، وتستند القائمة إلى التعاون الأخير مع دول الاتحاد الأوروبي، وقد رحلت تركيا حوالي 3200 شخص.
وينقل التقرير عن المسؤولين الأتراك قولهم إنهم اتصلوا مع الحكومات الاوروبية منذ عام 2012، وطلبوا منها تقديم قائمة بأسماء المشتبه بهم، الذين يجب عدم السماح لهم بدخول تركيا، لافتا إلى خشية المسؤولين الأتراك من الفراغ الذي قد ينشأ بسبب الثورات العربية، الذي قد يملأه المتطرفون من تنظيم القاعدة.
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم جهود منسق جهود الاتحاد الأوروبي لمكافحة الأرهاب غايلز دي كيروشوف، إلا أن ردود الدول الأوروبية كانت فقيرة، ولم تقدم إلا معلومات محدودة من الأسماء، حيث أنها لا تملك سياسة واضحة للتصدي لتهديد المقاتلين الأجانب، ويقول كيروشوف: "يعرفون عن هؤلاء الناس ولا يقومون بوقفهم؛ بسبب عدم وجود إطار قانوني لوقفهم".
ويورد التقرير نقلا عن المسؤولين الأتراك قولهم إنهم بحاجة للقائمة؛ نظرا لعدم وجود قدرة على مراقبة المشتبه بهم في أوروبا، وأن عليهم في هذه الحالة الاعتماد على الوكالات الأمنية الغربية، منوها إلى أنه دون الدعم الأمني الأوروبي فإن الأتراك لا يستطيعون محاكمة الأشخاص إلا بتهم محاولة اختراق الحدود بطريقة غير قانونية وترحيلهم، لكن بعضهم عاد فيما بعد، حيث استطاع تجديد جوازه.
وتقول الصحيفة إنه لا يوجد سبب واضح لعدم التعاون الأوروبي مع الأتراك، مستدكة بأن مسؤولين في تركيا يعتقدون أن السبب هو محاولة هذه الدول التخلص من مشكلة التشدد عبر تصديرها إلى سوريا، بدلا من التصدي وحل مشكلات كراهية الإسلام والاندماج والقوانين التي تحد من قدرة الحكومات الغربية على مراقبة المواطنين، ويشير بعضهم إلى عدم ثقة القادة الأوروبيين بأردوغان، وينظرون إليه على أنه شخص جاء من جذور إسلامية.
وينقل التقرير عن مسؤول أمني قوله: "تعرف أوروبا بالضبط ما يجري، لكنهم (قادتها) بدأوا بلعبة إلقاء اللوم على غيرهم، وقالوا إن المشكلة نابعة من الحدود التركية السورية"، ويضيف: "دون تحمل أي مسؤولية وضعوا اللوم علينا، إضافة إلى مشكلة اللاجئين، إنهم لا يحبون أردوغان ولا الحكومة التركية، وكان أردوغان رمزا للإسلام السياسي، وهو بذلك يدعم تنظيم الدولة".
وتساءل المسؤول: "من أين جاءت النصرة وتنظيم الدولة؟ من تنظيم القاعدة في العراق، وهل كان لدى تركيا أي دور في تشكيل تنظيم القاعدة في العراق؟ وكان الأسد نفسه مسؤولا عن الإفراج عن سراح المعتقلين في عام 2011؟ وأين هؤلاء الآن؟ إنهم المنظرون في الرقة وتل أبيض"، بحسب الصحيفة.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول المسؤول إن "تركيا لم تخلق مشكلة تنظيم الدولة، وكان علينا أن نضبط حدودنا، لكن خطأ تركيا كان هو أنها تبعت سياسة أوروبا وأمريكا في سوريا".