ذكرُ التاريخ أن أولَ رواية في تاريخ الإنسانية، هي رواية جزائرية عنوانها 'الحمار الذهبي' لصاحبها أبوليوس، وتحكي قصةَ إنسانٍ يهتم بالسحر، وكان يريدُ أن يتحولَ إلى طائر، لكنه تحول إلى حمار.. قد لا نُبالغُ لو قُلنا إن الجزائر تشهد ربما في السنوات الأخيرة أغرب وقائع في تاريخها، منذ عصر أبوليوس (125- 180م).. وقائع قد يسجلها التاريخ ربما كواقع سريالية أقرب إلى أحداث روائية خيالية وليس وقائع حقيقية في 2016 بالتقويم الميلادي أو 2966 بالتقويم الأقدم للبلاد، أي التقويم الأمازيغي.
فصول هذه الوقائع الغريبة العجيبة يمكن إرجاع بدايتها إلى 2014، أي قبل نحو سنتين، عندما ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة، في واحدة من أغرب، إن لم تكن أغرب انتخابات رئاسية في تاريخ البشرية!. فالمترشح ـ الرئيس المريض والمقعد بعد إصابته بجلطة دماغية لم يشارك ولو بكلمة منطوقة في حملته الانتخابية، وخاض الحملة بالنيابة عنه وكلاء من مسؤولين ورؤساء أحزاب الموالاة وعلى رأسهم مدير حملته، الوزير الأول عبد المالك سلال الذي أطلق حينها تصريحات غريبة من بينها أن "بوتفليقة متزوج بالجزائر". "وكلاء" آخرون من الحملة، من وزراء و رؤساء أحزاب الموالاة ذهبوا بدورهم أبعد في "المزايدة" في ولائهم لـ"ولي استوزارهم"، فمنهم من قال إن "عقل الرئيس بوتفليقة (المصاب بجلطة في المخ) يشتغل أفضل من عقولنا جميعا!"، مثلما صرح، حينها، الوزير عمارة بن يونس، الذي يقدم نفسه كرئيس حزب علماني حداثي، وكان في الوقت القريب فقط، قبل استوزاره، يشتم الرئيس بوتفليقة و"النظام الإجرامي"!. لكن بعد انقلابه على نفسه (أو قلب القميص، كما يقول التعبير الشعبي الجزائري)، ذهب إلى لعن "أباء الجزائريين الذين لا يحبون بوتفليقة والمطلوبين له"!. وإن كانت كل هذه "التزلفات" لم تنفعه كثيًرا حيث تمت إزاحته من الوزارة قبل أشهر!.
مزايدون آخرون من "مطبلي بوتفليقة" ذهبوا (وما زالوا!) إلى القول بأن الرئيس ضحى بنفسه من أجل استقرار الجزائر، وبأنه "دعامة استقرارها" وبدونه لا أمن ولا استقرار!. وهو خطاب اعتبره الكثير من الجزائريين أن رسالته تقول، أو بالأحرى، تُخَيّرِ الجزائريين، بشكل لا لبس فيه: "يا إما نبقى في السلطة يا إما اللاأمن"!.
اللافت أنه مع تآكل "جَزَرِ" الريع النفطي، الذي يشكل 97% من مداخيل البلاد بفعل تراجع أسعار الخام بأكثرمن خمسين بالمئة ، أعادت السلطة رفع "عصا التخويف" بشكل واضح بفزاعة الإرهاب و"
داعش" و"الربيع العربي"، مثلما جاء في آخر رسالة مكتوبة وجهها الرئيس بوتفليقة للجزائريين، الذين لم يخاطبهم بصوته منذ مايو 2012، حين قال حينها في خطابه الشهير بالتعبير الشعبي الجزائري: "جيلي طاب جنانو (أي تجاوزه الزمن) وعاش من عرف قدره"!.
ثمة إجماع بين الجزائريين على ضرورة تحصين الجبهة الداخيلة لمواجهة أي تهديد أمني يواجه البلاد، لكن اللافت أن خطاب الاستنفار الرسمي، هو الطاغي هذه الأيام بشكل واضح في وسائل الإعلام الرسمية، وبمزايدة استغلالية، تهويلية واضحة حتى من وسائل إعلام خاصة موالية و منتفعة من السلطة، ومن قبل أحزاب السلطة و الموالاة، بالإشارة بشكل خاص إلى المخاطر الأمنية على الحدود الشرقية للبلاد و بالذات مع ليبيا..اللافت هنا مثلا ما صرح به الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، الذي قرَع بشكلٍ صاخب طبول هذا الخطاب، عندما هاجم المعارضة وصرح قائلا: "إن العديد من السياسيين كانوا يحذّرون من مغبة التهديد الإرهابي على الحدود الجزائرية ومن أعراض وتحديات الفُرقة، في وقتٍ كانت المعارضة، حسبه، تتحدث عن سياسة التخويف. وذهب بعيداً إلى حد مُخاطبة المعارضة بالقول: "داعش الآن على الأبواب.. استقبلوهم بالقبلات إن شئتم".!. من جهته ذهب رئيس حزب السلطة الثاني، أحمد أويحي، ومدير ديوان الرئيس بوتفليقة في نفس الوقت، إلى تخوين المعارضة بمناسبة عيد المرأة (!) و ذهب إلى اتهام د. عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (هم إخوان مسلمون)، التي كانت قبل سنوات فقط ضمن تحالف حكومي مع حزب أويحي، بأنه "داعش سياسي"! مقري، الذي انتقل بحزبه إلى المعارضة وانسحب من الحكومة بعد انتخابه أمينا عاما، رد على أويحي قائلا: أنتم في السلطة هم من يقود الجزائر إلى أحضان "داعش"!.
من "الحمار الذهبي" إلى "الاستحمار الداعشي" هو ربما العنوان الأقرب لوصف المسلسل السريالي (العصي على الوصف!)، الذي نتابعه على الهواء مباشرة في الجزائر هذه الأيام!.
*كاتب جزائري