جاء قرار إقالة المستشار هشام
جنينة في يوم 28 آذار/ مارس 2016 كرسالة واضحة ومباشرة بأنه يمكنك أن ترى
الفساد وترصده، ولكن أن تبلغ عنه وتفضحه فسوف تلاقي هذا المصير وسوف تضع حياتك المهنية وعملك قيد التحقيق!!!
والكلام هنا عن مخالفة هذا القرار للقانون أو الدستور هو كلام للاستهلاك؛ لأن الواقع المخزي يمكن رصده كل يوم في أنواع شتى من الانتهاكات الجسيمة للقانون والدستور، بداية من القتل خارج نطاق القانون وتصفية المشتبه بهم، كما في مشهد قتل المشتبه فيهم الخمسة في لغز قتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، والذي ما زالت الداخلية والأجهزة الأمنية عاجزة عن تقديم رواية متماسكة لفك الطلاسم، وكذلك مرورا بمصادرة وتجميد الأموال الخاصة للمواطنين، ومحاكمة منظمات المجتمع المدني وبعض رموز التيارات الليبرالية، وقد سبقهم طابور التجميد والاستيلاء على أموال تجميد ممتلكات جمعيات أخرى تحسب على غيرهم، من أجندات مختلفة وتيارات مغايرة، كجماعة الإخوان وغيرها من تيارات إسلامية.
والآن الانتقام يطال الكل، ويصل للتنكيل بأي شخص يحاول أن يقف عكس التيار الجارف للدولة العميقة والمتغلغلة في كل مؤسسات الدولة.
وبالطبع، كيف لبقايا تيارات المجتمع المدني المشتتة والمتنافرة أن تقف في وجه جبروت وترابط وتحالف قوى الفساد الصلبة والمنظمة؟ فمحاولة المستشار هشام جنينة لطرح ملف الفساد هي خطيئة لا تغتفر وهو على رأس مؤسسة مهمتها الأولى مراقبة ورصد الفساد (وليس كما راحت حملات التضليل الإعلامي وتصريحات بعض المسؤولين المتفلسفين تروج بأن مهمة الجهاز المركزى للمحاسبات تقتصر على رصد المخالفات وعمل التقارير!!. فعندما يتم تهميش قضايا الأمن الوطني ومهددات الدولة الوطنية الحقيقية خلف حديث السفهاء وأبواق العديد من المنصات الإعلامية المضلله لا بد أن تدرك أن مصرنا ليست بخير!).
يخطئ من يعتقد أن قرار عزل المستشار هشام جنينة هو قرار ضد شخص بعينه، أو متعلق بتصفية حسابات مع موظف عام حاول الخروج بقدر من المسؤولية والشجاعه للفضاء العام ليعلن عن حجم الفساد الذي ينخر في جسد الدولة
المصرية الوطنية، ولكنه مؤشر خطير على عمق وسطوة قيم الفساد ومنظومته القادرة على ابتلاع المواطن المصري كاملا، كما مشهد ابتلاع ثعبان الكوبرا للإنسان!!!
سرطان الفساد الذي ينتشر دول داخل الدولة، ويعيش وينمو على امتصاص دماء الدولة الوطنية المصرية وبقايا الشعب المصري المطحون الذي يرزح جله تحت نير الفقر والمرض والجهل والتجهيل.. هذا السرطان الفتاك استعاد لملمة نفسه بعد الضربه الموجعة في 25 يناير المجيدة؛ التي مثّلت في مشهد إعجازي التهديد التاريخي العظيم لقيم منظومة الفساد وتنظيماتها ودوائر مصالحها.
نعم لقد تم الانقلاب على مسار الثورة المصرية، لكن اليقين والإيمان بها وبأهدافها ما زال هو الأمل الذي تعيش عليه الملايين من المصريين الشرفاء المحبين لوطنهم والمؤمنين بعدالة حلم بناء دولة المواطنة. ورغم كل تلك الإخفاقات، لكن وحده الوعي الجمعي العام والمتجاوز لجميع الإيدلوجيات قادر على أن يشكل الرقم الأصعب في المعادلة. ويخطئ من يعتقد أن تجاوز سطوة أنظمة الفساد حلم بعيد المنال.
وحركة التاريخ هي مع الإنسان، وكل من يقف ضد الإنسان هو خارج نطاق التاريخ ويحمل في ذاته عوامل انهزامه، ولكن ليحسن الآخرون العمل وليتجاوز الجميع ضيق النظر والأدوات لرحابة الإيمان بقوة الناس التي تحطم يوميا بقايا أنظمة الخوف المرتعشه والمتخبطة.
وستظل لحظة يقين 25 يناير السراج المنير الذي يضيء القلوب في طريق الآلام للبحث عن طوق نجاة للدولة الوطنية.