بعد بضعة أيام ستعود المفاوضات، بشأن مستقبل القطر
العربي السوري، إلى الانعقاد مجدداً. لسنا معنيين بما يدور في الذهن الأمريكي بشأن هذا الموضوع، ولا بما يدور في الذهن الروسي، ولا حتى بما تفكر به هيئة الأمم المتحدة أو إيران أو تركيا، وحتى لو أن أولئك الأغراب هم الذين سيقررون وسيفرضون فإننا يجب، في الدرجة الأولى، أن نطرح الأسئلة على الحاضرين من العرب، سواء كانوا من المعارضين، بكل تلاوينهم وأهدافهم غير المتماثلة، أو كانوا من ممثّلي نظام الحكم الحالي، أو كانوا يمثلون هذه الجهة العربية أو تلك.
والأسئلة ستنطلق من الإيمان بأن جميع الأطراف العربية، حتى ولو حملت وجهات نظر متباينة بشأن هذا التفصيل أو تلك الجزئية من المشهد العربي السوري المأساوي الذي يدمي قلب كل عربي من دون أي استثناء، فإن جميع الأطراف لا تريد أن تساهم في تدمير أو إضعاف أحد أهم معاقل القوة العربية، والالتزام العروبي القومي، والرفض للمشروع الصهيوني الاستئصالي، وأحد أهم حوامل الذاكرة العربية لجزء من أبهى عصور تاريخ أمة العرب.
وهي بالطبع لا ترضى بأن تنتهي فواجع اليوم إلى الفاجعة الأكبر، فاجعة موت أحلام وتطلعات ونضالات ومواقف وتضحيات ومصالح شعب
سوريا العربي الرائع والمدهش والنبيل.
أول سؤال يخطر على بال الملايين العرب، الذين يضعون أيديهم على قلوبهم وجلاً مما سيأتي به المستقبل للقطر السوري، يتعلق بالخطوط الحمر المشتركة التي لن تسمح كلُ الأطراف العربية بأن يتخطاها اجتماع جنيف. ما هي تلك الخطوط الحمر وتلك المحرمات التي لن تقبل الأطراف العربية بتخطيها أو ارتكابها، مهما كانت شدة الضغوط وشيطانية الإغراءات؟
هل سيكون هناك رفض قاطع لأي اقتراب من أي حل تقسيمي، مباشر أو غير مباشر، تحت مسمى الفيدرالية أو الحكم الذاتي، لموازنة هذه الطائفة بتلك الطائفة، لتقسيم الكعكة بصورة انتهازية بين هذه الجهة العسكرية أو تلك؟
هل سيرفض أي اقتراب من محاكاة الوضع السوري بالوضع العراقي المليء بالألغام المتفجرة والعقد المجنونة والصراعات العبثية والانتحارات الجماعية؟
هل سيرفض بصورة قاطعة أي اقتراب من قبول سوريا المستقبل، المتعايشة مكوناتها الدينية والإثنية والمذهبية والسياسية تحت مظلة المواطنة والحرية والمساواة والسلام الاجتماعي، مع أي وجود جهادي تكفيري عنفي متزمّت وتحت أي مسمى ووراء أي قناع تجميلي كاذب؟
هل سيتم الإصرار من قبل جميع الأطراف العربية على عدم إقحام الموضوع الصهيوني، من خلال أي تنازل أو أي تطبيع أو أي تنسيق سوري مع العدو الصهيوني، وذلك كثمن يجب أن يدفعه نظام الحكم السوري القادم، مقدماً أو مؤخراً، من أجل تسهيل حل الموضوع السوري الحالي المواجه للآلام والمحن والعذابات المحبطة الحالكة السواد؟
هل سيرفض الطرف العربي رفضاً قاطعاً أن يكون حل الموضوع السوري على حساب استقلال سوريا وكرامة شعبها ومصالحها الحيوية الاستراتيجية والتزاماتها القومية، وذلك من أجل تعويض أو رشوة ذلك الطرف الإقليمي أو ذاك؟، أياً كانت مواقف الأطراف الإقليمية مما جرى في سوريا وأياً كانت الحسنات أو السيئات، وأياً تكن مشاعر الأطراف العربية المفاوضة تجاه هذا البلد الإقليمي أو ذاك؟
إن الإجابات يجب أن تحتكم كلها إلى دموع ودماء وعذابات أطفال ونساء ورجالات سوريا، جميع أهل سوريا، الذين هاموا على وجوههم في أصقاع الأرض، والذين واجهوا الجوع والخوف والإرهاب والموت والعار في كل مدينة وقرية سورية. وإذا كانت في قلوب الأطراف العربية الثلاثة ذرة من مشاعر الأخوة الإسلامية والمسيحية والمحبة الإنسانية، وقليل من الالتزام القومي ومن الخوف على مصير هذه الأمة المنهكة المعذبة النازفة الجروح، إذا كانت الأطراف تحمل تلك المشاعر والمخاوف والأريحية فإنها لن تسمح لنفسها بأن تختلف حول تلك الثوابت القومية الكبرى، وهي أيضاً لن تدخل في لعبة الميكافيلية السياسية مع هذا الغريب أو ذاك.
فيما عدا ذلك لن يهمنا أن تختلف الأطراف حول هذا التفصيل أو تلك الجزئية، حول هذا المؤقت أو ذاك العابر.
ما يهمنا وما يهم الشعب العربي، ليس انتصار هذا الطرف العربي أو ذاك، وليس بياض هذا الوجه أو سواد ذاك الوجه، وليس خزعبلات
التحالفات الاستراتيجية مع هذه الدولة العظمى أو تلك الدولة الإقليمية، وإنما الذي يهم هو بقاء الوطن السوري العربي في عز وبهاء، ورجوع الشعب السوري العربي إلى أحضان أمته معافى ومفعماً بالأمل والأحلام، حتى يعود ذلك الشعب العظيم ليلعب أدواره التاريخية الرائعة في سبيل وحدة وحرية وتقدم أمته.
سيكون مفجعاً لو أنه باسم العقلانية والواقعية والعجز عن المقارعة يخرج علينا المتحذلقون بقبول ما لا يجب أن يقبل، بشرب السم للوصول إلى سراب العافية.
(عن الخليج الإماراتية ـ 14 نيسان/ أبريل 2016)