تتجه العلاقات بين
الجزائر وباريس إلى تأزم صارت بوادره واضحة للعيان، بعد أن زار الوزير الأول الفرنسي
مانويل فالس، الجزائر وبرفقته 10 وزراء، السبت والأحد الماضيين، ولم تخلف الزيارة إلا جدالا واسعا إثر نشر فالس صورة له مع الرئيس الجزائري بدا خلالها شديد العياء.
لم تثمر تلك الزيارة التي قادها مانويل فالس تطورا بالعلاقات المشوبة أصلا بملفات شائكة لها علاقة وثيقة بالتاريخ، فالجزائر كانت إلى غاية 1962 مستعمرة فرنسية، والجيل الجديد بالجزائر حاليا يرغب بالتخلص من الإرث الاستعماري الذي تركته
فرنسا، ويعتبر أن الأخيرة لها يد بتسيير شؤون البلد.
وزادت الصورة التي نشرها الوزير الأول الفرنسي على حسابه بـ"تويتر" خلال لقائه الرئيس الجزائري، الأحد الماضي، من غضب الجزائريين بشأن نمط تعاطي الفرنسيين مع المسؤولين الجزائريين، فقد ظهر الرئيس بوتفليقة، في تلك الصورة، شديد العياء وشارد الذهن ويتحدث بصعوبة بالغة.
ولم تعلق السلطات الجزائرية عما اعتبرته الأحزاب السياسية بالجزائرية وعموم المواطنين "إساءة لرمز الدولة"، لكن يبدو أن آلة السلطة بالجزائر بدأت تتحرك ضد الحكومة الفرنسية، وبالأخص ضد الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس.
وكثيرا ما كانت مثل هذه الأمور التي تبدو "هامشية"، سببا حقيقيا بتأزم العلاقات بين الجزائر وباريس، فقد تسببت عملية تفتيش خضع لها وزير الاتصال الجزائري، حميد قرين، بمطار أورلي بباريس، شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، بأزمة دبلوماسية بين البلدين قبل أن تعتذر باريس.
وندد الاتحاد العام للعمال الجزائريين ومنتدى رجال الأعمال الجزائريين ببيان مشترك، الجمعة، بما سمي "تلاعبا وتشويها مقصود ضد مؤسسة الرئاسة بعد نشر الوزير الأول الفرنسي صورة على حسابه بـ"تويتر" تظهر الرئيس بوتفليقة في حالة عياء شديد".
وذكر البيان أن "العمال والعاملات ورؤساء المؤسسات العمومية والخاصة لا يمكنهم القبول بدروس من المستعمر القديم أو تدخل في الشؤون الداخلية للبلاد".
وقال حسين خلدون، الناطق الرسمي لجبهة التحرير الوطني، الحاكم بالبلاد، بتصريح لـ"
عربي21"، الجمعة، إن "نية الوزير الأول الفرنسي كانت خبيثة من وراء نشر تلك الصورة على "تويتر" لأنها مسيئة للرئيس بوتفليقة وتهدف للضغط على الجزائر من أجل مراجعة مواقفها".
أما لويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال، اليساري، فقالت بمؤتمر صحفي، الجمعة، إن الصورة التي نشرها الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس للرئيس بوتفليقة وهو في حالة عياء شديد "كانت فعلا انتقاما منه بسبب عدم حصوله على ما كان يريد من الجزائر".
واتهمت لويزة حنون الوزير الأول الفرنسي بارتكاب "جريمة الإساءة للمريض" في حق الرئيس بوتفليقة عندما نشر تلك الصورة التي تظهره في وضع غير لائق، وقالت: "فالس مارس السخرية وقام بانحراف خطير يظهر أن
الأزمة في فرنسا بلغت مداها وجعلت من مسؤوليها لا يعرفون كيف يتحكمون في أنفسهم".
واعتبرت حنون أن "فعلة فالس هي استفزاز لا يطاق وسابقة في العلاقات بين الدول، وهو عمل انتقامي ليس بعيدا عن التهديد"، وذلك بعد أن "فشلت زيارته الرسمية في افتكاك ما كان يريده لإنقاذ شركات بلاده التي تواجه الإفلاس".
لكن هذا الموقف وجد له ما يعاكسه بالجزائر، حيث وصف رئيس جبهة العدالة والتنمية (المعارضة) عبد الله جاب الله، الوضع في الجزائر بـ"المأساة"، وقال بمؤتمر صحفي عقده الجمعة بالعاصمة الجزائر: "إن الصورة البائسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة مع الوزير الأول الفرنسي لدى زيارته للجزائر أوضحت يقينا لكافة الجزائريين أن بوتفليقة قد انتهى".
وفي سياق مماثل، انتقدت منظمة "مراسلون بلا حدود"، الجمعة، تعامل السلطات الجزائرية مع صحيفة "لوموند" الفرنسية بعد أن رفضت السلطات الجزائرية منح تأشيرة الدخول لصحفيين يشتغلون بـ"لوموند" خلال زيارة مانويل فالس إلى الجزائر.
وذكرت مسؤولة مكتب شمال أفريقيا بالمنظمة، ياسمين كاشا، ببيان، الجمعة: "يبدو أن المسؤولين في هرم الحكم وحزب السلطة بالجزائر، الذين ركبوا موجة العداء للصحافة الفرنسية، وقع لهم خلط فظيع".