كتب محمد صالح المسفر: يصل مقالي هذا إلى القارئ العربي وقد غادر الرئيس الأمريكي باراك حسين
أوباما الرياض بعد أن اجتمع بقادة دول مجلس التعاون للمرة الرابعة منذ أن تولى منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية عام 2009.
في لقائه الأول كان واعدا، وفي الثاني كان مطمئنا، وفي الثالث مختلفا عن كل مواقفه السابقة، وفي الرابع جاء ليكتب الفصل الأخير في مذكراته في البيت الأبيض، وفي تقديري لن يكون منصفا لقيادات دول مجلس التعاون على وجه التحديد لأنه اتهمهم بالاتكالية والسلبية، والقيادات العربية الأخرى على وجه العموم.
(2)
أرجو أن تتسع الصدور عندما نناقش قضايانا في
الخليج العربي بشيء من الأمانة والصدق، وهنا أقول إن قيادات مجلس التعاون ليسوا على قلب رجل واحد في مواجهة أزمات المنطقة، يسرّون في أحاديثهم مع القادة الأمريكيين والأوروبيين غير ما يعلنون في لقاءاتهم الخليجية-الخليجية، إنهم ليسوا على قلب رجل واحد في الملف اليمني، والسوري، والعراقي، والليبي والإيراني، الأمريكان يسمعون من جميع الأطراف في المكاتب المغلقة غير ما يسمعونه في الجلسات المعلنة.
الإدارة السعودية الشابة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود تعمل جاهدة على توحيد الكلمة والموقف الخليجي في كل القضايا المذكورة آنفا، لكن هناك عوامل نفسية وتاريخية في المنطقة ما برحت تُستدعى من وقت إلى آخر ويبدو أن الدبلوماسية السعودية غابت عنها تلك العوامل.
(3)
سؤال لماذا اختلف الخليجيون في الشأن السوري في الوقت الذي تجوب الزعامات الأمريكية والأوروبية منطقة الشرق العربي علما بأنهم يتفقون على عدم شرعية بقاء الأسد وأفراد نظامه في السلطة. أخيرا تشكل حزب جديد "الغد السوري" يتبعه قوة عسكرية باسم (قوى النخبة السورية) وتؤيده مصر وروسيا الاتحادية ودولة خليجية كما جاء في الأخبار، هذا يعني عدم اتفاق تلك الدولة الخليجية مع شركائها الخليجيين في مناصرة وتأييد قوى الثورة والمعارضة المعترف بهم دوليا والمشتبكين في مفاوضات مع النظام تحت إشراف الأمم المتحدة في جنيف ومباركة دول أخرى.
في اليمن ما الذي دفع جحافل الجماهير في محافظة عدن بالتظاهر عشية انعقاد مؤتمر الكويت بين المنشقين (علي صالح ـــ والحوثيين) عن النظام الشرعي في اليمن وسيطرتهم على الدولة بقوة السلاح وبين الحكومة الشرعية بإشراف الأمم المتحدة، في الوقت الذي يتواجد فيه الرئيس الأمريكي في المنطقة، وماذا يعني في قاموس الدبلوماسية بروز قيادات في تلك المظاهرات هي في الأصل من صلب النظام اليمني الوحدوي مؤيدة لمطالب تلك المسيرات ورفعت فيها شعارات توحي بأن دولة خليجية تشجع مطالب تلك المسيرات.
لا جدال بأن المواطن الخليجي مشتت الذهن تلاحقه الشائعات لتستقطبه أو لتحييده، أو للتقليل من ولائه وانتمائه فلماذا قادتنا لا يصارحون شعوبهم بخلافاتهم فلعل حكمة تصل إليهم ولو من راعي غنم، ناهيك عن أهل العلم والمعرفة، تنقذهم مما هم فيه من شكوك ونميمة سياسية وحسد وتباغض وتسارُع من أجل المصالح الذاتية لا الوطنية التي تنتقل بنا إلى مصاف الدول المؤثرة في السياسة الدولية.
(4)
أعود إلى أمريكا والخليج، من الملاحظة للسلوك السياسي الخليجي يجد الكاتب أن قادة دول المنطقة يجدون في دبلوماسية الاسترضاء التي ينظر إليها الطرف الغربي بأنها دبلوماسية الضعيف الذي يبحث عمن يتولى أمره، ويقيني أنهم غير ذلك، وقد صرح بذلك الرئيس الأمريكي أوباما في أكثر من مناسبة. وقال ضمنا في حالة إيران والعرب، فإنه يتعامل مع الأول كقوة واحدة ذات كلمة واحدة، وأنهم يعرفون ما يريدون، بينما العرب الخليجيون فإنه يتعامل مع أكثر من طرف ومع أكثر من رأي، إلى جانب عوامل أخرى، ومن ملاحظتي لاستقبال الرئيس الأمريكي في الرياض أنه كان استقبالا فاترا، ولنا في ذلك رأي ليس هذا مكان طرحه.
في معالجة ملف الإرهاب أمريكا ترى أن التهديد الحقيقي لأمن المنطقة والعالم يكمن في (داعش) ويجب القضاء على داعش، لكنهم يتجاهلون أن داعش مؤيدة ومسلحة من إيران والنظام القائم في دمشق وبغداد يؤازرهم عسكريا الحشد الشيعي وقد بلغ عدد تنظيماته في العراق وحده 54 منظمة إرهابية ناهيك عن
سوريا.
وفي اليمن مليشيا الحوثي وصالح وقد ألقت البحرية الأمريكية والفرنسية القبض على أكثر من ثلاث بواخر محملة بالسلاح، متجهة إلى الحوثيين، وكما قالت مصادر غربية إنها خرجت من إيران متجهة إلى اليمن. تم القبض على خلايا مسلحة في الكويت والبحرين والسعودية لها اتصالات مع إيران، ولقد ثبت فعلا أن إيران تخطط للعبث بأمن الخليج العربي، والغرب وأمريكا ينظران إلى ذلك الخطر نظرة سلبية.
(5)
تصر أمريكا وحلفاؤها الغربيون بوقف الأعمال القتالية في اليمن، من قبل دول التحالف دون أن تصر على عودة الشرعية وردع دواعش الحوثي وصالح. لكنها تسكت عن المجازر التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه فقد هجّر عن طرق العنف أكثر من 8 ملايين سوري إلى خارج سوريا، وقتل أكثر من 300 ألف إنسان بكل أنواع الأسلحة وما برح يقتل بالبراميل المتفجرة والمدفعية والطائرات الحربية رغم الاتفاق على هدنة بين المتقاتلين والعالم يتفرج، لماذا حقوق الإنسان في اليمن تثير الغرب وأمريكا، والإنسان في سوريا والعراق لا يلتفت إليهم أحد.
أمريكا تاجرة سلاح، تعمل على أضعاف دول المنطقة كي تكون رهينة لمصانع السلاح الأمريكية والغربية، لكنها تشترط على هذه الدول الخليجية عدم استخدام السلاح الأمريكي المدفوعة قيمته كاملة لنصرة صديق عربي أو لردع عدوان على دولة عربية، ومن هنا على دول الخليج مجتمعه أن تعمل على إلغاء هذا البند من أي اتفاق تسلح مع أمريكا.
آخر القول: أمريكا لن تغير سياساتها تجاهنا ما لم تر جديتنا في حماية حقوقنا، وأملنا قوي في الدبلوماسية السعودية الجديدة التي تمردت على السلبية والجمود بقيادة الملك سلمان آل سعود حفظه الله، ومن حوله شباب كلهم حيوية وإيمان بأمتهم وبقدراتهم.
(عن الشرق القطرية)