ملفات وتقارير

تقارب بشأن حكومة الوفاق الليبية واستمرار الجدل حول المادة 8

طالب المبعوث الدولي إلى ليبيا حكومة الوفاق بأداء اليمين القانونية واستلام زمام الأمور - أرشيفية
في الوقت الذي تبدو فيه مؤشرات توافق داخلية وخارجية حول حكومة الوفاق الليبية، خاصة بعد منحها الثقة من قبل البرلمان الليبي ومعظم الأطراف المتنازعة، وكذلك من قبل الكثير من الدول والجهات الغربية والعربية، لا تزال المادة الثامنة في الاتفاق السياسي الليبي، التي ورد فيها نقل صلاحيات المناصب العسكرية والأمنية العليا إلى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، تثير جدلا وخلافات تقف حجر عثرة أمام التوافق الوطني الليبي.

ففي الوقت الذي طالب فيه نواب ببرلمان طبرق بضرورة إلغاء المادة الثامنة، أعلن آخرون رفضهم القاطع بالمساس بالاتفاق السياسي، مؤكدين أن حذف تلك المادة أو تعديلها غير قانوني.

وبعد فشل مجلس النواب للمرة التاسعة في عقد جلسة حاسمة لمنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني، الاثنين الماضي، أصدر 102 نائب في برلمان طبرق بيانا مساء الخميس الماضي، أكدوا فيه منحهم الثقة لحكومة الوفاق الوطني، ومطالبين بحذف المادة الـ"8" من الأحكام الإضافية للاتفاق السياسي.

وتنص المادة (8) على أن "تنتقل كافة صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية العليا المنصوص عليها في القوانين والتشريعات الليبية النافذة إلى مجلس رئاسة الوزراء فور توقيع هذا الاتفاق، ويتعين قيام المجلس باتخاذ قرار بشأن شاغلي هذه المناصب خلال مدة لا تتجاوز 20 يوما، وفي حال عدم اتخاذ قرار خلال هذه المدة، يقوم المجلس باتخاذ قرارات بتعيينات جديدة خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما، مع مراعاة التشريعات الليبية النافذة".

وفي ظل هذه الفوضى التي تسود مجلس النواب، استنكر النواب، في بيانهم، أعمال الشغب التي تزامنت مع محاولة أعضاء المجلس عقد جلسة لتمرير حكومة الوفاق.

وقال عضو مجلس النواب رمضان كرنفودة -في تصريح صحفي- إن أشخاصا من خارج قاعة البرلمان اعتدوا على النواب الداعمين لحكومة الوفاق، وقاموا بإشهار السلاح في وجوههم، مهددين ومتوعدين، مشيرا إلى احتمالية نقل الجلسة إلى خارج مدينة طبرق في حال استمرار تهديد وإهانة النواب.

 من جانبهم، رحب سفراء ومبعوثو الدول الغربية في ليبيا ببيان نواب طبرق، مشيدين بشجاعة أعضاء البرلمان الذين تحمّلوا مسؤولياتهم رغم الضغوطات التي تعرضوا لها.

ودعوا -في بيان لهم الجمعة- المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ومجلس وزراء حكومة الوفاق الوطني إلى "الاضطلاع بمسؤولياتهم؛ عبر انتقال سريع وسلمي للسلطة، ونشجعهم على اتخاذ المزيد من الخطوات العاجلة للاستجابة لاحتياجات الشعب الليبي".

وأشاروا إلى الدعم الذي استلمه المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني من الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ودول الجوار، مضيفين: "نجدد تصميم حكوماتنا -بناء على قرار مجلس الأمن رقم 2259- بالعمل مع حكومة الوفاق الوطني كالحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا، لدعم ليبيا في طريقها تجاه استعادة وحدتها وأمنها وازدهارها".

وطالب المبعوث الدولي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، حكومة الوفاق الوطني بأداء اليمين القانونية في مكان آمن في ليبيا، واستلام زمام الأمور، مؤكدا دعمه لقرار الأغلبية في البرلمان بشأن منح الثقة للحكومة.
واعتبر مراقبون بأن المجتمع الدولي يبدو أنه قد حسم أمره من خلال بيان الدول الكبرى ومباركة ما قام به النواب، ثم حديث "كوبلر" صراحة عن انعقاد جلسة قسم اليمين، في خطوة واضحة لاعتماد التوقيع لمنح الثقة.

بدوره، كشف عضو مجلس النواب الليبي محمد الرعيض عن أن 50 نائبا وصلوا إلى مدينة طرابلس، السبت، وهم في انتظار بقية الموقعين على بيان الثقة، لعقد جلسة تشاورية في طرابلس من خلالها يتقرر مكان انعقاد جلسة اليمين القانوني للحكومة، مؤكدا أنهم على تواصل مع حكومة الوفاق بشكل مستمر.

وتعليقا على حذف النواب في بيانهم للمادة الـ"8"، أكد "الرعيض" -في تصريح لـ"عربي21"- أنه ليس من اختصاص مجلس النواب تعديل أو حذف أي مادة في الاتفاق السياسي بأي شكل من الأشكال؛ لأن هذا الأمر يخص بالأساس لجنة الحوار.

واتفق مع ما ذهب إليه "الرعيض" عضو مجلس النواب سليمان الفقيه، قائلا إن "أي تعديل لبنود الاتفاق يجب أن يتم بالتشاور بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، فلا يجوز لأي جهة أن تقرره بشكل منفرد".

وشدّد -في تصريح خاص لـ"عربي21"- أنه لا يجوز لأي طرف تعديل الاتفاق السياسي بشكل منفرد، لأن أي تعديل في الاتفاق يجب أن يتم بالتوافق بين أطراف الحوار مجتمعة، لافتا إلى أن المادة 12 من الأحكام الإضافية للاتفاق السياسي، ورد فيها ضرورة أن يتم إقرار واعتماد الاتفاق كاملا.

 واستطرد "الفقيه" قائلا: "وفي حالة اقتضى إجراء تعديل لاحق للإعلان الدستوري يمس الاتفاق، يلتزم مجلس النواب ومجلس الدولة بالتوافق فيما بينهم على صيغة هذا التعديل، على أن يتم إقراره نهائيا دون تعديل من مجلس النواب".

وتنص المادة 12 على أن " كافة المؤسسات المنصوص عليها في الاتفاق السياسي الليبي تستمد شرعيتها من الإعلان الدستوري وتعديله الملحق بهذا الاتفاق، بعد إقراره واعتماده كاملا، وتوقيعه ودخوله حيز التنفيذ. وفي حال اقتضى الأمر إجراء تعديل لاحق للإعلان الدستوري يمس الاتفاق أو أحد المؤسسات المنبثقة عنه بشكل مباشر أو غير مباشر، يلتزم مجلس النواب ومجلس الدولة بالتوافق فيما بينهم على صيغة هذا التعديل، على أن يتم إقراره نهائيا، دون تعديل، من مجلس النواب وفقا للآلية الواردة بالإعلان الدستوري".

وأضاف عضو بمجلس النواب، فضل عدم الكشف عن هويته، أن وضع النقطة الخاصة بحذف المادة 8 في البيان كان لإرضاء بعض النواب ورفع الحرج عنهم، خاصة في ظل تشبث البعض باستمرار "حفتر" في منصبه".

وأضاف لـ"عربي21": "بيان النواب الذي صدر مساء الخميس الماضي جاء من رحم المعاناة وبعد محاولات عديدة باءت بالفشل، حيث أصبحت مسألة عرقلة منح الثقة لحكومة الوفاق واضحة وجلية، وأنه لا بد على حكومة الوفاق أن تباشر مهامها رسميا، خصوصا بعد التطورات المبشرة في العاصمة طرابلس ودعم أغلبية مجلس النواب، فضلا عن الدعم الدولي والإقليمي المتزايد لهذه الحكومة، التي يعلق عليها المواطن الليبي الآمال في إنهاء أزمته التي طالت".

من جهته، وصف النائب الثاني لرئيس المجلس الأعلى للدولة محمد معزب وأحد أطراف الحوار الموقعين على الاتفاق السياسي، في 17 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، إعلان أعضاء من مجلس النواب إلغاء المادة الثامنة من الاتفاق السياسي بأنه "غير قانوني".

وفي 17 كانون الأول/ ديسمبر 2015، وقعت أطراف ليبية متصارعة على اتفاق في مدينة الصخيرات المغربية نص على تشكيل "حكومة وفاق وطني" تحل محل حكومتين متصارعين، الأولي في طرابلس غربا، والثانية في البيضاء شرقا.