تعطي المؤتمرات المنعقدة لحل المسألة السورية انطباعا سيئا، وشعورا بأنّ المسألة السورية ذاهبة - على الأقل من خلال هذه المؤتمرات - إلى اللاحل. ولا يقتصر الأمر على مؤتمرات جنيف بين المعارضة والنظام، إذ ينسحب الأمر ذاته على مؤتمرات دعم المعارضة السورية.
إذا لم تقدم مؤتمرات دعم المعارضة السورية شيئا ذا قيمة للسوريين، فمن الناحية الإغاثية قُدم الدعم عن طريق الأمم المتحدة، ما يعني ذهاب المساعدات لمؤسسات النظام، وحرمان الشعب في مناطق المعارضة منها، ولم ينفع الاعتراف السياسي بالمعارضة لكونه لم يُلحق باعتراف قانوني. أما على الصعيد العسكري فشكلت مؤتمرات أصدقاء الشعب السوري كارثة، إذ كررت وأكدت جميعها الأسطوانة المشروخة حول أنّ الحل في
سوريا سياسي، في حين يتخذ أصدقاء النظام خطوات عملياتية على الأرض لكسب المعركة.
وبالعودة للمؤتمرات الدولية، بدءا من "جنيف1" وليس انتهاء بـ"
جنيف3"، نلحظ غياب الصدق في العمل. فالمؤتمرات الثلاثة تدور في حلقة مفرغة إذا لم تقدم أي خطوة نحو حل ما، ويكفي دليلا اختلاف المتفاوضين والراعين حتى الآن على المراد من جنيف.
أدى هذا التمييع من القوى الكبرى لظهور
تنظيم الدولة وتمدده، وسيطرته على مساحات شاسعة من سوريا، وترافق ذلك مع استرجاع النظام لبعض المناطق من يد المعارضة.
تمدد تنظيم الدولة واسترجاع النظام لبعض المناطق شكل كارثة على سوريا الحاضر والمستقبل، إذ شهدت مناطق التنظيم دمارا ماديا من خلال قصف النظام والتحالف مناطق التنظيم بلا رحمة، متناسين أن الشعب وقع ضحية مرتين، ودمارا أخطر مثله ممارسات تنظيم الدولة، كإغلاق المدارس وحرمان السوريين من التعليم بكافة مراحله، ويضاف لذلك انتشار الفكر المتطرف ما ينذر بأزمات مستقبلية حتى لو تم التوصل لحل.
أما استرجاع النظام لمناطق معينة، فلم يكن أقل خطرا من تنظيم الدولة. إذ نهج التنظيم في عمليات الاسترجاع سياسة الأرض المحروقة، فدُمرت مدن، ومُحيت قرى وبلدات من وجه الأرض.
أما الدمار الآخر فتمثل بهجرة النخب العلمية والثقافية التي شعرت أن الحرب في سوريا عبثية، وأن القوى الدولية تريد منها الذهاب إلى ما لا نهاية، فهاجر من كلية الآداب في جامعة حلب وحدها أكثر من مئة أستاذ جامعي، وتحولت الجامعات السورية لما يشبه مدارس ثانوية، وأغلقت أقسام لعدم توفر الكادر التدريسي.
ومنعت حرب النظام والتنظيم المشتركة على المعارضة المعتدلة؛ قيام حياة إنسانية في حدها الأدنى في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة، ولا سيما أن هذه الحرب تزامنت مع غياب الدعم الحقيقي من قبل ما يسمى أصدقاء الشعب السوري رغم رؤيتهم اختلال موازين القوى، ومعرفتهم أن الاختلال بالموازين سببه خارجي لا داخلي، لكنهم لم يحركوا ساكنا إلا على المنابر، وكأن الهدف الحيلولة دون نمو أي بذرة للنهوض والعمران في مناطق المعارضة وحتى لا يكون هناك نموذج مشرق لما بعد
الأسد.
يدرك من له أدنى معرفة بالشأن السوري أن استمرار السير في هذا النهج يعني استمرار الدمار لسوريا، فبقاء النظام يعني أمورا عدة أبرزها بقاء تنظيم الدولة، وانتشار التطرف واستمرار الدمار، وبقاء أكثر من نصف سوريا مهجر ومشرد، واستمرار النزيف على كافة الصعد.
وفي الوقت عينه، فإن ذلك يتزامن باستمرار الدمار على خط مواز في مناطق التنظيم أي استمرار تدميرها بالقصف جوا، ومن تنظيم الدولة أرضا، وتأجيل الحياة فيها إلى أجل غير معلوم. فلا بدّ أن يسعى المجتمع الدولي لحل حقيقي لا نقول يصب في صالح المعارضة بل في صالح السوريين، حل يُعيد المهجرين والنازحين، ولا سيما النخب العلمية وأصحاب الخبرات الذين تحتاجهم سوريا للبناء، ومعلوم أنّ هذا لا يتأتى إلا بزوال النظام والتنظيم.
فهل يدرك المجتمع الدولي خطورة ما يجري، أم إن ما يجري مخطط له من قوى دولية هدفها تدمير ما تبقى من سوريا خدمةً لأجندة خاصة بها؟!