نشرت صحيقة "ديلي تلغرف" مقالا لوزير خارجية المملكة المتحدة السابق
وليام هيغ، يقول فيه إنه لا بد لأوروبا أن تتدخل في دول الشرق الأوسط، حيث توقع أن الحروب الأهلية والفوضى الحاصلة في دول تلك المنطقة ما هي إلا في بداياتها.
ويقول هيغ إن "بعض المشاهد التي تراها كونك وزير خارجية لا تستطيع أن تنساها أبدا، وأن أحد تلك المشاهد هي وجوه الناس في بنغازي في حزيران/ يونيو 2011، بينما كانت لا تزال الحرب ضد العقيد
القذافي تخرب البلاد".
ويضيف الكاتب: "فتلك الوجوه كانت تحمل تعابير الأمل للمستقبل، والخوف من استمرار العنف، والامتنان للقوى الخارجية التي تدخلت، والغضب ضد النظام الظالم، كانت كلها حاضرة. وأتت عائلة ذاهلة بجثمان ابنها الذي قتله أزلام الديكتاتور تعبيرا عن عمق قلقهم وكراهيتهم".
ويؤكد هيغ أن "الغرب تدخل في
ليبيا من الجو؛ لحماية سكان مدينة محددة، بالذات من الانتقام الذي توعدهم به القذافي على نطاق واسع، وقد حققنا ذلك بكل تأكيد".
ويشير الكاتب إلى أن التقييم بعد خمس سنوات من تلك الأحداث دفع البعض للتساؤل حول مدى صحة ذلك التدخل، الذي تمت المصادقة عليه بشكل كبير في مجلس العموم، وفي الوقت الذي يتجهز فيه الجيش البريطاني لإرسال أفراد إلى ليبيا يقومون بتدريب القوات المسلحة المحلية هناك لحكومة جديدة، لكنها هشة، حيث يستخدم كثير من الناس التاريخ الحديث لتلك البلد ليحتجوا بأن استخدامنا للقوة العسكرية في الشرق الأوسط لن يكون ناجعا، ويطرحون أسئلة مثل: ألم تبق ليبيا دون حكومة فاعلة لعدة سنوات؟ ألم يعث المتطرفون فسادا هناك؟ والأدهى من ذلك ألم يستطع تنظيم الدولة أن يقتطع لنفسه مساحات على البحر الأبيض المتوسط؟ بالتأكيد وبعد
العراق هذه الأدلة كلها التي نحتاجها للقول إن علينا أن نبقى خارج حروب الدول الأخرى، وحتى الرئيس أوباما تحدث عن أن الولايات المتحدة ارتكبت أخطاء في ليبيا، ونقل عنه قوله – غير المنصف – بأن ديفيد كاميرون شغل بأحداث أخرى".
ويحذر هيغ في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، من "مخاطر التوصل إلى النتيجة الخاطئة من هذه التجربة، والتردد في إرسال قوات إلى الخارج، في الوقت الذي نحن بحاجة ماسة فيه لفعل ذلك. فالحقيقة المؤسفة هي أن الفوضى والحرب الأهلية الدائرة في الشرق الأوسط ربما تكون في بداياتها ولا تقترب من نهايتها، فالكراهية الدينية وسوء الحكم والفشل الاقتصادي وارتفاع نسبة الشباب، هي العوامل التي أشعلت هذه الأحداث المأساوية، التي لن تتغير في أي وقت قريب".
ويجد الكاتب أنه "إذا أخذنا بعين الاعتبار عدم الاستقرار في أجزاء من أفريقيا، فإن هناك تهديدا بهجرات جماعية على مستوى ضخم، وعلى نطاق أوسع من أي شيء رأيناه حتى الآن، أو حتى في التاريخ الحديث للعالم، وإن أخذنا الشرق الأوسط وأفريقيا معا فهي المنطقة الوحيدة على الأرض التي لا تظهر أي مؤشرات على تباطؤ في نمو عدد السكان، حيث يتوقع أن يزيد عدد سكانها خلال الثلاثين سنة المقبلة".
ويقول هيغ: "إن كانت الدول الأوروبية، بما في ذلك
بريطانيا، تظن أنها تستطيع أن تستمر دون التدخل في المنطقة على مدى العقود القادمة، فإنها ستجد نفسهت تواجه أكبر حركة إنسانية لم تتوقعها أو تجربهاـ فالتدخل لمحاولة منع الصراع، وإنهاء الحروب، والسعي لاستقرار الحكومات، وتحسين الاقتصاد، سيكون ضرورة لا يمكن تجنبها بالنسبة لكثير من الدول الغربية".
ويضيف الكاتب: "يجب علينا أن نتخطى أي مشاعر تقول بأن التدخل في الخارج خطأ، وبدلا من ذلك علينا أن نركز على كيف نتدخل بشكل صحيح. ولأولئك الذين يقولون نعرف جيدا ماذا يعني التدخل، انظر فقط إلى العراق وليبيا والجواب على ذلك: نعرف أيضا ماذا يعني عدم التدخل، وهو واضح في
سوريا، فعدم التدخل في صراع قد يؤدي إلى مصائب، كما قد يؤدي التدخل".
ويتساءل هيغ: "ماذا كان سيحصل لو لم نرسل نحن وحلفاؤنا طائراتنا لإيقاف دبابات القذافي في 2011؟ لا أحد يعرف، لكن على الأغلب كانت ستكون حربا أطول، يموت فيها المزيد من المدنيين، وتجنح فصائل المعارضة نحو التطرف، وكان من غير المحتمل أن تكون ليبيا في حال أفضل اليوم، ولم يكن التدخل هو الذي أدى إلى الفوضى، بل إننا تدخلنا لأن الفوضى كانت قد بدأت".
ويعترف الكاتب بأنه "كانت هناك أشياء يمكننا أن نقوم بها بوجه أفضل، وهناك دروس يمكن أن نتعلمها، وفي حالة مثل حالة العراق، فإن أحد الدروس يحب أن يكون الحاجة للمزيد من التخطيط لما بعد، وقد يكون هذا أحد الجوانب التي يسلط عليها تقرير تشيلكوت الضوء عندما يخرج إلى النور".
ويدافع هيغ قائلا: "كان هناك تخطيط كثير للمستقبل في حالة ليبيا، حيث عملت مجموعات عمل ومجموعات اتصال متخصصة ساعات طويلة، وقدمت خططا لكل فرع من فروع الحكومة، والمشكلة هناك أنه لم يكن هناك أي شخص في السلطة يستطيع تنفيذ أي من الخطط، حيث لم يترك القذافي وراءه أي آليات حكومية".
ويقول الكاتب عن الدرس الذي استنتجه من هذا: "هو غير بديهي، كما قد يبدو للبعض، وهو أن مثل ذلك الوضع يحتاج إلى تواجد أجنبي قوي وطويل وملح ليحوله إلى نجاح، كما أن مسؤولي الأمم المتحدة، الذين بعثناهم لمساعدة ليبيا، أثبتوا نجاحهم في ترتيب انتخابات، لكنهم لم يكونوا فعالين في التأكد من حفظ الامن، وكان الفشل في هذا الجانب هو ما شجع استمرار المليشيات وتقويض سلطة أي حكومة جديدة".
ويرى هيغ أن "الشخصيات التي قادت الثورة ضد القذافي كانت شخصيات محترمة، حافظت على وحدة الفصائل جميعها، وكأن بإمكانها توجيه البلاد بنجاح قبل أن تتخلى عن السلطة، وبدلا من ذلك، فقد تم عقد الانتخابات بسرعة، فاستبدلت هذه الشخصيات بأحزاب تتنافس على السلطة وتقوض إمكانية الاستقرار، فكان علينا أن نصر على بقاء قيادات الثورة حتى تستطيع حكومة ديمقراطية أن تتجذر، فقد يأخذ بناء بلد وديمقراطية عقودا، وعلى الغرب التمتع بالصبر الاستراتيجي؛ لمساعدة هذه العملية بدلا من التخلي عن كل بلد فيه إشكالية بسرعة، أو الإعلان عنه بأنه دولة فاشلة".
ويذكر الكاتب أنه "في السنوات الأخيرة ساعدنا الصومال لتسير في الاتجاه الصحيح، من خلال مفاوضات حثيثة خلف الستار، ومحاربة القرصنة في المحيط الهندي، وإقامة حكومة شرعية بمساعدة الأمم المتحدة، وتمويل الأوروبيين الجيوش الأفريقية لمحاربة إرهابيي حركة الشباب".
ويفيد هيغ بأن "هذا الجهد سيحتاج إلى سنوات أخرى كثيرة لينجح بشكل كامل، وكذلك الجهود الأخيرة في ليبيا، التي ستكون عملية تدريب الجيش جزءا أساسيا منهاـ حيث إن هذه التوليفة من المبادرات طويلة الأمد التي ستكون من مواصفات التدخل الناجح".
ويختم هيغ مقاله بالقول: "إن العودة لبذل جهود إضافية لحل المشكلات في الخارج ضرورية، حيث إن إدارة ظهورنا ظنا بأن الوضع يائس سيخلق أكبر المصائب".