نشرت مجلة "فورين أفيرز" تقريرا لكل من أليسون ماكماناس وجيكوب غرين، تحدثا فيه عن إعلان وزارة الداخلية
المصرية في 7 آذار/ مارس، عن أسماء الأشخاص المتورطين في اغتيال المدعي العام
هشام بركات.
ويشير التقرير إلى أن هذه الأخبار جاءت بعد تسعة شهور من وفاته، في هجوم كان الأكثر بروزا في الذاكرة القريبة، حيث يحتوي فيديو نشرته الوزارة، على ما قالت إنه اعترافات مرتكبي الاغتيال، الذين يتحدثون بالتفصيل عن الخطة، التي يقف "الإخوان المسلمون" خلفها، بما في ذلك التدريب الذي اقتضى قضاء فترة مع "حركة حماس في غزة"، كي يقوموا بعملية تفجير السيارة في حزيران/ يونيو 2015، واعتبرت الوزارة أن هذا الملف مغلق.
ويقول الكاتبان إن المزاعم ضد الإخوان المسلمين وحركة حماس ليست جديدة؛ لأن المسؤولين المصريين أشاروا سابقا بأصابع الاتهام إليهما بعد الهجوم بقليل، لافتين إلى أن السبب وراء تكرار الاتهام هو حاجة النظام لحشد الدعم بصرف الأنظار عن النقد المحلي المتزايد، وتوجيهه إلى مشكلات أخرى وجهات أخرى، مستدركين بأن تبني هذه المقاربة يعني أن الأجهزة الأمنية المصرية تفشل في التصدي للتهديدات الحقيقية التي تواجهها.
وتلفت المجلة إلى أن الاضطرابات بدأت في منتصف عام 2013، بعد الانقلاب على الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، حيث هزت الهجمات الإرهابية البلاد منذ ذلك الحين، وبالذات في شمال سيناء المضطرب، مشيرة إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي يتهم الإخوان المسلمين بتدبير العنف، واعتقل منهم 12 ألف شخص بتهم الإرهاب منذ شهر تموز/ يوليو 2013، وسجن بعض الإخوان بجنح صغيرة، مثل امتلاك مواد إعلامية مؤيدة لمرسي، أو تنظيم مظاهرات ضد الانتخابات خلال الانتخابات الرئاسية عام 2014، التي فاز فيها السيسي.
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن أيدي الإخوان المسلمين ليست نظيفة تماما من هذا العنف كله، حيث إن هناك صراعا داخليا بين السلميين المخضرمين والأعضاء الشباب في الحركة، الذين هم أكثر اقتناعا باستخدام العنف، لافتا إلى أن هناك مجموعات باسم "العقاب الثوري" و "حركة المقاومة الشعبية" تم تشكيلها، وهي التي قامت بهجمات على الشرطة والقضاء وغيرهما من الأهداف، مستدركة بأنه من الصعب تحديد مدى الدور المباشر للإخوان في مثل هذه الأنشطة.
ويرى الكاتبان أن "الغموض يجعل من محاولات وزارة الداخلية إثبات من يقف وراء اغتيال بركات، وتحميل الإخوان مسؤوليته، يكتسبان أهمية أكبر، حيث إن أراد السيسي أن يضبط الرواية داخل مصر بأن الإخوان المسلمين هم جماعة إرهابية، فيجب عليه أن يثبت بأن حركتهم تدعم أنشطة عنيفة، وقد تحتوي الاعترافات المسجلة تفاصيل دقيقة عن دور الإخوان المسلمين في الاغتيال، لكن الفيديو ذاته بدا أكثر سينمائية من التركيز على الحقائق، وفي الواقع فإن الإصدار الأخير هو فقط واحد من سلسة من الأشرطة التي قدمتها الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة، حيث تبرز الأشرطة عناصر مشابهة، من حيث التلميح إلى أن أعضاء الإخوان المسلمين يتدربون مع قوات في قطاع غزة، وأن الهجمات تمت بإيعاز من مسؤولين كبار في الإخوان وربما من مرسي نفسه".
ويضيف الكاتبان أن "هناك بعدا آخر للاتهامات، من خلال ادعاء القاهرة بتورط حركة حماس بالهجوم يضيف عمقا آخر للتهم، فهي محاولة لتنبيه المصريين أن الدولة تتعرض لمخاطر خارجية، وهو خطاب اعتمدت عليه القاهرة في العادة خلال فترات فقدان الشعبية، حيث إنه في عام 2011 ادعى وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي بأن لديه "أدلة قاطعة" بأن من قام بتفجير الكنيسة القبطية في الاسكندرية هي مجموعة إرهابية مرتبطة بحركة حماس اسمها (جيش الإسلام)، وجاء إعلان العادلي هذا في قمة أزمة الشرعية التي عانى منها النظام، وقبل يوم واحد من احتشاد الملايين في ميدان التحرير خلال الثورة الهائلة التي أدت إلى سقوط الحكومة".
ويلفت التقرير إلى أنه من ناحية أخرى، فإن الاتهامات وفرت فرصة لفتح حوار بين حركة حماس ومصر، تستطيع القاهرة من خلالها استعادة بعض الأهمية المتضائلة لها في مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، حيث إنه بعد أن أعلن وزير الداخلية مجدي عبد الغفار في 7 آذار/ مارس أن "حركة حماس دربت وجهزت وأشرفت على التنفيذ" بأيام قليلة، كان هناك وفد من حركة حماس في القاهرة لينكر تلك التهم، مشيرا إلى أنه قد تكون تهم الإرهاب هي التي دفعت إلى اللقاء، إلا أن الحوار وفر فرصة لإذابة الجليد في العلاقات بسبب موقف السيسي المتصلب من الإخوان.
وتبين المجلة أن "حرب القاهرة على الإخوان المسلمين قد تكون أضعفت دور مصر في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، حيث كان بإمكان مرسي مساعدة الطرفين في التخفيف من العنف خلال حرب 2012، لكن السيسي رفض أن يعمل مع حركة حماس في حرب 2014، ما حدّ من الدور المصري في المفاوضات، لكن هذا قد يتغير".
ويوضح الكاتبان أنه بعد اجتماع آذار/ مارس، قام قسم الأشغال العامة في غزة بإزالة اللوحات واليافطات، التي تؤيد الإخوان من الشوارع والمساجد، بينما دعت قيادات حركة حماس لفتح الحدود والتوقف عن إغراق الأنفاق، ما يعني أن حركة حماس مستعدة لمراجعة علاقتها بالإخوان، إن كان ذلك يعني إعادة مصر إلى طاولة التفاوض حول أهداف طويلة الأمد.
ويستدرك التقرير بأنه "بالرغم من رغبة السيسي الشديدة لتوجيه اتهام لحركة حماس في اغتيال بركات، فإنه فد يؤدي إلى آثار إيجابية على الدبلوماسية المصرية، ومع ذلك فإن رمي الاتهامات جزافا قد يأتي على حساب مخاطر إرهابية خطيرة عبر الحدود، حيث إن حركة حماس اعترفت حديثا بأن بعض أعضاء كتائب القسام التحقوا بتنظيم ولاية سيناء التابع لتنظيم الدولة، دون معرفة القيادات السياسية في غزة، كما كانت هناك علاقات بين القسام والتنظيم السابق لولاية سيناء، ويبدو أن تلك العلاقات بقيت بعد التحول إلى ولاية سيناء، لكن ولاية سيناء كونها تابعة لتنظيم الدولة، فإن حماس تعد عدوا لدودا لها وتبادلها حركة حماس العداء ذاته، لكن الفرص السانحة أحيانا تقضي بتجاوز الخلافات الفكرية، وفي هذا المجال بإمكان حركة حماس ومصر العمل معا لمنع وقوع هجمات في مصر، والمقاربة الشفافة تخدم هذا الهدف".
وترى المجلة أن اتهام الإخوان المسلمين بالقيام بالهجمات الإرهابية في مصر يضر أكثر مما ينفع، مشيرة إلى أن منع الإرهاب محليا يتطلب تحقيقات ذات مصداقية ومحاكمات، بالإضافة إلى تقليل الظروف التي تؤدي إلى التطرف، مستدركة بأن اتهام الإخوان باغتيال بركات دون أدلة، يؤثر سلبا على مصداقية السيسي لأجل شعبية قصيرة الأمد، وبفعل هذا تقوم مصر برعاية شعور بالظلم والتهميش، الذي قد يولد الجيل القادم من المتطرفين في النتيجة.
وتختم "فورين أفيرز" تقريرها بالإشارة إلى أنه في وقت تواجه فيه البلاد تهديدا حقيقيا لاستقرارها، فإن قطاع الأمن المصري لا يزال يعتمد على تكتيك التقسيم بدلا من التحقيقات الجادة، مستدركة بأنه مع أن هذا قد يجدي على المدى القصير، إلا أن نتائجه على المدى الطويل مأساوية.