حذر رئيس تحرير صحيفة "صوت الأمة" الأسبوعية
المصرية، الإعلامي والكاتب الصحفي،
عبد الحليم قنديل، رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي من أن عدم السماح لمعارضيه السلميين لاتفاقية جزيرتي "
تيران وصنافير" بالتظاهر السلمي ضد الاتفاقية سيدفعهم إلى أحضان الإخوان، مجددا مطلبه بتعديل قانون التظاهر.
جاء ذلك في أحدث مقال كتبه قنديل، (المعروف بموالاته للسيسي)، عبر صحيفته الصادرة هذا الأسبوع، وذلك تحت عنوان "متى استعبدتم الناس؟"، وشن فيه هجوما حادا على وزير الداخلية، اللواء مجدي عبدالغفار، واتهم وزارته بأنها "تعتبر كل دعوة للتظاهر انقلابا على نظام الحكم، وتشن حملات اعتقال عشوائية على دعاة التظاهر"، وفق وصفه.
وفي البداية، قال قنديل: "إذا أنت أغلقت طريقا دون أن تفتح طريقا آخر فسوف تكون سببا في صناعة الزحام، والاختناق، وحرق الأعصاب".
وأضاف: "ما يحدث في المرور يحدث في السياسة، فمنع المعترضين على اتفاقية "تيران وصنافير" من التظاهر لا يحل المشكلة، ولا يضيف إلى قوة النظام، بل يجعل الغضب من اتفاقية غضبا على النظام، بل يجعل الغضب من اتفاقية غضبا على النظام كله، ويدفع المعارضين السلميين إلى أحضان الإخوان الراغبين في الانقلاب على الحكم، ويجعل أجهزة الأمن كالدبة التي تقتل صاحبها بدعوى الخوف عليه من ظل ذبابة".
ضرورة تعديل قانون التظاهر
وشكا قنديل من أنه قد بح صوته "من المناداة بتعديل قانون التظاهر السلمي المطعون عليه أمام المحكمة الدستورية العليا، والمخالف للدستور بالجملة".
ووصف الدستور (الذي وضعته لجنة "الخمسين"، المعينة من قبل العسكر، في عام 2014)، بأنه "يجعل التظاهر واحدا من الحريات الأساسية، ويعطي للمواطنين الحق في التظاهر بمجرد الإخطار، وليس بطلب ترخيص من وزارة الداخلية".
وتابع: "الأخيرة (الداخلية) تمتنع في العادة عن التجاوب مع أي إخطار، وتعتبر كل دعوة للتظاهر انقلابا على نظام الحكم، وتشن حملات اعتقال عشوائية على دعاة التظاهر، كأن المظاهرات السلمية جريمة، وليست حقا دستوريا، وهو ما يدخل الوضع العام في حلقة مفرغة من القلق، فوق "سواد وش" البلد في الدنيا كلها، وتراكم الاحتقانات والمظالم، واكتظاظ السجون وأقسام الشرطة بالشباب، وتغذية نوازع الإرهاب، وجعل أجهزة الأمن جانيا وضحية لا حاميا".
والأمر هكذا، شدد قنديل على أن "الأصل أن تحمي أجهزة الأمن المظاهرات السلمية في زمانها ومكانها المحددين، وألا تتصدى فقط سوى لظواهر الجنوح والانفلات والتحطيم والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة".
واعتبر أن "منع تظاهر الشباب الثوري يفاقم المحنة، ويغلق مجال التنفس السياسي العام، ويضيف عداوات لا تصب سوى في طاحونة الإخوان، وهو بالضبط ما تفعله أجهزة الأمن وأصواتها الناعقة في الإعلام، التي تصور كل راغب في التظاهر كما لو كان إخوانيا بالضرورة، أو مأجورا من جماعة الإخوان، بينما أغلب المتظاهرين في قضية "تيران وصنافير" ممن لا يشك عاقل في وطنيتهم، ولا في عدائهم للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، حتى وإن اختلطت عليهم الأوراق والحقائق والوثائق، وتعذر العلم النافي للجهالة في أصل وفصل قضية "تيران وصنافير"، على حد تعبيره.
أخصيتم حيوية المجتمع
وأضاف رئيس تحرير "صوت الأمة" أن "محصلة ما جرى ويجري من أخطاء وخطايا، أن الساحة صارت فارغة من السياسة، وجرى إخصاء حيوية المجتمع، ولم تنتصر قضية الثورة، ولا انفتحت الطرق لانتصار قريب يأمله دعاتها، وزادت حالة "التوهان" العام، وانصرف الشعب المنهمك مؤقتا عن الثورة، تماما كما ينصرف عن النظام الذي يفضل "المقاولة" على السياسة، ويتصور أن أجهزة الأمن كفيلة بتنفيذ مقاولة صناعة الاستقرار".
ووصف الكاتب هذا التصور بأنه "يخدع أصحابه قبل غيرهم"، مشيرا إلى أن "الاستقرار يصنعه الرضا الاجتماعي والسياسي، والاستقرار تصنعه الثقة في دولة مؤسسات حقيقية، والاستقرار يبنى بضمان الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبينها حقوق الناس الديمقراطية في التظاهر والإضراب والاعتصام السلمي، وفي ترقية وتهذيب السلوك السياسي، باتصال وتصويب الممارسة التي تصحح الأخطاء ذاتيا".
وأكد أن ذلك "لم يتحقق إلى الآن، ولا انفتحت السبل لتحقيقه تدريجيا"، قائلا: "ثمة حرص ظاهر على تجنب السياسة كأنها من رجس الشيطان، وعلى اصطناع مؤسسات دون النظر في حجم الثقة بها".
واستدرك: "صحيح أن أحدا لم يعد يُزوِّر انتخابات النقابات (بحسب قوله)، وثمة تراجع مفجع في نسب الإقبال على التصويت، وعلى طريقة ما جرى في انتخابات نقابات مهنية من توترات في الفترة الأخيرة، وقبلها في انتخابات البرلمان، التي فاز من فاز بها بنسبة تقل عن عشرة بالمائة من إجمالي أصوات الناخبين المقيدين، وهو ما جعلنا أمام "ميني برلمان" انتخبه "ميني شعب"، زادت طينته بلة مع "مقاولات" شراء المرشحين والناخبين".
وأشار قنديل إلى أن الشعب أدار ظهره للقصة كلها، مشيرا إلى أن "حواس الشعوب لا تخطئ المعاني، والشعب هو المعلم الباقي، وهو ما لا يدركه النظام، ولا يدركه كثير من الثوريين أو المتظاهرين بالثورية، والذين يحصرون قضية الثورة في "مقاولة" مظاهرات".
الدور الأخطر لجماعات "البيزنس"
ورأى الإعلامي المصري أن "جماعات البيزنس تلعب الدور الأخطر في المؤامرة وكثير منها يبدو كأنه جزء من النظام نفسه، ويحرق الأرض تحت أقدام الرئيس، وبهدف ترويعه، واحتواء قراراته، وهؤلاء لا يتحدث عنهم أحد، بل تتحالف معهم جماعات أمن، وتعاونهم في السيطرة على البرلمان والإعلام والجهاز الحكومي، وتلعب مع النظام على طريقة "شوف العصفورة"، وتلفت النظر عن نهبها وجرائمها بالتحريض على شباب ثوري نقي غالبا، ودفعهم إلى غياهب السجون، وبتهم غليظة من نوع التخطيط لقلب نظام الحكم، ناسية أن النظام الذي يخاف من مجرد مظاهرة سلمية لا يستحق البقاء".
واختتم عبد الحليم قنديل مقاله بالقول: "نعم، ثمة أزمة محتدمة، ولا سبيل لمعالجتها سوى برد الاعتبار للسياسة الغائبة، والبدء بإخلاء سبيل آلاف الشباب المتهمين بالتظاهر السلمي، وإعلان الحرب على الإرهابيين والنهابين معا، وإلا حقت فيكم صرخة الفاروق "عمر بن الخطاب" (رضي الله عنه)، وحلت عليكم لعنة استعباد الناس الذين ولدتهم أمهاتهم أحرارا".