كتب المعلق السياسي في صحيفة "الغارديان" سايمون تيسدال، تقريرا عن صعود شخصية
مقتدى الصدر في السياسة
العراقية، متسائلا: "من هو الصدر الذي يدير التظاهرات العراقية؟".
ويبدأ الكاتب تقريره قائلا: "من منظور أمريكي وبريطاني، فإن هزيمة
تنظيم الدولة هي الموضوع الأكثر إلحاحا، حيث فشل رئيس الوزراء حيدر العبادي وحكومته في توفير الخدمات العامة، وخلق فرص عمل، والقضاء على الإرهاب بين النخبة الحاكمة، وهو الموضوع الأهم، وفي الفجوة بين المفهوم الاستراتيجي الخارجي والواقع السياسي المحلي، دخل الزعيم الشيعي الجذاب والقائد السابق لجيش المهدي مقتدى الصدر، الذي كانت طائفيته الخبيثة ومقاومته العنيفة للاحتلال الأمريكي وراء سمعته السيئة في الغرب، وأعطته موقع البطل بين
الشيعة العراقيين في الفترة ما بين 2004 إلى 2008".
ويضيف تيسدال أن حركة الاحتجاج الشعبي التي ضربت بغداد في الأسابيع الماضية ووصلت ذروتها في نهاية الأسبوع، باقتحام البرلمان العراقي ومنطقة السفارات الآمنة المعروفة بالمنطقة الخضراء، كانت موجهة بشكل عام من الصدر، الذي "نقل عملياته من المدينة المقدسة النجف إلى العاصمة"، مشيرا إلى أن بعض التظاهرات جلبت حوالي 200 ألف محتج.
ويقول الكاتب إن "الصدر أعاد تغيير صورته، فلم يعد الزعيم المتشدد، ولا المتمرد المعادي للأمريكيين، حيث يقدم نفسه على أنه رجل الشعب، والوطني العراقي المتحمس، والفيدرالي الذي يتمسك باللعبة الديمقراطية، عبر الوسائل السلمية، فقد حل جيشه المهدي عام 2008، وفازت كتلته (الأحرار) في انتخابات عام 2014 بـ 34 مقعدا، وبعبارة أخرى، فقد تحول الصدر إلى معارض شرعي".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه بدلا من مطالبة الصدر بالإطاحة بالعبادي، فإنه يقول إنه يريد مساعدته لتطبيق الإصلاح، خاصة وقف المحاصصة الطائفية، التي قدمتها واشنطن في مرحلة ما بعد الغزو في عام 2003، حيث أكدت المحاصصة على مشاركة الطوائف الدينية والعرقية، السنة والشيعة والأكراد، في السلطة، لكنها أصبحت وسيلة للثراء وتوسيع ولاء الأحزاب.
ويستدرك تيسدال بأن "العبادي، وإن حظي بشعبية بين العراقيين، إلا أنه ضعيف، وحكومته، التي تعاني من انقسامات، أضعف منه، فالمناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة في عام 2014، ونظرة الاحتقار التي برزت من الأكراد وعشائر الجنوب، جعلت الكثير من المعلقين يقولون إن مركز القيادة لن يبقى مسيطرا".
وتذكر الصحيفة أن "الصدر يزعم أنه مع العبادي، لكن أساليبه تقوم على تقويض سلطة رئيس الوزراء، وقد تكون لها نتائج قاتلة، كما أن رحيل العبادي سيخلق مشكلة كبيرة لواشنطن، التي استثمرت بشكل كبير من أجل الإطاحة بسلفه نوري المالكي؛ نظرا لسياساته الطائفية، حيث إن العبادي هو رجل أمريكا، وفي الأسبوع الماضي زار نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن بغداد بشكل سريع؛ لتقوية موقع العبادي، وإعادة مسار تركيز الحرب على تنظيم الدولة، لكنه على ما يبدو لم ينجح".
ويقول الكاتب إن "واشنطن وحلفاءها الغربيين يشعرون بالقلق، وهم محقون، من أن الاضطرابات التي تترافق مع التنافس الداخلي، وانخفاض المال بسبب تراجع أسعار النفط العالمي، يؤثران في هدفهم الرئيسي، وهو هزيمة تنظيم الدولة، وهناك تقارير عن استدعاء فرق للجيش من الجبهات للمساعدة بتوفير الأمن في العاصمة، وهي الفرق التي كان من المفترض أن تقوم بالتحضير لاستعادة مدينة الموصل".
ويلفت التقرير إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تحدث بنبرة متفائلة الأسبوع الماضي، عن التحضيرات لاستعادة الموصل في نهاية العام الحالي، مشيرا إلى أن هذا زعم يظهر انفصام واشنطن عن الواقع، حيث إنه بعيدا عن تحضيرات الهجوم، فإن الجيش العراقي يعاني من نقص موارد، ومن تسرب في جنوده، وانخفاض في معنوياته.
وتفيد الصحيفة بأن الصدر له دور في محاربة تنظيم الدولة، حيث قامت مجموعاته، التي تعرف بسرايا السلام، بقتال تنظيم الدولة إلى جانب قوات الجيش والحشد الشعبي، لافتة إلى أن الصدر يستخدم هذه المليشيات لحماية المقدسات الشيعية.
ويرى تيسدال أن "صعود الصدر من جديد، بصفته شخصية وطنية مؤثرة، يمكن أن يعطي فوائد لواشنطن، فرغم ثلاث سنوات في المنفى الاختياري في إيران، إلا أن مواقفه الوطنية الجديدة تجعله حاجزا محتملا للتأثير الإيراني في العراق، وهو الدور الذي تزايد بعد خروج القوات الأمريكية عام 2011".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن "الصدر يتمتع بدعم على مستوى القاعدة الشعبية، أكثر من أي سياسي عراقي، وهذا لا يشمل السنّة، الذين سيواصلون رفضهم لسيطرة الشيعة، ومن هنا فإنه لو تمت الإطاحة بالعبادي، فليس أمامهم وواشنطن إلا التعامل مع شخصية وصفت في السابق بأنها (أخطر رجل في العراق)".