حذر نائب رئيس وزراء حكومة إقليم
كردستان قباد طالباني، من الخطر المصيري الذي يواجه الإقليم، وهو ليس
تنظيم الدولة، بل المتاعب
الاقتصادية، فقد تم وقف تقدم التنظيم نحو المدن في شمال
العراق بمساعدة من مقاتلي البيشمركة، والدعم العسكري من قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
ويرى الباحث في مدرسة لندن للاقتصاد رانج علاء الدين في تقرير نشره موقع "ديلي بيست" أنه في حال عدم تحسن الأوضاع الاقتصادية فسيكون تنظيم الدولة من أهون المشكلات التي تواجه الإقليم، مؤكدا أن المشكلة خطيرة، وعادة ما لا يلتفت الكثيرون إلى وجود أعداد من
الأكراد الهاربين بين المهاجرين الاقتصاديين المتوجهين إلى أوروبا.
ويورد الموقع أنه في مقابلة مع طالباني في مكتبه في السليمانية، شرح التحديات الكبيرة التي تواجه الإقليم، وقال طالباني، الذي يشرف على خطة إصلاحات اقتصادية، إن الحكومة واجهت منذ بداية 2014 "تسوناميا اقتصاديا"، جاء على شكل أربع موجات؛ حيث جاءت الأولى منها في شباط/ فبراير 2014 عندما تنازعت الحكومة في بغداد مع الأكراد حول عدد من القضايا، واتخذت قرارا من طرف واحد، وخفضت حصة الإقليم من الميزانية الفدرالية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هذا تبعه ظهور تنظيم الدولة ودخوله إلى العراق في حزيران/ يونيو 2014، ما أدى إلى زيادة النفقات الأمنية والعسكرية، وجاءت بعد ذلك موجة ثالثة على شكل تدفق ضخم لمليونين من المهاجرين الذين هجروا داخليا إلى كردستان العراق.
ويبين الكاتب أن الموجة الأخيرة جاءت على شكل تراجع في أسعار النفط التي بدأت بالانخفاض منتصف عام 2014، مشيرا إلى أن حكومة كردستان لم تحضر لها بشكل جيد خلال فترة الازدهار ما بين 2006 إلى 2014، عندما كان سعر برميل النفط حوالي 100 دولار.
ويقول علاء الدين إنه "حتى يتحقق الإصلاح فإن على الحكومة مواجهة العجز الشهري في الميزانية، الذي يصل إلى 406 ملايين دولار، وعانى موظفو الحكومة من قطع في الرواتب، حيث يحصل الموظفون المدنيون على رواتبهم مرة كل خمسة أشهر، أما العاملون في الخدمات الأمنية فيحصلون على رواتبهم مرة كل أربعة أشهر، وحذر مسؤول أمني له علاقة بملف محاربة تنظيم الدولة لتجنيد العملاء في العمليات السرية من تأثير الأزمة الاقتصادية على الزخم الناجح الذي تم تحقيقه ضد تنظيم الدولة".
ويضيف الكاتب أن "الأزمة ربما كانت أقل حدة، كما يعترف عدد من المحللين، فقد اعتمد الحزبان الحاكمان في الإقليم، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، نظاما من الرعاية، يضم من بين أشياء على توفير وظائف غير ضرورية مقابل الحصول على الدعم السياسي، وترك هذا النظام القائم على خلق فرص عمل في مدرسة قرية أو مستشفى أو زيادة حراس أثره المدمر على الاقتصاد".
ويلفت الموقع إلى أن حكومة إقليم كردستان دفعت رواتب الموظفين "الوهميين"، حيث تقوم دائرة في الحكومة بتقديم قائمة موظفين يعملون لديها لتضخيم حجم الميزانية المخصصة لها، مشيرا إلى أنه من بين 5.4 ملايين نسمة يعيشون في الإقليم، فإن هناك 1.4 مليون شخص يتلقون رواتبهم من الحكومة المحلية، و"هي فاتورة ضخمة يصعب الحفاظ عليها، حيث وصلت فاتورة الرواتب العام الماضي إلى 795 مليون دولار"، وبالإضافة إلى هذا فإن حكومة الإقليم قدمت دعما للوقود واعتمدت على الديزل ذي الكلفة العالية لتوليد الطاقة الكهربائية.
ويتساءل علاء الدين عما يجب عمله للتغلب على هذا الوضع، ويقول إن "حكومة الإقليم لا تتمتع بمزايا لتكون دولة كاملة تتمكن مثل بقية الدول من اتباع سياسات لإصلاح الاقتصاد، وليس لدى الحكومة سجل في الدين، ولا تستطيع في هذه الحالة الاقتراض، وأكثر من هذا فلن تأتي أي مؤسسة دولية لإخراجها من ورطتها المالية، وتقدم لها حزمة من المساعدات الاقتصادية التي نفعت اقتصاديات دول أخرى مثل اليونان، وما يمكن لحكومة الإقليم فعله هو الاعتماد على إدارة الميزانية والإصلاح الاقتصادي".
ويجد التقرير أن ما يسهم بالضائقة المالية الحالية هو عدم دفع الضرائب، حيث إن هناك نسبة قليلة من السكان تدفع الضريبة، مقترحا البدء بجمع الضرائب بدلا من زيادتها من أجل التعويض عن نقص الموارد النفطية.
ويذكر الموقع أن الرواتب التي يتلقاها الموظفون المدنيون تأثرت بشكل واضح، حيث خفضت رواتب أصحاب الدرجات الدنيا بنسبة 15% والوظائف البارزة بنسبة 75%، لافتا إلى أنه بعيدا عن خفض الرواتب أو تجميدها، فقد تم خفض الدعم على الوقود والتحول التدريجي من استخدام الديزل في مولدات الطاقة إلى الغاز الطبيعي، وبدأت الحكومة بالتعاقد مع شركات خاصة لإدارة مولدات الطاقة.
وينوه الكاتب إلى أنه نتيجة لهذه الإجراءات، فقد تم تخفيض فاتورة الرواتب بحلول كانون الثاني/ يناير العام الحالي بنسبة 39%، أي إلى حوالي 480 مليون دولار في الشهر، حيث تم التخلص من عجز الميزانية، بحسب طالباني، إلى 108.4 ملايين دولار.
ويقول علاء الدين إنه "من الصعب تصور استمرار تأخر رواتب الموظفين في دول من العالم، ولو حدث هذا في بغداد لأدى إلى غضب شعبي وربما انهارت الحكومة، وفي العاصمة العراقية تواجه الحكومة تظاهرات تطالب الدولة بتحسين الخدمات وخلق الوظائف، وقد قاد التظاهرات الزعيم الشيعي المتشدد مقتدى الصدر، الذي هدد بمواجهة مع الحكومة حتى تتحسن الخدمات".
ويعتقد الكاتب أن منطقة كردستان تبدو مستقرة، ويتحمل سكانها المتاعب الاقتصادية؛ نظرا لعقود من الاضطهاد والحروب والذاكرة الجمعية والتاريخ، حيث أدت الإصلاحات الاقتصادية إلى تفاؤل حذر خفف من المخاوف والتوتر.
وبحسب الموقع، فإنه لا يزال أمام حكومة إقليم كردستان طريق طويل لتحقيق المعافاة الاقتصادية الكاملة، حيث كانت الأزمة بما يشبه صيحة تحذير من أجل القيام بحزمة من الإصلاحات.
ويرى علاء الدين أن هناك الكثير الذي يمكن للغرب عمله لمساعدة كردستان، التي تشترك مع تنظيم الدولة بحدود طولها ألف كيلومتر، ويرى أن حرب البيشمركة ضد تنظيم الدولة هي حرب المجتمع الدولي، مشيرا إلى أن وضع الاقتصاد في الإقليم سيترك أثره المباشر على المصالح الوطنية للدول الغربية.
ويخلص الكاتب إلى أن هذا الوضع يقتضي من الدول الغربية التفكير بحزمة مساعدات لتعزيز استقرار الاقتصاد في الإقليم بشكل يساعده على القتال والازدهار في الوقت ذاته، ويجب ألا يكون هذا على حساب الإصلاح، كما فعلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من قبل، فيجب أن تكون المساعدات مشروطة، وسيؤدي هذا إلى تحفيز النمو الاقتصادي ويمنح كردستان الوضع الملائم كي تحتفظ بالنمو والاستقرار على المدى البعيد".