شن
محمد علي إبراهيم، رئيس تحرير صحيفة "الجمهورية" (الحكومية) الأسبق في زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأحد أذرعه الإعلامية قبل ثورة 25 يناير؛ هجوما كاسحا على رئيس الانقلاب، عبدالفتاح السيسي، وردَّ على وصفه لمصر بأنها حاليا "شبه دولة" بالقول: "إذا كنا شبه دولة فأنت السبب".
واعتبر إبراهيم هذه المقولة من السيسي بمثابة "اعتراف خطير من رئيس دولة لم يجرؤ جمال عبدالناصر أن يقول مثله، ومصر مهزومة في حزيران/ يونيو 1967"، مؤكدا أن اقتحام نقابة الصحفيين جاء للتغطية على "الإخراج السيئ" لملف تيران وصنافير، متهما السيسي بأنه عندما يغضب يفقد تركيزه ويقول كلاما متناقضا.
ووصف "إبراهيم" السيسي، أيضا، بأنه يشعر بأن الشعب
المصري "نمرود قليل الصبر"، ويريد أن يسبح الجميع بحمده بعد أن أنقذ المصريين من مصير سوريا والعراق، قائلا له: "استهنت بشعب تحمَّل رفع أسعار الغذاء والخدمات وتدهور التعليم والعلاج، حتى أصبحت أحيانا تتكلم مثل الذين حكمونا بأمر الله".
وواجه إبراهيم "السيسي" بأن مصر "شبه دولة في عهده" لأنه "ترك إثيوبيا تتلاعب بنا كيفما شاء لها الهوى، وتبني سدها رغما عن إرادة أكبر دولة أفريقية بسبب الروح الانهزامية"، مشددا على أن السيسي "لا شرطة أصلح، ولا دينا جدد، ولا فكرا حمى، ولا محليات طهر، فيما المرور يتدهور"، على حد وصفه.
وسخر "كاتب مبارك" من السيسي بالقول إنه "أهدانا برلمانا بلا معارضة ويسبح بحمده، فعلى الأقل اسمح بمعارضة موازية في الصحافة والإعلام حتى نصبح دولة، ولا تفرق بين مصريين "مواطنين شرفاء"، وآخرين ألصقتم بهم العمالة والارتزاق والخيانة والتمويل الأجنبي".
جاء ذلك في مقال نشره بجريدة "المصري اليوم"، الإثنين، تحت عنوان: "يا ريس.. من الذي حولنا لـ "شبه دولة"؟".
وعُرف "محمد علي إبراهيم" في أيام مبارك بهجومه الشديد على معارضيه، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، ومحمد البرادعي، عبر عمود كان يوقعه باسم "المصري"، على الصفحة الأخيرة من "الجمهورية"، التي رأس تحريرها قبل ثورة 25 يناير.
اتهام خطير لمصر من رئيسها
وفي بداية مقاله، المشار إليه، قال محمد علي إبراهيم: "فاجأني الرئيس عبدالفتاح السيسي يوم 5 أيار/ مايو بقوله: "إن مصر يجب أن تكون دولة حقيقية لأنها حاليا (شبه دولة)".
ووصف إبراهيم ذلك بأنه "اتهام خطير لمصر من رئيسها، برغم أنه في يوم 16 آذار/ مارس 2016، أي قبل 50 يوما، أعلن أن مصر دولة قوية وقوة إقليمية تدافع ولا تعتدي، والعالم كله ينظر إلينا باحترام".
واستدرك "كان هذا الكلام أثناء حضوره تدريبات "ذات الصواري" البحرية في الإسكندرية".
ولاحظ إبراهيم أن السيسي "عندما يغضب ينسى.. يفقد تركيزه.. تتداخل خطاباته السابقة مع اللاحقة، فلا تعرف إلى أيها تستند.. ومن أيها نستخلص الدروس".
وأردف "المهم أنه في نفس خطاب 5 أيار/ مايو قال إن مسؤولا أجنبيا كبيرا أبدى إعجابه بإدارة الأمور في بلادنا.. وأصبحنا دولة قانون، ومؤسسات يحترمها العالم".
وهنا تساءل "ما هذا التناقض.. كيف تكون مصر دولة يحترمها العالم كما يقول الإعلام الحكومي، والرئيس نفسه في زياراته الخارجية ثم يخاطب شعبه قائلا إننا "شبه دولة"؟".
وتابع "عفوا أصدقك إزاي يا ريس.. هل أصدقك وأنت غاضب أم وأنت راض".
وشدد على أن "هذا اعتراف خطير يصدر لأول مرة في التاريخ من رئيس.. لم يقلها تشرشل وشعبه في الملاجئ أيام الحرب العالمية الثانية.. أو يتفوه بها الرئيس روزفلت واليابان تدك الأسطول الأمريكي في بيرل هاربور.. ولم يتجرأ عبدالناصر، وهو مهزوم أن يقولها عن مصر التي أصبحت تحت الاحتلال عام 1967".
وعلق: "إذا كنا شبه دولة.. فعفوا أنت السبب".
لماذا أنت السبب؟
ورأى "محمد علي إبراهيم" أن السيسي "غاضب من المصريين.. يشعر أننا شعب نمرود قليل الصبر، لا نُسبح بحمده بعد أن أنقذنا من مصير سوريا والعراق"، مضيفا: "ضحى جيلي في تشرين الأول/ أكتوبر 1973، لم نحصل على شقق وامتيازات وبدلات وقصور، كنا نثق في الله وفي مصر".
وخاطب "السيسي" قائلا: "عندما تكون غاضبا يصبح وقع كلامك غليظا. عصاك التي تعايرنا بها دائما بأنك حمتنا من مصير سوريا والعراق مردود عليها أن هذا واجبك، لا تتفضل علينا فنحن الذين فوضناك وانتخبناك، وإذا كنت ترى أننا غير جديرين بك تخلص منا".
وتابع مخاطبته للسيسي: "وزير خارجيتك سامح شكري صرح مؤخرا بأن سد النهضة أصبح واقعا، وأنه "حيتبني حيتبني"، وعلينا أن نبحث تقليل آثاره.. نعم مصر شبه دولة في عهدك لأنكم تركتم إثيوبيا تتلاعب بنا كيفما شاء لها الهوى، وتبني سدها رغما عن إرادة أكبر دولة أفريقية بسبب الروح الانهزامية".
وواصل إبراهيم حديثه: "تصريحات حكومتك، وأحيانا سيادتك تؤكد أننا في أيدي "هواة" سياسة، ومسؤولين تحت التمرين، نعمل إيه. إثيوبيا ستدير السد وحدها، وترفض الآن أي تغييرات في مواصفاته أو تخزينه، من الذي حولنا لشبه دولة؟".
وحذر إبراهيم من مصيبة أخرى "هي السياسة التي اتبعتها وزارة الزراعة مع الفلاحين في محصول القمح. أصبحت أجولة القمح مكدسة في بيوت الفلاحين لا تجد من يشتريها، توريد القمح أصبح رحلة عذاب".
وقال "نهنئك على مشروع الفرافرة، وننبهك إلى أن الفلاحين لن يزرعوا قمحا مرة أخرى فقد "اتخربت" بيوتهم هذا العام. الأسعار انخفضت، والمحصول في الشوارع، الصوامع معظمها تالف، أو مغلق، وقانون الحيازة الزراعية الجديد تسبب في تكدس الأجولة في المنازل".
تعدد مراكز القوى
والأمر هكذا قال الكاتب: "إذا كانت مصر شبه دولة فهناك عدة أسباب منها مثلا تعدد مراكز القوى حول الرئيس، بعضها يدخل في صراع مع البعض الآخر، وهذا يسيء للرئيس إذا كان لا يعلم، أما إذا كان يعلم فتلك المصيبة الكبرى".
وتابع: "هذا الصراع ليس لصالح الوطن، لكنه تنافس على أيهما يستطيع قمع أي معارضة، وأحيانا يتجاوز الأمر إلى فضيحة. اقتحام نقابة الصحفيين كان يمكن أن يتم القبض على الزميلين بهدوء، وبألف طريقة، والوقائع السابقة كثيرة".
واستطرد: "إن ما حدث في النقابة أفقد النظام أقلاما محترمة، ووضعها في موقف محرج، فإما أن تنحاز للنظام فتخسر زملاءها أو تنحاز للزملاء فتفقد النظام".
وأشار إلى أن "هناك استنتاجا آخر هو أن أزمة اقتحام نقابة الصحفيين ربما تكون مقصودة ومدبرة للتغطية على الإخراج السيئ جدا سياسيا وإعلاميا وحكوميا بخصوص مشكلة تبعية جزيرتي تيران وصنافير".
واستدرك: "هنا أقول لك: معك حق فالدولة التي لا تعرف إدارة الأزمات باحتراف وبهدوء، وليس بالتهديد والوعيد هي شبه دولة".
وتابع: "الدولة التي يطالب رئيسها شعبه بألا يسمع كلام أحد غيره هي شبه دولة".
ووصف "إبراهيم" مصر بأنها "عمرها 7 آلاف عام، أنجبت العظماء والقادة والمبدعين والفنانين والشعراء، وبالتالي لا يمكن أن تلغي عقلها بالأمر. الاختلاف طبيعة بشرية يقول المولى عز وجل في كتابه: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا". البشر اختلفوا على الأنبياء فلماذا لا نختلف مع الرؤساء؟" وفق تساؤله.
واستطرد "محمد علي إبراهيم": "لقد كتبت قبل ذلك ناصحا لك بعدم الارتجال، فإغراء الارتجال يُسيء لمقام الرجال. اللسان إذا انطلق يصبح جوادا بلا لجام خصوصا في ساعات الغضب".
وأضاف: "قلت لنا إنك طبيب يعالج كل الأمراض، ومن ثم عليك أن تطبق القواعد الطبية. أساتذة الطب الكبار يقولون: شكوى المريض يجب أن تحترم، ومن ثم يغيرون له العلاج، ويعقدون "كونسلتو" لتدارس حالته، لكن أنت لا تسمع شكوانا، زهقت من أمراضنا بعدما يقرب من عامين".
وتابع "إبراهيم" مقاله: "عبقرية الشعوب في التنوع والاختلاف والتعددية، وليس بالصوت الواحد. ورغم أنك الفيلسوف الذي يشيد به العالم، إلا أن واقعنا كما هو، فلا شرطة أصلحت، لا دينا جددت، ولا فكرا حميت، لا محليات طهرت، المرور يتدهور".
واستطرد: "الأخطر أنك استهنت بشعب تحمَّل رفع أسعار الغذاء والخدمات وتدهور التعليم والعلاج. للأسف أصبحت أحيانا تتكلم مثل الذين حكمونا بأمر الله".
واختتم "كاتب مبارك" مقاله بالقول: "أهدانا الرئيس برلمانا بلا معارضة ويسبح بحمد الرئيس، فعلى الأقل اسمح بمعارضة موازية في الصحافة والإعلام حتى نصبح دولة، وأرجوك تخل عن الارتجال، ولا تفرق بين مصريين "مواطنين شرفاء"، وآخرين ألصقتم بهم العمالة والارتزاق والخيانة والتمويل الأجنبي، وإذا كانوا لذلك فلماذا لا تحاكموهم".