أكدت شهادات عدد من التجار، بجانب قرائن وأدلة عدة، أن الحريق الذي شهده شارع الرويعي بمنطقة العتبة، أكبر أسواق تجارة الجملة بمصر، صباح الاثنين كان مدبرا ومتعمدا وبفعل فاعل، وأنه ليس نتيجة تماس كهربائي، أو أنه نتيجة الإهمال الحكومي فقط.
وبحسب عدد من الشهود فان الغرض من افتعال الحريق الكبير المشار اليه هو إخلاء المنطقة لصالح بعض رجال الأعمال، ولأهداف لدى السلطة.
واستمر الحريق على فترات متقطعة بالمنطقة التي تعتبر أكثر مناطق
القاهرة ازدحاما، حتى مساء الاثنين، وأطلقت عليه صحف وصف "جحيم"، وأكد كثيرون أن الجهة المستفيدة منه ليس تجار المنطقة، الذين تكبدوا خسائر فادحة، ولا المواطنون، الذين تمثل ملاذا لهم للعثور على بضائع رخيصة.
ووجه عدد من النشطاء أصابع الاتهام صراحة إلى نظام حكم رئيس الانقلاب، عبد الفتاح
السيسي، مشيرين إلى خروج دراسات حكومية، بمجرد اندلاع الحريق، لنقل سوق الرويعي والأسواق المجاورة، إلى أماكن أخرى بديلة، وهو ما كشف عنه نائب محافظ القاهرة للمنطقتين الغربية والشمالية، اللواء محمد أيمن عبدالتواب.
وعلى الرغم من امتداد ألسنة اللهب إلى عدد كبير من الأبنية والمحال التجارية بالمنطقة إلا أن القوات المسلحة لم تتدخل لإطفاء الحريق سوى في مرحلة متأخرة منه، برغم تحول المنطقة إلى كرة لهب، وانتقال النيران من مبنى لآخر، بشكل متسارع، الأمر الذي أثار غضب التجار، وحنق المواطنين، وتساؤلات الجميع.
وكانت
مصر أرسلت طائرات حربية للمساعدة في إطفاء حرائق جبل الكرمل في تل أبيب بالكيان الصهيوني في عام 2010، بدون طلب إسرائيلي، في حين رفضت الحكومة المصرية أن ترسل الطائرات نفسها لإطفاء حريق العتبة.
وعلى الرغم من أن المركز الرئيس للمطافيء، للقاهرة كلها، يتمركز في العتبة فقد فشلت أكثر من 30 سيارة مطافئ في التعامل مع الحريق الذي أكل الأخضر واليابس بمنطقة الرويعي، إذ اشتعلت النار في فندق بالكامل، والعمارات، والمحلات المجاورة، علما بأنها ليست المرة الأولى التي يشتعل فيها حريق بالمنطقة.
ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر أمنية قولها إن المعمل الجنائي أشار في تقريره المبدئي إلى أنه تم العثور على مواد مسرعة للاشتعال في مركز اشتعال الحريق الأول، ما يدل على أن الحريق قد يكون متعمدا، وأنه تم بفعل فاعل، وفق مراقبين.
واستمر الحريق قرابة 12 ساعة، وأسفر عن مصرع ثلاثة مواطنين، وإصابة نحو 91 شخصا باختناقات، من الأهالي والمسعفين وعناصر الإطفاء المدني، وخسائر مبدئية قدرها نائب رئيس الغرفة التجارية، علي شكري، بقرابة 400 مليون جنيه، وقد تصل إلى مليار جنيه، وفق تصريحاته.
ووصف "علي" الخسائر بأنها "كارثية"، نتيجة تفحم محتويات 238 محلا، ومخزنا، وورشة، فيما أتت النيران على أربعة مبان، أحدها يحوي فندقا، والبقية عبارة عن مخازن مواد بلاستيكية، وأقمشة، ومواد كيميائية، مع احتمال تصدع بعض الأبنية.
وأرجعت قوات الحماية المدنية إخفاقها في إطفاء النيران سريعا؛ إلى ضيق الشوارع المؤدية إلى المنطقة المحترقة، فيما تفقد رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، المنطقة.
ولم تحدد التحريات الأولية ما إذا كان سبب الحريق جنائيا من عدمه، فيما زعمت مصادر أمنية أن سببه ماس كهربائي أمسك بتلابيب مجموعة أخشاب، بينما رجحت معاينة نيابة حوادث وسط القاهرة أن سببه التوصيلات الكهربائية للباعة الجائلين من أعمدة الإنارة.
أصحاب المحال: الحريق متعمد
لكن عددا كبيرا من أصحاب المحلات قالوا إن الحريق تم بفعل فاعل، وإنه متعمد، ووراءه مؤامرة كبرى.
وأكد أحمد علي، أحد أصحاب المحال المتضررين، أن النيران اشتعلت في مناطق متفرقة، في توقيت واحد، مضيفا: "استحالة دي تكون حريقة عادية.. العوض على الله، ولا نريد شيئا من أحد".
وأضاف شريف محمد، أحد أصحاب المحلات المتضررين، في برنامج "90 دقيقة"، عبر فضائية "المحور"، أن الحادث تم بفعل فاعل، قائلا: "شاهدنا 6 أفراد يرمون بودرة سريعة الاشتعال على المحلات لتزيد النيران اشتعالا".
وأشار إلى أن هذه البودرة تسببت في إحراق المنطقة بأكملها في وقت قصير جدا، وأن النيران عاودت الاشتعال مجددا بفعل هذه المادة".
وقال متضرر ثالث من الحريق: "اللي حصل مدبر، وهدفه قطع عيش الغلابة".
وتساءل: "الحريق وقع يوم أحد، ويوم إجازة.. إشمعنى هذا اليوم، وإشمعنى الساعة 12 ليلا".
وأكد أنه "ما فيش بياع هيولع في بضاعته"، وأضاف أن الحريق معمول علشان الباعة تمشي من المنطقة"، متسائلا: "فين العدالة الاجتماعية يا سيسي؟".
وقال شاهد عيان: "الدنيا ولعت في ساعتين"..
وأكد بائع آخر أن الشباب هم أكثر المتضررين من الحريق.
النشطاء يشككون ويتبادلون المذكرات
من جهتهم شكك نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في الحريق، ملمحين إلى أن الجهة التي تقف وراءه قد تكون نظام السيسي نفسه، بهدف إخلاء المنطقة، لصالح رجال أعمال، وكي ينال منها "أرزا" (مالا) محليا، وحتى لا تهدد كثافتها نظام حكمه أيضا، ولأسباب أخرى عدة.
وتبادل نشطاء ما ذكره عضو مجلس قيادة الثورة، خالد محيي الدين، في مذكراته، على لسان جمال عبدالناصر من أنه هو الذي دبر الانفجارات الستة التي حدثت في الجامعة وجروبي ومخزن الصحافة بمحطة سكة حديد القاهرة عام 1954، بهدف إثارة مخاوف الناس من الديمقراطية، وللإيحاء بأن الأمن سيهتز، وأن الفوضى ستسود، إذا مضوا في طريق الديمقراطية.
وأورد النشطاء تعليق الدكتور مصطفى محمود على ذلك بقوله إن عبدالناصر كان يدير شؤون مصر، ويفجر القنابل، وينظم الإضرابات، ثم يبحث عن متهمين وهميين، يعلق في رقابهم الاتهامات والشبهات.
وبحسب قوله: "تلك كانت حالنا أيام حكم العسكر".
ونقل آخرون عن الرئيس الراحل محمد نجيب قوله في مذكراته إنه وقعت ستة انفجارات في أماكن متفرقة، منها السكة الحديد والجامعة و"غروبي"، ولم يقبض على الفاعل، مشيرا إلى اعتراف عبد اللطيف البغدادي في مذكراته بأن تلك التفجيرات كانت بتدبير من جمال عبدالناصر، لإثبات أن الأمن غير مستقر، وأنه لا بد من العودة بالبلاد إلى الحالة غير العادية.
والأمر هكذا، قال أحد النشطاء ساخرا: "كم هو رحيم الماس الكهربائي.. حرق المحلات يوم أحد.. علشان إجازة".
وسخر آخر من قرار محافظ القاهرة بصرف تعويض 50% بحد أقصى 5 آلاف جنيه للمتضررين، قائلا: "اعتبرهم مكسيكيين"، وذلك في إشارة إلى عقد الحكومة صفقة مع ذوي وأهالي السياح المكسيكيين، الذي قتلوا أو أصيبوا بالخطأ في غارة جوية للجيش المصري، تدفع فيها الحكومة مئات الآلاف من الدولارات كتعويضات.