نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافي مهدي حسن، تحدث فيه عن انتخاب المرشح المسلم صادق
خان عمدة للندن.
ويبدأ الكاتب تقريره بوصف الحالة يوم الانتخابات في 5 أيار/ مايو، حيث قال: "بينما كانت تعد الأصوات في 5 أيار/ مايو كان كل مسلم أعرفه تقريبا يفكر في شيء واحد: هل يستطيع صادق خان أن ينجح؟".
ويشير التقرير إلى أن خان، وهو ابن مهاجرين من باكستان، نجح في أن ينتخب ليكون أول عمدة مسلم في عاصمة غربية بأكثر من 1.3 مليون صوت، فيما أطلق على النتيجة أكبر تفويض في تاريخ السياسة في
بريطانيا، حيث قد استطاع خان، وهو مرشح حزب العمال، الفوز، حتى بعد قيام منافسه من حزب المحافظين زاك غولدسميث بمحاولة لتشوبه صورة خان واصفا إياه بـ "المتطرف"، ومتهما إياه بإعطاء الأكسجين للمتطرفين.
ويعلق حسن قائلا: "لقد جن جنون المتخوفين من الإسلام، وشجبوا أسلمة بريطانيا، لكن بالرغم من كل شيء، فإن عمدة
لندن الجديد هو جزء من توجه جديد مشجع، وهو الأخير في سلسة من المسلمين الملتزمين في بريطانيا، الذين نالوا إعجاب الجماهير، حيث إنه في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي قام 14.5 مليون بريطاني بمشاهدة نادية حسين المحجبة، ابنة نادل من بنغلاديش، التي تم اختيارها بطلة برنامج التلفزيون (ذي غريت برتيش بيك أوف)، وفي شهر نيسان/ أيلول، تم تكريم لاعب كرة القدم الفرنسي من أب جزائري وأم مغربية رياض محرز، الذي حصل على لقب وجائزة لاعب العام لاتحاد محترفي كرة القدم، بعد أن أحرز 17 هدفا لنادي لستر سيتي، الذي فاز في بطولة الدوري الممتاز".
ويضيف الكاتب: "لو كنا نعيش في عالم مثالي لما كان لديانة شخص مشارك في برنامج طبخ على التلفزيون، أو حتى سياسي كبير، أهمية، لكن بسبب أن عالمنا أبعد ما يكون عن المثالية، ويعاني من الإسلامفوبيا فإن ديانة الشخص تصبح مهمة، الصحف البريطانية مليئة بالعناوين السلبية حول المسلمين من (مصادقة الأطفال لأجل الجنس عند المسلمين) إلى (ارتفاع معدل الولادة بين المسلمين)، وقد قام الرئيس السابق للجنة المساواة وحقوق الإنسان تريفور فيليبس بداية هذا العام باتهام المسلمين بأنهم (أصبحوا مجتمعا داخل مجتمع)".
ويتابع حسن قائلا: "من الأصعب فعل ذلك الآن، فقد بدأ التحول في النقاش المسمم حول الإسلام والاندماج والتعددية الثقافية، وكما قال خان لمجلة (تايم) إن افضل طريقة لمكافحة التطرف هي أن (تقول للشباب، يمكنك أن تكون بريطانيا ومسلما وناجحا .. وأن تشير إلى شخصيات بريطانية ناجحة لتكون قدوة) مثل زين مالك (مغن) ومو فرح (حائز على الميدالية الذهبية في سباق الجري)، ولا شك أن خان بنجاحه أصبح مثالا للمسلم الناجح في بريطانيا".
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن فوز خان كان توبيخا للمتاجرين بالتمييز، حيث إنه مسلم يصلي ويصوم وقد ذهب للحج، لكنه لا يرى تناقضا بين ذلك وكونه ليبراليا، فقد صوت في البرلمان، وبالرغم من تهديدات المتطرفين له بالقتل، لصالح زواج المثليين، وقام بالضغط لمنع إغلاق حانة في المنطقة التي يمثلها، وأخذ على نفسه أن يكون عمدة يدافع عن حقوق النساء، وكان أول ظهور له بعد الانتخابات في نشاط لإحياء ذكرى الهولوكوست.
ويعلق الكاتب: "صحيح أن لندن فيها تباين كثير، من حيث خلفية السكان، ويجد المهاجر فيها صدق وراحة، ويعيش فيها 4 من كل 10 مسلمين يعيشون في بريطانيا، لكن حتى خارج لندن كان لنموذج التسامح البريطاني القائم على تعدد الثقافات الأثر الأكبر في الاندماج، حتى احتضان الاختلاف الديني والعرقي أكثر من نماذج اندماج أقل تسامحا في
أوروبا".
وتلفت الصحيفة إلى أنه "في الوقت الذي أعلنت فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق نيكولاس ساركوزي عن فشل التعدد الثقافي، فإن الواقع هو أن بلديهما لم تجرباه، وكما كتب طارق مودود مؤلف كتاب (لا يزال ليس من السهل أن تكون بريطانيا): التعددية الثقافية هي (استيعاب الاختلاف سياسيا)". ويورد التقرير أنه "بالنسبة للفرنسيين، فإن الاختلاف لم يكن يوما مقبولا، وبالتأكيد ليس مستوعبا، وفي المقابل، فإن التعددية الثقافية في المفهوم البريطاني تعامل الاندماج على أنه (شارع ذو اتجاهين)، وكما اعترف بذلك رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قبل عقد تقريبا، ولم تطلب من الناس الذين يحملون هوية معينة التخلي عنها لبناء هوية وطنية".
ويقول حسن: "إذن ليس من الغريب أن تجد الاستفتاءات تقول إن المسلمين البريطانيين أكثر وطنية واعتزازا بهويتهم من مواطنيهم غير المسلمين، كما تظهر الدراسات أن الفصل الديني في بريطانيا ثابت أو في حالة تراجع".
ويستدرك الكاتب بأن "هذا لا يعني عدم وجود مشكلات، حيث إن المسلمين البريطانيين يعانون من أعلى نسب البطالة وسوء الصحة وأقل نسبة من حاملي الشهادات العلمية بين التجمعات الدينية، لكن هذا كله له علاقة بالتمييز التاريخي، وليس عدم رغبة في الاندماج، وقد توصلت دراسة عام 2013 إلى أن فرصة المسلمين الذكور في الحصول على عرض وظيفة أقل بـ 76% من المسيحيين من الفئة العمرية ذاتها ويحملون المؤهلات ذاتها، أما فرصة النساء المسلمات فهي 65% أقل من النساء المسيحيات".
ويواصل حسن إلى أن "الوضع أقل من أن يكون مثاليا، لكن هناك سببا جيدا للمسلمين البريطانيين لأن ينظروا إلى القنال الإنجليزي ويتنفسوا الصعداء، فمن الصعب تخيل العمدة خان ينتخب في برلين، ولا شابة تلبس الحجاب يتبناها مشاهدو التلفزيون الفرنسي، حيث حقق اليمين المتطرف والحزب المناهض للهجرة في ألمانيا تقدما جيدا في الانتخابات المحلية، ورئيس وزراء فرنسا يقول إن (معظم الفرنسيين يشكون) في توافق الإسلام مع المجتمع الفرنسي، ورئيس التشيك يقول إن من المستحيل إدماج المسلمين في أوروبا".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول إن "الخطورة هي أن مثل هذا الخطاب الخبيث قد يتحقق: فكلما شيطنت الإسلام والمسلمين أكثر تمت معاملة المسلمين على أنهم (هم) وليسوا (نحن)، ودفعت الناس للابتعاد عن بعضهم، إن الخوف والكراهية ليسا استراتيجية اندماج، وما قام به سكان لندن الأسبوع الماضي وبكلمات عمدتهم الجديد، فإنهم فضلوا (الأمل على الخوف والوحدة على الفرقة)، وهذا مثال يحتذى لأوروبا".