الدروس والخبرات الصعبة عادة ما تبني الأمم لتتعلم من تجاربها، وتستفيد من الأزمات التى تمر بها حتى تصلح من أخطائها وتعالجها ولا تقع في الأخطاء مرة أخرى.
وتجد الدول المتقدمة تصحح من أخطائها وترتقي حتى يشدك الإعجاب؛ كيف وصلت هذه النظم إلى هذا الرقي في التعامل مع المواطن حتى يتحصل على حقه بمنتهى الرقي، بما فيه الحفاظ على ممتلكاته وثرواته وحياته.
هذه المقدمة مهمة لإدراك ومعرفة آثار التاريخ على الاقتصاد القومي لأي دولة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية في 8 أكتوبر في عام 1871 شب حريق في أحد حظائر بيت من بيوت الأمريكان، مخصص للحيوانات، اندلع الحريق في هذه الحظيرة وجر وراءه حرق ما لايقل عن أربعة كيلو مترا مربعا، حرقت فيها ما لايقل عن 200 ألف بيت وقتل فيها 300 شخص، وخسرت المدينة ما يقارب 3 مليار دولار بالأسعار الحالية لعام 2016 فالحريق هو الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة على الإطلاق، فماذا كانت الإجراءات التي اتبعت للحيلولة دون حدوث مثل هذا الحريق مرة أخرى؟
لقد تم انتخاب عمدة جديد للمدينة بعد شهر من الحادث يدعى جوزيف مديل ( Joseph Medill (1823-99) الذي وضع قانونا لعمل إجراءات للسلامة من الحريق وخاصة للمباني المرتفعة،
وبدأ التعمير سريعا والسعى نحو تخطيط جديد للمدينة، يقوم على منع التصاق المنازل ويمنع تقديم خدمة الإطفاء من قبل الشركات، وأن تقوم الدولة أو المدينة هي بتقديمها، حتى يصل إلى الأمثلية، وما هي إلا تسع سنوات، حتى أصبحت شيكاغو أكبر مدينة في عدد السكان بعد نيويورك، بل وأصبحت شيكاغو من أكبر المدن ذات النشاط الاقتصادي في أمريكا بعد هذا الحريق المدمر، وبدأ التفكير في إنشاء أعلى برج معماري في العالم.
على الناحية الأخرى، فإني لم أندهش على الإطلاق من موقف قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، فلم يعلق ولم ينبت بكلمة في مسلسل وأفلام الحرائق المنتشرة في طول
مصر وعرضها، التي تجتاح مصر هذه الأيام، وهذه الأفلام الهابطة التي تريد أن تشغل الناس عن القضايا الكبرى.
فهل وقف المصريون لمحاسبة حتى غفير، ولا أقول رئيس حي عن الجريمة التي ارتكبت في حقهم؟ وأدت إلى ضياع ما لايقل عن 6 مليار جنيه في حريق العتبة وحده، وأجد نفسي لست في حاجة إلى تأكيد تعمد هذه النيران، فتفسير النيران لا يعنيني مَنْ وراءها، لا يعنيني على الإطلاق، من الذي افتعلها أو من حرض على فعلها، أو من تسبب بإهماله في فعلها، كل هذا لا يهمني على الإطلاق، ولا يهمني أبدا إن كانت الحكومة قد سعت إلى معالجة الأمر من عدمه، فكل نظام السيسي من ألفه إلى يائه نتائجه باتت معلومة مقدما، ففي مصر دائما ستسمع الضجيج لكنك أبدا لن ترى الطحين، بل إنني أصبحت مولعا بحقيقة تاريخية، أن هذا الشعب لم يغير ساكنا من إبان الإله الأكبر فرعون، إلى حد هذه الساعة، أما الثورات التي قامت فهي الاستثناء وليست القاعدة، هل ثار أصحاب المحلات المحروقة على ضياع ممتلكاتهم؟ هل قالوا نريد أن نقوم بتحقيق حتى نعرف السبب؟ هل الغرفة التجارية قالت لا بد من إضراب عام حتى إعادة الحق لأصحابه؟ لم يحدث ولن يحدث! هل سمع السيسي أو أحد أركانه من يقول لهم أين المحاسبة؟ بالطبع لا. هل وقف الناس أمام السيسي ليختاروا أو ليسمع رأيهم في أي مشروع من المشروعات الكبرى؟ فإذا كانت حكومة عاجزة عن إطقاء حرائق في حي صغير، فما بالك لو عملنا مفاعلا للطاقة النووية؟
لم تستطع عربات المطافي الـ 65 إنقاذ المحلات والمنطقة من الانهيار، وهذه المطافي من الحماية المدنية والجيش على مدار 14 ساعة.
إنني كنت مؤمنا بأن المصيبة في مصر هي النظام حتى سقط مبارك، فأدركت جيدا أن ازمة مصر الحقيقية في شعبها الذي امتطاه مبارك والسيسي، وهذا الشعب يريد دائما من يأت له بحقه، ودفع الإخوان المسلمون والتيارات السياسية المختلفة جزءا مهما لإدارة الصراع مع النظام نيابة عن الشعب، ظانين بأن هذا الشعب يمكن أن يعضدك ويقف بجوارك، والواقع أنك في مصر تتحدث عن أفراد وليس شعبا، فلا يوجد كتلة حرجة اسمها الشعب تستطيع أن يكون لها رؤية أو قوة يخشى جانبها، إننا في مصر في هذه الأيام نرفع شعار: احرقني شكرا.
ترى لو أنني مستثمر أريد أن أستثمر أموالي، هل الأفضل لي أن أستثمر في مثل هذا البلد، ام أذهب إلى بلد تحميني وتحمي أموالي؟