نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لأستاذ العلوم السياسية نيلز غليديتش وطالبة الدكتوراه إيدا راديلفسون، قالا فيه إن الحروب الأهلية الحديثة تجري في البلدان المسلمة، وإن معظم الضحايا هم من المسلمين، مشيرين إلى أن هذا ليس "صدام حضارات"، إنما هو
حرب داخلية في العالم الإسلامي.
ويقول الكاتبان إن "الحروب بين الدول أصبحت نادرة، وتتركز الحروب الأهلية بشكل كبير في وسط أفريقيا والقوقاز، وفي معظم البلدان في منطقة الصراع توجد أكثرية مسلمة، كما أن هناك صراعات مسلحة صغيرة تدور في حوالي 30 بلدا مختلفا موزعة على الكرة الأرضية".
ويشير التقرير إلى أنه بحسب "هيومان سيكيوريتي ربورت" والكتب التي كتبها جوشوا غولدستاين وستيفن بنكر، فإن الحروب بين البلدان وداخل البلدان قد تراجعت، إلا أن
العنف تزايد حديثا، وتحديدا في
سوريا، مستدركا بأن العنف في سوريا لم يصل إلى مستوى ما شهدته كوريا وفيتنام.
وتذكر الصحيفة أن بقية الحروب الأهلية، التي يعرفها العلماء بالصراعات المسلحة التي يذهب ضحيتها أكثر من ألف شخص في العام، تعد أقل عددا، لكنها أكثر تركيزا جغرافيا، مشيرة إلى أن عام 2012 شهد ست حروب أهلية في العالم، وكلها كانت في العالم الإسلامي: أفغانستان وباكستان والسودان والصومال وسوريا واليمن، ومن مجموعات الثوار التسع في هذه الحروب كانت هناك سبع مجموعات تحمل فكرا إسلاميا.
ويلفت الكاتبان إلى أن "عام 2012، وإن كان عاما غير عادي، فإن معظم الحروب الأهلية التي جرت في العقد الأخير حصلت في بلدان فيها أكثرية من المسلمين، وهذا أمر مستجد، فلم يكن هذا حاضرا خلال الحرب الباردة، حيث لم تكن البلدان المسلمة أكثر عرضة للحرب الأهلية من غيرها من البلدان".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه منذ سقوط جدار برلين عام 1989، تراجعت الحروب الأهلية في معظم أنحاء العالم، وبشكل أقل في العالم الإسلامي، خاصة أن كثيرا من الحروب الأهلية التي انتهت بعد انتهاء الحرب الباردة كان يغذيها الصراع بين القوتين العظميين.
وتستدرك الصحيفة بأنه "مع أن الحروب الأهلية بين المسلمين تزايدت في السنوات القليلة الماضية، إلا أن التراجع في أشكال أخرى من الصراع هو السبب الرئيسي في كون الخارطة الدولية للصراع تتأثر بشكل متزايد بالعصيان الذي يقوم به الإسلاميون وبالحروب الأهلية في العالم الإسلامي".
ويلاحظ الكاتبان أن "الهجمات ضد غير المسلمين تحظى باهتمام إعلامي غربي أكبر، إلا أن معظم حالات العصيان هي ضد حكومات في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وفي الواقع فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، فإن 90% من ضحايا الحروب الأهلية كانوا من البلدان الإسلامية، خاصة في سوريا، وكذلك في أفغانستان والعراق".
ويستدرك الكاتبان قائلين: "لو انتهت الحرب الأهلية في سوريا غدا، فإنك ستجد معظم ضحايا الحرب الأهلية من البلدان الإسلامية، حتى وإن كان المسلمون يشكلون أقل من ربع سكان العالم بقليل".
ويضيف الباحثان أن "الصورة تقريبا بالكآبة ذاتها إذا نظرنا إلى أشكال أخرى من العنف، فمنذ انتهاء الحرب الباردة نالت البلدان الإسلامية نصيبا أكبر بين الدول من الحروب والإبادة والقتل السياسي لمدنيين غير معروفين، بالإضافة إلى الصراعات بين الفصائل المختلفة، التي لا علاقة لها بالحكومة والإرهاب الحكومي وعقوبة الإعدام، كما أن البلدان ذات الأكثرية البوذية والهندية واليهودية تحظى بنصيب أكبر من أنواع مختلفة من هذا العنف، لكن هذه ديانات تشكل أكثرية في دول أقل، وصراعاتها في العادة أقل، ولذلك يكون نصيبها من العنف على المستوى العالمي أقل".
وينوه التقرير إلى أنه لكون الإسلام والمسيحية دينين تبشيريين، فإن الكثير يشعرون بأن هذا قد يؤدي إلى صراع بينهما، مستدركا بأن ما نراه هو سلسلة من الصراعات القوية داخل المنطقة الإسلامية، مع أن لها صدى في البلدان الأخرى.
ويعلق الكاتبان بالقول: "لنكن واضحين هنا: لا يعيش مسلمو العالم كلهم في بلدان تقوم فيها حرب أهلية، وفي الواقع فإن معظمهم لا يعيش كذلك، ومن بين العشر دول الأكثر سكانا مسلمين، هناك ثلاث فقط شهدت حربا أهلية عام 2014، هي باكستان ونيجيريا والعراق، (وهذه المعطيات هي آخر بيانات موجودة لعام كامل يجمعها برنامج أبسالا للصراعات)".
وتبين الصحيفة أن "الدول السبع الأخرى، بما في ذلك أندونيسيا والهند وبنغلاديش ومصر، وهي أربع من خمس دول فيها أعلى عدد سكان، لم تشهد حربا أهلية خلال عقد أو أكثر، وقد لا يخيم السلام تماما في هذه الدول، بالتأكيد شهدت بلدان، مثل الهند ومصر، نصيبها من الفوضى، التي تحولت إلى عنف أحيانا، لكن لم يكن العنف بالمستوى الحاد لكي يعرف بأنه حرب أهلية، التي تعرف بأنها صراع مسلح يذهب ضحيته أكثر من ألف في ساحات القتال في العام".
ويتساءل الكاتبان عن سبب تخلف العالم الإسلامي عن بقية العالم، خاصة أن عدد الصراعات ودمويتها في العالم قد تراجعت؟
ويجد التقرير أن "الأجوبة عن هذا السؤال كثيرة، وهذه بعضها:
أولا، تعاني معظم هذه البلدان من حدود مصطنعة، تعود إلى فترة الاستعمار، والمشكلات المتعلقة بالحدود عادة ما تأخذ فترات طويلة للحل. أما السبب المحتمل الآخر، فهو الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط؛ كونه همزة الوصل بين الشرق والغرب، وكونه غنيا بالنفط، وهو ما يدعو الدول العظمى إلى التدخل للأفضل أو للأسوأ، وعلى مدى الخمس عشرة سنة الماضية تم استبدال ديكتاتوريات مستقرة نسبيا بشبه ديمقراطيات، حيث تستمر نيران الحرب الأهلية في الاشتعال، وكان
الربيع العربي، الذي بدأ بثورات شعبية غير عنيفة، ولم ينجح في إسقاط رئيس النظام السوري بشار الأسد، ما أدى إلى الفوضى والمأساة الإنسانية التي نراها اليوم".
وبحسب الصحيفة، فإن بعض الناقدين للإسلام يقولون إنه دين طبيعته أكثر عنفا من الديانات الأخرى، مستدركة بأن الأديان كلها فيها عناصر عنف وعناصر سلام، وتشير إلى أن الذي يختلف بحسب الوقت هو كيف وعلى أي جانب من الرسالة يركز الأشخاص المهمون سياسيا ودينيا.
ويفيد الكاتبان بأن العديد من المراقبين يلاحظون أن البلدان الإسلامية لا تحرز الكثير من الدرجات في مجال التطور السياسي، وتحديدا وضع المرأة، بالإضافة إلى أن
الدول المسلمة، باستثناء الثروة النفطية، لا تحقق نتائج جيدة في مجال الاقتصاد والتطور الاجتماعي أيضا، حيث أظهرت عدة دراسات أنه بعد تصحيح هذه العوامل، فإن الدول الإسلامية ليست أكثر عنفا من أي بلد آخر.
ويتساءل الباحثان: "لكن هل نستطيع الأخذ بعين الاعتبار عاملا قد يكون جزءا من التفسير؟ إن كان الدين يؤثر على التطور، فلن نستطيع السيطرة على مستوى التطور في أي تحليل لآثار الدين، وتصبح أحجية البحث كيف تقيم الأثر الصافي للدين على التطور والعنف؟".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالقول: "مهما كانت الأسباب، فإنه من المفيد الأخذ بعين الاعتبار أنه في الوقت الذي يوجد فيه خوف غير مبرر من الإرهاب الإسلامي في أوروبا، فإن غالبية الإرهابيين وجدوا معظم ضحاياهم في أوطانهم، لهذا فإن العنف الذي يؤرق دولا إسلامية كثيرة يستحق اهتماما سياسيا".