كتب عدنان أبو هليل: اقترب منه بيل كلينتون وهمس في أذنه، قائلا: أرى فيك زعيما مستقبليا لشعبك، وفي قمة "شرم الشيخ " في العام 2003م، طلبه بوش الابن باسمه ليصافحه.. ما يعكس حجم المكانة التي يتمتع بها لدى الإدارة الأمريكية، وجعله لا يرى نفسه إلا الرجل الأول، ثم انتهى به المطاف مطرودا من كل مؤسسات فتح والمنظمة، وها هي إسرائيل ثم أذنابها في المنطقة يحاولون اليوم استعادته للقيادة وتنويبه لعباس.. إنه "محمد دحلان".
فمن محمد دحلان؟ وكيف برز نجمه؟ ولماذا طرد من فتح؟ ولماذا يحاولون إحياء رميم عظامه الآن؟ ولماذا الآن تحديدا؟ ثم هل له من فرصة حقيقية؟ وأقول:
أما من دحلان؟ فهو شخص إشكالي في الشعب الفلسطيني، تقول سيرته إنه نرجسي متخبط يغرق في اللحظة، وينسى المقايسات الكبيرة، وتقول التجربة إنه يتخذ الخط العدائي لحريات الشعوب، ويرفض كل رؤية إصلاحية، أما العلاقات الخارجية فهو يصوغها من دون أبعاد سياسية استراتيجية تقلل نقاط الضعف وتحافظ على نقاط القوة، وهو من النوع الذي يفتعل الأزمات ليصنع لنفسه دوْرا، ولا يتردد في الإخلال بقيم الانسجام الوطني والإقليمي ثم العربي حيثما وجد، وهو يستسهل الصدام مع التيارات والحكومات من دون أدنى دبلوماسية أو دراسة تخطيطية لحال أو مآل. وأما كيف برز نجمه؛ فقد كان بروزا مصنوعا، بل مشبوها؛ فالرجل لم يعتقل إلا بضع مرات أوائل الثمانينيات؛ بالتالي فهو لا يزيد على حال مئات آلاف الفلسطينيين في ذلك.
ولكن المثير هو أن الاحتلال أبعده لتونس، فصار قريبا من صنع القرار الفلسطيني آنذاك، وليعود بعد تأسيس السلطة ليصير رئيس أفعل جهاز أمني في غزة ضمن اتفاق مع الاحتلال، ثم ليوظف هذا الجهاز بشكل فج ضد شعبه ومقاومته، فتجاوز به ذلك السلطة وإمكاناتها، كما أشرنا في المقدمة.
وأما لماذا طرد من فتح؛ فالبعض يعزو ذلك إلى ما تتهمه به القيادة الفلسطينية من العمالة والفساد؛ فعرفات اتهمه بذلك، وعباس اتهمه به أيضا؛ وليس هذا -في تقديري- سببا كافيا، فللرجل أمثال وأشباه كثر ظلوا حيث هم في امتطاء القيادة والقضية، دون أن يقترب منهم أحد، بل إن دحلان هو نفسه لم يطرد إلا بعد عشر سنوات من الدلائل والتهم والفضائح، لكن السبب المرجح والأكثر منطقية هو أن تصرفاته خارج نطاق القيادة، واستقواءه عليها، ومحاولاته التجيب والاستقطاب ضدها، هو الذي تراكم حتى شكل جلطة دموية في شرايين القيادة -بالمصطلح البيولوجي- وجعل طرده الوقاية الأنجع والسلاح الأوحد لإحباط مؤامراته..
وأما محاولات إرجاعه الآن؛ فلأن عباس قد بلغ عتي الكبر وأواخر خريف العمر، إضافة لتصريحاته الأخيرة التي توصف بالكارثية، وتمنعاته في ملف المفاوضات، وكسبه نقاطا دولية على الاحتلال.. كل ذلك دفع حلفاء دحلان للجمع بين ضرورة توقي غيبة مفاجئة لعباس قد تودي بالسلطة، والرغبة في استبداله دحلان به، المصنوع أساسا لهذا الموقع، فقاموا يحاولون إعادة تأهيله÷ وحمله على أكتاف عباس، رغم كل ما بين الرجلين..
بقي أن نتحدث عن فرصة دحلان، وأرى أنها فرصة صغيرة، وربما معدومة، كما أرى أن الذين يدعمونه لا ينحون هذا المنحى كخيار حر بقدر ما هم مندفعون بعدم توفر البديل، وبقدرتهم على إجبار القيادة الفلسطينية على ما يقررون.
والظن أن عباس يعرف أن اقتراب دحلان منه هو حبل المشنقة الذي يراد لفه حول عنقه، وسيظل يناور ويداور ويرفض، وربما يقع المحذور والمحظور قبل أن يتمكنوا منه، والظن أيضا أن تبوؤ دحلان لموقع الرئاسة لن يسلم له في ظل وجود أقران له في القيادة ضيقي الأجواف مولعين بالنكايات الصغيرة.. أما اليقين، فهو أن وجود دحلان في القيادة الفلسطينية بهذه النسخة لن يكون إلا سببا في المزيد من التشتت والتوهان والانقسام وتحكم الغرباء والمشبوهين في مصير الشعب الفلسطيني.
آخر القول: سيشهد التاريخ أن أخبث ثمرتين للمشروع الغربي الصهيوني في مواجهة ثوراتنا هما: السلطة الفلسطينية التي صنّعت لمواجهة الثورة الفلسطينية، وداعش التي وجدت على حين غرة لتبرير رجوع أجهزة القمع الخؤونة. وفي هذا السياق، يفهم لماذا يدعم عودة دحلان ذات الذين يدعمون جرائم بشار وحفتر والسيسي.
(عن صحيفة الشرق القطرية)