توقفت فجأة الضجة الإعلامية حول العمليات العسكرية، لإخراج
تنظيم الدولة من مدينة الرقة وريفها الشمالي، وبدا -بحسب مراقبين- أن تحضيرات الرقة كانت للتعمية على سيناريوهات أكبر من الرقة؛ تطال التنظيم في ريف حلب والرقة معا.
وقال الناشط الإعلامي في ريف حلب، أبو علي، لـ"
عربي21" إن التحركات العسكرية لقوات
سوريا الديمقراطية (قسد)، سواء كانت في محيط منبج وسد تشرين، أو الطبقة؛ تؤكد وجود مخطط عسكري كبير يهدف إلى تقطيع أوصال تنظيم الدولة شرقي نهر الفرات وغربيّه"، وبالفعل؛ فقد شنت قوات
سوريا الديمقراطية هجوما وُصف بـ"العنيف" على ريف منبج، من ثلاثة محاور.
وشهدت مدينة منبج في الأيام الأخيرة ترتيبات أمنية غير مسبوقة، تشير إلى وجود مستجدات "خطيرة" تندرج في هذا السياق، بحسب مراقبين.
وقال محمد، وهو صاحب محل بالسوق المسقوف، إن تنظيم الدولة في منبج "زرع حواجزه بكثرة لم نعهدها أيام النظام والجيش الحر، وحتى أيام سيطرته"، مشيرا إلى أن أفراد التنظيم الرابضين على هذه الحواجز "لا يكتفون بأخذ البطاقات الشخصية، وإنما يتبادلون الحديث مع الشخص الذي يريد المرور".
وبحسب ناشطين؛ فقد تلقى أكراد اتصالات من أقاربهم تفيد بقرب عمل عسكري يستهدف منبج نفسها، لكنّ ذلك يبقى في دائرة الشائعات.
تقسيم "دولة الخلافة"
وتحدث ناشطون عن تسيير قوات "قسد" أرتالا نحو مدينة الطبقة، "وهذا ما يخشاه التنظيم حقيقة، وبدأ يُعد العدة لمواجهته" بحسب المدرس في الرقة، محمود نازح، الذي قال: "يخشى التنظيم من تقسيم دولته إلى شرقية وغربية؛ في حال قطع طريق الطبقة-الرقة". وهذا يبدو السيناريو الأوّل والأخطر على التنظيم، إذ إنه سيحرم الطرف الشرقي من النفط؛ عصب اقتصاد دولة الخلافة، ويحرم في الوقت ذاته مناطق شرق الفرات من العنصر البشري القادم من غرب الفرات، كما يقول خبراء عسكريون.
وتحاول قوات "قسد" الاستفادة من الجغرافية الطبيعية لتحقيق التقدم، وتقطيع أوصال التنظيم، إذ تفيد معلومات من المنطقة عن تحرك من عدة محاور؛ من جهة نهر الفرات على امتداد السلسلة الجبلية إلى سد تشرين، وصولاً لقلعة نجم والجبال المحيطة بها. وقال الناشط الإعلامي في ريف حلب، أبو محمد الحلبي، إن "هناك معلومات تفيد بسيطرة قوات (قسد) على قلعة نجم والقرى المحيطة بها".
وأضاف الحلبي لـ"
عربي21" أن "المعارك لم تتوقف حتى الآن، إذ تعمل القوات المهاجمة على التقدم السهل، مستفيدة من الغطاء الجوي الكثيف لقوات
التحالف"، مشيرة إلى أن المنطقة شهدت موجة نزوح للأهالي باتجاه المناطق القريبة.
فصل منبج عن الريف الجنوبي
ومن ناحية أخرى؛ تتجه قوات "قسد" من سد تشرين نحو الغرب سالكة سلسلة جبلية ثانية ووصلت إلى قرية جعيفينية الماشي. وما يُساعد هذه القوات أن هذه السلسلة مكشوفة وغير مشجرة، بحسب الناشط الإعلامي في ريف منبج، محمد العبدالله، الذي أكد أن "قوات سوريا الديمقراطية سيطرت على السلسلة الجبلية الممتدة من شاش البوينة قرب السد؛ إلى قرية جعيفينية الماشي، وقطعت طريق منبج-المسطاحة، كما أنها سيطرت على القرى المتواجدة على جانبي السلسلة، وبات فصل منبج عن الريف الجنوبي أمرا يسيرا".
وأضاف العبدالله لـ"
عربي21" أن "لدى قوات سوريا الديمقراطية خيارات عدة في هذا المحور، في ظل تقهقر تنظيم الدولة أمام قصف التحالف، وعدم وجود معارك فعلية على الأرض، إما التوجه إلى الشمال الغربي وقطع طريق منبج-الخفسة غربي قرية الكجلي، أو التوجه إلى الجنوب الغربي حيث ناحية الخفسة، التي يمكن لهذه القوات الانتشار فيها؛ نظرا لتباعد القرى، وقلة عناصر تنظيم الدولة فيها".
وأوضح أن استمرار قوات "قسد" بالتوجه غربا يعني وصولها إلى مطار كوبرس، "وبذلك يتم عزل الريف الشمالي والشرقي لحلب، أي تصبح منبج جرابلس الباب مع بقية مناطق الريف الشمالي لحلب؛ منطقة معزولة، وفي حال نجح الهجوم على الطبقة؛ فإن هذا سيؤدي إلى تقسيم مناطق تنظيم الدولة إلى ثلاثة أجزاء".
قطع طرق الإمداد
وتلجأ قوات سوريا الديمقراطية لهذا السيناريو؛ بغية حرمان التنظيم من هامش المناورة والقدرة على تحريك الأرتال، بالإضافة إلى كونه يسهل السيطرة لاحقا على المدن المحاصرة، بحسب مراقبين.
وقال الناشط الحقوقي في ريف حلب الشرقي، أبو عبدالله، إن "قوات سوريا الديمقراطية تدرك فقدانها للحاضنة الشعبية، وبالتالي صعوبة السيطرة على الرقة حاليا، ولذلك فهي تلجأ إلى الحصار وقطع طرق الإمداد، والذي لا يحتاج إلى قوة بشرية".
ورجح خبراء عسكريون أن الهجوم الكبير الذي شنه تنظيم الدولة مؤخرا على الريف الشمالي، هدَفه خلق عمق استراتيجي للتنظيم غرب الفرات، مشيرين إلى أن الدائرة ستنقلب عليه إذا استمر فشله في السيطرة على مارع وأعزاز.
وقال الناشط الإعلامي أبو علي لـ"
عربي21": "سيستفيد الثوار في الريف الشمالي من تقطيع أوصال تنظيم الدولة، إذ سيحرم التنظيم من الموارد المالية التي تجذب المقاتلين، وتحرمه من تسيير الأرتال، مما يُمَكِّن الثوار من استعادة ما خسروه لحساب تنظيم الدولة".
ولا يستبعد مراقبون تدخلَ تركيا في هذه اللحظة، ولن يكون تدخلها وفق توقعاتهم مباشرا. وقال الناشط الحقوقي أبو عبدالله: "ربما تدخل تركيا مقاتلين سوريين من جهة جرابلس للسيطرة عليها وعلى منبج والباب، تفاديا لوقوع المنطقة تحت السيطرة الكردية".
ويبدو لافتا عدم اقتصار ضربات التحالف لتنظيم الدولة على الجبهات، حيث تعرضت منبج خلال الأيام القليلة الماضية لأكثر من 20 غارة راح ضحيتها عدد من المدنيين، ولم يتم التأكد بأن هذه الغارات روسية أم للتحالف.