لقي الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بشأن "
مصرية جزيرتي
تيران وصنافير" الثلاثاء، ترحيب واسعا من قطاعات عريضة من الشعب المصري في حين لزمت الحكومة المصرية، وهي أحد طرفي الدعوى، الصمت، واحتفل به المحامون أصحاب الدعوى.
وقال خبراء قانون إن الحكم ملزم للحكومة، فيما أكد آخرون أنه قابل للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، ما يضع الكرة الآن، وفق مراقبين، في ملعب الحكومة، وما إذا كانت ستطعن على الحكم أم لا. وفي الحالتين سيكون موقفها محرجا للغاية، داخليا وخارجيا، بحسب هؤلاء المراقبين.
غضب شديد في دوائر السلطة
وساد غضب شديد في الأوساط القريبة من دوائر الحكم في مصر.
واعتبر أستاذ القانون الدولي العام، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، القريب من سلطات الانقلاب، أيمن سلامة، أن قرار المحكمة ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود، سقطة قانونية غير مسبوقة في مجلس الدولة، مؤكدا أنه حكم معيب قانونيا، وأنها لم تقم بتسبيبه.
وقال - في تصريحات صحفية - إن القرار يعد سقطة، لأنه حتى الآن لم تقم الحكومة بإحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية للترخيص بالتصديق عليها، وهو ما يعني أن محكمة القضاء الإداري تعجلت في حكمها، واستبقت كل الأعراف القانونية.
وتابع سلامة بأن المحكمة ضربت بحكمها المتسرع عرض الحائط بالأحكام القانونية السابقة كافة من المحكمة الدستورية، التي أخرجت الاتفاقيات والمعاهدات السياسية، التي تعقدها الحكومة عن رقابة القضاء في مصر، فضلا عن أن محكمة القضاء الإداري أخرجت أعمال السيادة من رقابتها.
وأشار إلى أن هذا القرار سيتبعه قيام الحكومة عن طريق هيئة قضايا الدولة، بالطعن على ذلك الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا.
خبراء قانون: الحكم ملزم
في المقابل اعتبر خبراء قانون الحكم ملزما للحكومة المصرية حتى في حالة طعنها عليه.
ونقلت صحيفة "المصري اليوم" عن مصدر قضائي بمجلس الدولة، لم تسمه، قوله إن الحكم واجب النفاذ، ويُطبق بعد صدوره مباشرة.
وأضاف المصدر أنه لا يجوز لأحد وقف تنفيذ الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري، متابعا: "لا يحول دون تنفيذه.. الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا إلا إذا قررت دائرة فحص الطعون بالإدارية العليا بطلان الحكم أو عدم تنفيذه".
وأشار إلى أن الجهة المخول لها بالطعن على الحكم هي هيئة قضايا الدولة، ممثلة عن الدولة، ويتم ذلك في خلال ستين يوما من صدور الحكم، وأن رئيس الجمهورية سيتم إعلامه بالحكم.
ووصفت النائبة السابقة لرئيس المحكمة الدستورية، المستشارة تهاني الجبالي، الحكم بأنه عنوان الحقيقة، وبأنه ملزم للحكومة.
وأضافت في تصريحات صحفية: "لا يمكن إحالة الاتفاقية للبرلمان في الوقت الحالي انتظارا لموقف الحكومة بالطعن أمام الإدارية العليا".
وأكدت أن "مجلس النواب ملزم بانتظار قرار المحكمة الإدارية العليا في حالة طعن الحكومة على الحكم، خاصة أن القضاء الإداري هو الذي يراقب التزام الحكومة بالقانون، وبالتالي عليهم احترام أحكام القضاء".
ومتفقا مع الرأيين السابقين، قال مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، إن الحكم ملزم للدولة.
وأضاف - في تصريحات صحفية - أنه على الرغم من حق الدولة اللجوء للمحكمة الإدارية العليا باعتبارها الدرجة الأعلى والأخيرة، لكن من لديه فهم وإدراك للواقع لابد أن ينصح الدولة بألا تقدم على ذلك، لأن الدولة لم يكن لديها ما يثبت أحقية السعودية بجزيرتي تيران وصنافير، ولم تقدم تلك المستندات في المحكمة.
وأشار إلى أنه في حالة طعن الحكومة على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، ولم يكن لديها ما تقدمه في ذلك الطعن لإثبات صحة الاتفاقية فسيتحول الانتصار باسترداد الجزر إلي فضيحة، بحسب تعبيره.
وأردف بأن الحكم ملزم لمجلس الوزراء والدولة والبرلمان، وأن مجلس النواب لا يمكنه التصويت على الاتفاقية؛ لأن هناك حكما من القضاء، وكلمته تعد الأعلى، وفق قوله.
فرحة شعبية.. وهاشتاج يتصدر
واتساقا مع تطورات الحدث، سادت فرحة غامرة بالحكم على موقعي التواصل الاجتماعي "فيسبوك وتويتر"، ورحب النشطاء به، مؤكدين صدق الدعوى التي رفعها أيضا المحامي المحبوس حاليا مالك عدلي.
وتصدر هاشتاغ "تيران وصنافير مصرية" قائمة الأعلى تدولا على موقع التغريدات الصغيرة "تويتر"، عقب صدور الحكم.
وشارك فى الهاشتاغ مئات النشطاء الذين عبروا عن المفاجأة والفرحة بالحكم.
وعلق الإعلامي باسم يوسف، عليه بتدوينة على حسابه بموقع "فيسبوك"، قال فيها: "طب بالمناسبة السعيدة دي بقى، يبقى المفروض الهاشتاغ ده يولع، #خرجوا_اللي_حموها_واسجنوا_اللي_باعوها".
وكتب عبر حسابه على موقع التدوينات القصيرة "تويتر" قائلا: "مع أننا مش مستنيين حكم محكمة عشان نقول إن الجزر مصرية بس مبروك حكم المحكمة.. ولع الهاشتاج".
وعلى الهاشتاغ كتب ناشط: "طلعوا الشباب وهاتوا الكفالات #تيران_وصنافير_مصرية".
وقال آخر: "بإلغاء قضاء #مصر اتفاقية ترسيم الحدود، والحكم بأن #تيران_وصنافير_مصرية يكون القضاء أرسى مبدأ أن التصرف في الأرض ليس من أعمال السيادة الذي احتج به #
السيسي".
وأضاف ثالث: "خرجوا المعتقلين.. طلعوا الشباب اللي وقف مع الحق، الحرية لهيثم محمدين. الحرية لمالك عدلي.. الحرية لجميع المعتقلين".
فرحة رافعي الدعوى بالحكم: الله أكبر
واحتفل المحامي خالد علي، أحد أبرز رافعي الدعوى، بقرار المحكمة.
وقال على صفحته بموقع "فيسبوك": "الله أكبر.. الجزر مصرية.. وبطلان توقيع الاتفاقية".
واعتبر سفير مصر بفنزويلا سابقا، يحيى نجم، أن الحكم أنصف الشعب المصري، وكل حر دافع عن هذه الأرض، وفق قوله.
وطالب نجم - في تصريحات صحفية - المدعين بسعودية الجزيرتين، بـ"أن يخرسوا من الخجل"، قائلا: "ليعلموا أن مصيرهم بمواقفهم إلى مزبلة التاريخ".
نص الحكم وأسانيد الدعوى
وكانت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري، برئاسة نائب رئيس مجلس الدولة، المستشار يحيى دكروري، قررت صباح الثلاثاء، قبول الدعاوى المقامة من خالد علي، وعلي أيوب المحاميين، وآخرين، التي تطالب ببطلان قرار رئيس الوزراء المصري بالتوقيع على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين حكومتي مصر والسعودية.
وقضت المحكمة برفض دفع هيئة قضايا الدولة (محامي الحكومة) بعدم اختصاص المحكمة، بزعم أنها عمل من أعمال السيادة، كما قضت ببطلان قرار التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وشددت على عودة جزيرتي "تيران وصنافير" للسيادة المصرية، بعد أن نقلت تبعيتهما بموجب الاتفاقية المقضي ببطلانها للمملكة.
واختصمت الدعوى التي حملت رقم 43866 لسنة 70 قضائية، كلا من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب.
وقالت الدعوى إن الطاعن فوجئ بقيام رئيس الجمهورية (السيسي) ورئيس مجلس الوزراء (شريف إسماعيل) في أثناء استقبالهما العاهل السعودي (الملك سلمان) بإعلان الحكومة توقيع 16 اتفاقا من بينها اتفاق بإعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، في ما يتعلق بحقوق السيادة على جزيرتي "تيران وصنافير" الواقعتين في البحر الأحمر.
وقدم "خالد علي" للمحكمة - في جلسة سابقة - "أطلسا" أعدته المؤسسة العسكرية في عام 2007، يؤكد أن جزيرتي تيران وصنافير مصريتان، وتخضعان للسيادة الوطنية المصرية.
وقدم ثلاث حوافظ مستندات لإثبات مصرية الجزيرتين، وكانت أول حافظة كتابا للمستشرق جورج أوجست فالين، بعنوان "صور من شمالي جزيرة العرب في منتصف القرن الـ19".
والحافظة الثانية كتاب مترجم باللغة الإنجليزية من وزراة المالية، صادر عام 1945، ويحتوي على خريطة صادرة عام 1937 لوحة رقم 6، وفيها إثبات أن تيران وصنافير أراض مصرية.
أما الحافظة الثالثة فكانت عبارة عن أطلس ابتدائي من مصلحة المساحة والمناجم يحتوى على خرائط تثبت مصرية الجزيرتين.
ووقعت مصر والسعودية - في مطلع شهر نيسان/ أبريل الماضي خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان للقاهرة - الاتفاقية، ما أثار ردود فعل معارضة لرئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي والحكومة، ونظم عدد من النشطاء والقوى السياسية المختلفة، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، تظاهرات رافضة لها، وأحالها مجلس النواب إلى لجان متخصصصة لدراستها، للتصديق عليها أو رفضها.
وأكد السيسي في تصريحاته غير مرة أن الجزيرتين غير مصريتين، وشدد في خطاب سابق على أن مصر لم تفرط أبدا في ذرة من حقوقها، وكذلك لن تمس حقوق الآخرين، مشيرا إلى أن التعامل مع قضية الجزيرتين (التنازل عنهما) تم "بمنظور فني وقانوني"، وفق وصفه.