علقت صحيفة "نيويورك تايمز" على خروج
بريطانيا من
الاتحاد الأوروبي، بأنه قرار تاريخي، سيعيد تشكيل وضع بريطانيا في العالم، مشيرة إلى أنه أحدث جلجلة داخل القارة، وهز المؤسسة السياسية في الغرب.
ويشير التقرير إلى أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد
كاميرون أعلن عن استقالته، حتى قبل الانتهاء من عد الأصوات، وقال إنه سيترك مقر الحكومة بحلول تشرين الأول/ أكتوبر، لافتا إلى أن تلك الحادثة المثيرة أدت إلى انخفاض سعر الجنيه الإسترليني في الأسواق المالية في آسيا.
وتقول الصحيفة إن النصر بفارق ضئيل أدهش حتى المؤيدين للخروج، حيث حقق هذا الفريق 52% أمام 48% للبقاء، وصوت أكثر من 17.4 مليون شخص في
الاستفتاء يوم الخميس لقطع العلاقات مع أوروبا، مقابل 16.1 مليون شخص لصالح البقاء.
وينقل التقرير عن كاميرون قوله: "سأفعل ما بوسعي بصفتي رئيسا للوزراء للحفاظ على السفينة ثابتة في الأسابيع والأشهر المقبلة"، مستدركا بالقول: "لكنني لا أرى أنه من المناسب بقائي قائدا يقود البلد للوجهة القادمة".
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم الاستطلاعات التي أظهرت قبل الاستفتاء أن أيا من الطرفين سيفوز، إلا أن النتيجة هزت بريطانيا وأوروبا والتحالف الأطلسي، وأظهرت قوة الأحزاب الشعبوية المعادية للنخبة والمشاعر القومية في مواجهة الأزمة الثقافية والاقتصادية.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، نقلا عن زعيم حزب الاستقلال نايجل فاراج، قوله: "تجرأ للحلم، فالفجر ينبثق باستقلال المملكة المتحدة"، وقال النائب عن حزب العمال شوكا أوما إن النتيجة هي "زلزال في بلدنا"، وقال نائب عمالي آخر يدعى كيث فاز: "هذا قرار محطم، وهذا يوم رهيب لبريطانيا وأوروبا، ولم أكن أتخيل في ألف عام أن يصوت البريطانيون لقرار كهذا"، وقال وزير الخارجية الألماني فرانك وولتر شتايمر إن هذا "يوم محزن لأوروبا وبريطانيا".
وتنوه الصحيفة إلى أن بريطانيا تعد أول بلد من مجموعة 28 دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي، الذي فشل في حل مشكلات عدة من الانهيار المالي عام 2008، وصعود روسيا، وتدفق اللاجئين العام الماضي، مشيرة إلى أن رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز أعلن عن اجتماع طارئ سيعقد يوم الثلاثاء، لمناقشة قرار الناخب البريطاني.
ويجد التقرير أنه نصر مهم للقوى المعادية لأوروبا، التي لم يكن لديها حظ من النجاح، لافتا إلى أن الأسواق المالية بدأت بالرد على الأزمة، حتى قبل إكمال العد النهائي، ما دعا البنك المركزي للرد وتطمين الأسواق، حيث توقع الاقتصاديون أن يؤدي خروج بريطانيا إلى أزمة اقتصادية، إلا أن مدير بنك إنجلترا مارك كارني حاول التصدي لمظاهر القلق، مؤكدا أن المصرف لديه خطة طوارئ، وحضر نفسه "للخطوات الضرورية كلها".
وتبين الصحيفة أن إجراءات الخروح لن تبدأ حالا، حيث قال كاميرون إنها ستبدأ بعد رحيله، ومن المتوقع أن تزداد المفاوضات شدة حول الاتفافيات المشتركة ولمدة عامين، حيث سيكتمل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وبحسب التقرير، فإن النتائج تعد كارثة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ما يطرح أسئلة حول تماسكه واتجاهه ومستقبله، الذي بني على قيم ليبرالية، وسيادة مشتركة، تمثل حلف الناتو، الذي يعد مكونا مهما في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، مشيرا إلى أن بريطانيا تعد ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا بعد ألمانيا، وقوة نووية مع حصولها على مقعد في الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وترى الصحيفة أن خسارة بريطانيا تعد ضربة موجعة لمصداقية الكتلة الأوروبية، التي تعاني من أزمات متتابعة، مثل أزمة اليونان المالية، والنزاع في أوكرانيا.
وينقل التقرير عن مؤسس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ثيري دي مونتبريل، قوله: "سيكون الأثر عظيما على نظام الاتحاد الأوروبي للعامين المقبلين"، وأضاف: "سيكون هناك ثمن كبير للفترة الانتقالية، وكيفية حل مشكلة بريطانيا، ومنع نظرية الدومينو".
وتورد الصحيفة نقلا عن البروفيسور في جامعة هارفارد، والمدير السابق لمجلس العلاقات الخارجية الألماني كارل كيسر، قوله إن على أوروبا "إعادة تنظيم نفسها بدرجات متفاوتة من الترابط"، ويضيف: "لدى أوروبا مصلحة في الحفاظ على بريطانيا في السوق الواحدة إن أمكن، أو علاقة أمنية خاصة".
ويفيد التقرير بأنه في الوقت الذي ركز فيه قادة معسكر الخروج على السيادة، وتفوق البرلمان، والشمس المشعة بعيدا عن بروكسل، إلا أن القلق من الهجرة هو الذي غيّر مسار الحملة، مشيرا إلى أنه مع وصول عدد المهاجرين إلى 330 ألف مهاجر، معظمهم من الاتحاد الأوروبي العام الماضي، وفشل كاميرون بالرد، أو تقديم صيغة للتقليل من عددهم، فقد شعرت قطاعات من البريطانيين بأن الهوية الوطنية تتعرض للتهديد، خاصة أن الكثيرين منهم لم يشاركوا في الاقتصاد، أو بدفع فواتير الضرائب، وتأثرت قطاعات التعليم والصحة والإسكان بسبب استمرار تدفقهم.
وتذكر الصحيفة أن الحملة أعطت لأكثر الأصوات الداعية للخروج، وهو حزب الاستقلال، الفرصة لتأكيد هذه القضايا، لكن عبر لغة معادية للأجانب، حيث تناول المسؤولون البارزون في الحملة فكرة الهجرة، وأدخلوها في حملتهم عبر شعار "استعد بلدك".
ويشير التقرير إلى أن أحزابا أخرى من اليمين المتطرف، مثل الجبهة القومية في فرنسا، وحزب البديل الألماني، وغيرت ويلدرز في هولندا ستحتفل، لافتا إلى أن عمق المشاعر المعادية لأوروبا سيكون عاملا مهما في انتخابات ألمانيا وفرنسا العامة في العام المقبل.
وتكشف الصحيفة عن أن الحملة اتسمت بالاتهامات المتبادلة، ولعب الطرفين على العواطف، خاصة الخوف، كما بدا في المناظرة التلفزيونية التي نظمتها "بي بي سي"، فمن جهة، حذر معسكر البقاء، وبناء على آراء عدد من الاقتصاديين من كارثة اقتصادية، وخسارة في الوظائف، وارتفاع الضرائب، وتقشف وانخفاض في سعر الجنيه، أما معسكر الخروج، فإنه حذر من استمرار تدفق المهاجرين، إن صوت البريطانيون لصالح البقاء، واستخدم فكرة التخويف من تركيا، والقول إن 77 مليون نسمة سيتوجهون نحو أوروبا.
ويذكر التقرير أنه قبل أسبوع من الاستفتاء، قام رجل باغتيال برلمانية شابة وداعمة للبقاء، وهي جو كوكس، وهتف قائلا: "من أجل بريطانيا واستقلالها"، مشيرا إلى أن نسبة 85% من سكان إنجلترا شعرت بالكرامة الوطنية والإستثنائية الثقافية والحنين للماضي، واعتقد الكثيرون، مثل جونسون، أن بريطانيا أقوى دون الاتحاد الأوروبي.
وتقارن الصحيفة ذلك بالوضع في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية، وتقول إن نزعة للتصويت لصالح أوروبا كانت هناك، لافتة إلى أنه مع هذه النتيجة، فإن الدعوات التي تطالب باستقلال اسكتلندا وباستفتاء جديد ستتجدد، وكذلك في إيرلندا الشمالية، التي لها أبواب مفتوحة مع جمهورية إيرلندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، ما يعني بناء نقاط مراقبة بين دولة عضو ودول غير عضو في الاتحاد الأوروبي.
ويفيد التقرير بأن كاميرون قد دفع باتجاه الاستفتاء عام 2013؛ خشية أن يتسرب أفراد حزبه المعارضون لأوروبا إلى حزب الاستقلال، حيث دخل كاميرون الاستفتاء مسلحا بسجل جيد من الإنجاز الاقتصادي، ودعم من باراك أوباما وقادة أوروبا، مستدركا بأن الحملات السياسية لا تدور حول الأسئلة التي تطرح، ولكن بناء على المزاج السياسي.
وترى الصحيفة أن موقف كاميرون تم إضعافه؛ بسبب موقف زعيم العمال جيرمي كوربين، الذي ينحدر من تقاليد اليسار، وجاء اختياره لزعامة الحزب عام 2015 مفاجأة، مشيرة إلى أن كوربين كان قد صوت ضد المجموعة الأوروبية الاقتصادية في عام 1975، وعندما سئل عن رأيه في الاتحاد الأوروبي، أجاب أنه ليس من المعجبين به، لكنه رفض المشاركة في حملات انتخابية مع كاميرون.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه "في الوقت الذي ركز فيه كاميرون على المخاطر التي قد تصيب الاقتصاد والأمن، فإن كوربين تحدث عن أهمية حماية العمال وحقوقهم، ومن هنا يهدد انتصار معسكر الخروج، وفك ارتباط بريطانيا علاقتها مع الاتحاد الأوروبي، بتحويلها إلى بلد فقير، ولو صدقت توقعات الخبراء قبل الاستفتاء، فإنها ستضر بالناس الذين يمثلهم كوربين".