نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للكاتب الأمريكي المعروف ديفيد إغناطيوس، يشير فيه إلى طموحات الأمير الشاب وولي ولي العهد
محمد بن سلمان، لافتا إلى أن أفكاره الإصلاحية تحمل جذور تحديث البلاد أو انهيارها.
ويتحدث الكاتب عن علاقة محمد بن سلمان بولي العهد محمد بن نايف، الذي قال إنه شعر بالضغط؛ بسبب عزل مساعده سعد الجبري في أيلول/ سبتمبر عام 2015، ويقول إغناطيوس إن محمد بن سلمان يعد من جيل يحاول تجاوز كبار السن في العائلة، الذين نظر إليهم على أنهم صمام أمان لها ولاستمرارها في الحكم، مضيفا أن النظرة تغيرت بصعود
الملك سلمان إلى السلطة العام الماضي.
ويشير إغناطيوس إلى دليل على نفوذ ولي ولي العهد، ما حدث في أيلول/ سبتمبر العام الماضي، عندما طار السفير الأمريكي جوزيف ويستفال من الرياض إلى جدة، لمقابلة ولي العهد محمد بن نايف، وعندما وصل إلى جدة قيل له إن محمد بن سلمان يريد مقابلته على وجه السرعة، وهو ما أحرج السفير وولي العهد.
ويعلق الكاتب قائلا إن "تحدي ولي ولي العهد الشاب للكبار قلب السياسة في بلده رأسا على عقب، حيث وصف الأمير الشاب بالقائد الذي يتحدث بسرعة، ويتمتع بحضور وطاقة ذهنية، ومع ذلك فقد أغضبت أساليبه القاسية بعض السعوديين، خاصة تجاوزه المتكرر لولي العهد الأكبر منه سنا".
ويعتقد إغناطيوس أن "فهم
السعودية ضروري، فهي ليست دولة صغيرة، لكنها صحراء شاسعة، وبلد غالبية سكانه من الشباب، وفي وقت يمر فيه الشرق الأوسط بمرحلة خطيرة من الحروب الطائفية والإرهابية، التي تمزق الدول ونسيجها، حيث إن تماسك السعودية مهم لها ولجيرانها، وضعفها يزيد من الفوضى في المنطقة".
ويقول الكاتب إنه التقى عددا من معارف ابن سلمان ونقاده، ومسؤولين أمريكيين وغربيين وعرب، بالإضافة إلى مسؤولين في الاستخبارات الغربية، وقدموا صورة عن الأمير وطموحاته، وحسنات مشروعه الإصلاحي وسلبياته، وأثر هذا كله في الولايات المتحدة.
ويستدرك إغناطيوس بأنه "بالرغم من أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما طلب من مسؤولي الإدارة تجنب اتخاذ مواقف بشأن ما يحاك في القصر الملكي من كولسات، إلا أنه استقبل الأمير في 17 حزيران/ يونيو في البيت الأبيض مثل استقبال رئيس دولة تقريبا، ما يعني موافقة ضمنية من الرئيس على أجندته الإصلاحية".
ويقول الكاتب إن مراقبي الشأن السعودي أخبروه عن قدرة الأمير الشاب على بناء السعودية من جديد، وتحويلها إلى بلد أكثر دينامية، وقادر على حماية أمنه وجيرانه، مشيرا إلى أن آخرون تحدثوا عن قابليته لدفع البلاد نحو الهاوية؛ بسبب عناده وتهوره في بعض الأحيان.
ويلفت التقرير إلى "علاقة الولايات المتحدة الاستراتيجية مع السعودية، التي ظلت لنصف قرن مصدر قلق لها؛ نظرا لقابلية المملكة للتعرض للتهديدات الداخلية والخارجية، حيث كان هذا سبب الإنفاق العسكري الكبير، واندلاع حربين في الخليج، ورغم مشاركة السعودية في الحرب الدولية ضد الإرهاب، إلا أن العقيدة السلفية كانت عاملا من عوامل انتشار التطرف، فلم ينس الأمريكيون أن أسامة بن لادن هو من أرسل 15 سعوديا، من بين 19 انتحاريا، لتنفيذ هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، ولهذا فإن ظهور إصلاحي قادر على وضع السعودية على طريق الاستقرار يعد تغييرا لقواعد اللعبة للولايات المتحدة والعرب، وسيؤدي إلى نهضة في العالم السني، الذي عانى من الحروب الأهلية والطائفية، وهذا هو الوعد الذي يحمله الأمير محمد بن سلمان، لكن المخاطر من أن تؤدي تصرفاته إلى انفجار السعودية وتعقيد المشكلات".
وتنوه الصحيفة إلى رؤية 2030، التي يتطلع الأمير من خلالها إلى تغيير المملكة، وتشمل خصخصة شركة "أرامكو" وغيرها من الشركات الكبرى المملوكة من الدولة، حيث منح السعوديين فرصة للترويح، من خلال إنشاء متاحف ودور سينما ومدينة إعلامية، والحد من سلطة الشرطة الدينية، وفي مرحلة ما سيمسح للنساء بقيادة السيارات.
ويقول إغناطيوس: "ببساطة، إن ابن سلمان يطمح لنقل المملكة المغلقة الحذرة إلى دولة تشبه الجارة الإمارات العربية المتحدة، بناطحات سحابها واقتصادها الحر، ويعترف الأمير أن هذا التحول الاقتصادي لن يحدث دون تخفيف التقاليد الدينية المتشددة".
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، متسائلا: "لكن، ما هي السلطة المتوفرة للأمير كي يحقق إنجازه؟ فهو من الناحية الفنية يأتي في المرتبة الثالثة من ناحية المسؤولية، مع أنه مارس مهام نيابة عن والده البالغ من العمر 80 عاما، ويعاني من أعراض بسيطة لفقدان الذاكرة، ومن سيخلف والده هو ولي العهد محمد بن نايف، وابن عمه أيضا، الذي يشغل منصب وزير الداخلية، ويسيطر على الأجهزة الأمنية".
وتذكر الصحيفة أن مراقبين للشأن السعودي يخشون من اندلاع نزاع على السلطة، بشكل يضع الولايات المتحدة في موقف حرج؛ لأنها تريد التعاون مع ولي العهد، الذي يعد حليفا جيدا في مكافحة الإرهاب، ولأكثر من عقد، وولي ولي العهد الإصلاحي، حيث لا تريد واشنطن وضعا تختار فيه بين الاثنين.
ويكشف الكاتب عن أن المعركة على السلطة بدأت، بحسب مراقبين، في عهد الملك عبد الله، الذي تولي العرش عام 2005، حيث إنه قبل وفاته في كانون الثاني/ يناير ،2015 عبر بعض مساعديه عن أملهم بأن ينتقل العرش لابنه متعب، الذي يقود الحرس الوطني، مستدركا بأن الملك سلمان، الذي كان وليا للعهد، تحرك بسرعة لاستلام العرش، وتقوية سلطته، وأصدر بعد أقل من أسبوع على توليه السلطة سلسلة من القرارات، أدت إلى تغيير ميزان السلطة في البلاد، حيث أعفى نجلي الملك عبد الله، الأمير تركي ومشعل من منصبيهما، بصفتهما أميرين على منطقتي الرياض ومكة، وأعفى السفير السابق في واشنطن الأمير بندر بن سلطان، من منصب المستشار للأمن القومي، وأعلن عن تعيين الأمير محمد بن نايف نائبا لولي العهد الأمير مقرن، وتعيين نجله الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع، ورئيسا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
ويفيد التقرير بأن السعودية شهدت خلال أسبوع أمرين غير عاديين: فقد تم وضع الجيل الثاني في خط وراثة العرش، وعبر الملك وابنه عن رغبة عدم التزام بسياسة الإجماع، التي تبنتها العائلة الحاكمة.
وتبين الصحيفة أن "الأمير محمد بن سلمان شخصية مختلفة في السعودية الحديثة، حيث إنه خلافا للأمراء البارزين، الذين تلقوا تعليمهم في الجامعات الغربية، ويتحدثون لغة إنجليزية جيدة، لم يذهب ابن سلمان للخارج، وتعلم داخل البلاد، ويقال إن والده الملك الحالي، الذي أدى دور الوسيط في مشكلات العائلة، كان يرى نفسه في ابنه من زوجته الثالث، ورغم أنه يفهم اللغة الإنجليزية، إلا أنه يفضل التحدث باللغة العربية".
وينوه إغناطيوس إلى تأثير ولي العهد وقائد القوات الإماراتية في ابن سلمان، حيث شجع المسؤولون الإماراتيون محمد بن سلمان وأفكاره الإصلاحية، واقترحوا تعاونه مع شركة "ماكينزي أند كو"، وشركة "بوسطن كونسلتينغ غروب"، اللتين قدمتا النصح للإمارات، حيث استعان ابن سلمان بهما ليرسما خطته الإصلاحية.
وبحسب التقرير، فإن ابن سلمان، بصفته وزير دفاع، قام بالتخلي عن الاعتماد السعودي على الولايات المتحدة، وقرر شن حرب في اليمن، وساعدت الإمارات بالتخطيط للعملية، وأرسلت قواتها هناك، رغم شكوك الأمريكيين وولي العهد الأمير محمد بن نايف، الذي حذر من تأثير الحملة في الحرب ضد تنظيم القاعدة في هذا البلد.
وتلفت الصحيفة إلى أن موقع ابن سلمان تعزز في نيسان/ أبريل 2015، عندما أصدر الملك سلمان مرسوما أعفى فيه الأمير مقرن من منصبه، وبهذا انتقل ابن نايف للمرتبة الثانية، وحل محله في المرتبة الثالثة ابن سلمان، مشيرة إلى أن تلك الخطوة كانت مثار غضب بعض أمراء العائلة، الذين وإن شكوا بقدرة مقرن على أن يصبح ملكا، إلا أنهم عبروا عن خشيتهم من تغيير سلم القيادة مرة أخرى، وتنصيب محمد بن سلمان.
ويتحدث الكاتب هنا عن مواقف الأمير من روسيا، حيث أخبر مسؤولين أمريكيين في أيار/ مايو 2015، بأنه لا يرتاح لألاعيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لافتا إلى أن ها لم يمنعه من زيارة سانت بطرسبرغ في حزيران/ يوليو، حيث قام الروس بالتوسط بزيارة لمدير المخابرات السورية علي مملوك إلى الرياض في تموز/ يوليو؛ للبحث في طرق لإنهاء الحرب الأهلية، لكن لم يتم التوصل إلى نتيجة.
ويجد التقرير أن تقليل سلطات الأمير ابن نايف زادت في العام الماضي، حيث لم يعد لديه ديوانه الخاص، ما عنى مشاركة الملك في ديوانه، الذي يسيطر عليه محمد بن سلمان، مشيرا إلى حادث عزل سعد الجبري، أحد مساعدي ابن نايف.
وتنقل الصحيفة عن مسؤول أمريكي، قوله إن الجبري كان في زيارة للولايات المتحدة، حيث قرر المرور على صديقه مدير "سي آي إيه" جون برينان، دون إبلاغ الملك، الذي قرر عزله عندما علم بذلك، لافتة إلى أنه بحسب دبلوماسي عربي، فقد جاء عزل الجبري لاتهامه بإقامة علاقات مع الإخوان المسلمين، وهو اتهام يقول المسؤولون الأمريكيون إنه لا أساس له.
ويقول إغناطيوس إنه نظرا لعزل مساعد ابن نايف الموثوق، فقد انعزل ولي العهد، وتأثر بشكل كبير، حيث قال المسؤولون الأمريكيون إنه يعاني من وضع غامض، وصفوه بـ"مشكلات صحية"، وقضى في كانون الأول/ ديسمبر ستة أسابيع نقاهة في الجزائر، ويقول المقربون منه إنه عاد بعزيمة جديدة، وضغط في آذار/ مارس باتجاه تعديل استراتيجية استهداف تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة في اليمن.
ويتساءل التقرير عن مصير العرش في السعودية، وفيما إن ظل التوازن قائما بين ولي العهد ونائبه، وفيما إن تم العمل بالترتيب، في حال مغادرة الملك سلمان المشهد، مشيرا إلى الشائعات التي انتشرت بداية العام الحالي عن تغيير في طبيعة الترتيب، وهو ما أثار قلق الأمريكيين، الذين تلقوا تطمينات أن لا تغيير في الوضع، لكن الشائعات عادت من جديد هذا الشهر، ووصفت التوتر بأنه وصل حدا لا يوصف.
وتتساءل الصحيفة عما "إذا كان ابن سلمان قادرا على تغيير التحالف بين آل سعود والمؤسسة الدينية المحافظة، حيث إن هذا التحالف هو الذي أدى إلى ولادة المملكة، وأضعفها في الوقت ذاته، وقام ببعض التحركات، منها المرسوم الملكي في نيسان/ أبريل، الذي يمنع المطاوعة من اعتقال الناس، ويعد مستشاروه بخطوات أخرى قريبة، مثل إنشاء دور سينما ومتاحف، وعرض للفن الغربي واختلاط بين الجنسين".
ويستدرك الكاتب بأن "الأمير حذر، فهو لا يريد أن يعطي المتطرفين مبررا، من خلال التعجل بالخطوات، وفي الوقت الذي تحاول فيه إدارة أوباما تجنب اتخاذ مواقف في لعبة القصر ومؤامرته، إلا أنها تتفق على ما يبدو بأن أجندة ابن سلمان تمنح السعودية نقطة التحول التي تحتاج إليها".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالقول: "يأمل المسؤولون الأمريكيون بألا يتحرك الأمير المندفع، والمتعجرف أحيانا، سريعا؛ حتى لا يسقط ويأخذ معه استقرار المملكة السياسي".