عمليات طعن مستمرة ينفذها فلسطينيون في الأرض المحتلة، وعمليات دهس من حين لآخر ومواجهات شبه يومية لا تتوقف مع قوات الاحتلال، ورشق سيارات المستوطنين بالحجارة والانتفاضة في تصاعد مستمر لا تهدأ، وفي تطور لاحق تم إطلاق النار على مستوطن صهيوني وقتله واتضح بعد ذلك أنه حاخام وابن عم مدير المخابرات الصهيونية، ومن ناحية أخرى لا تتوقف إجراءات القمع التي تقوم بها قوات الاحتلال ضد مسلمي فلسطين من اقتحامات يومية واعتقالات، وهدم منازل وعمليات إعدام ميداني، وحشية لا تقتصر فقط على الرجال كتلك التي نفذتها قوات الاحتلال ضد إحدى المقاومات في الحرم الإبراهيمي.
عمليات الانتفاضة لم تهدأ في رمضان بل ازدادت اشتعالا، وتخللتها مواجهات مع قوات الاحتلال التي حاولت منع المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى لإحياء ليلة القدر، واستشهد على إثر ذلك اثنان وانتهت المواجهات بمشهد مهيب، رأينا فيها المصلين يقفون فوق أسطح السيارات يصلون حين امتلأت ساحات المسجد بالمصلين، ولم يعد هناك موطئ لقدم، ووصل العدد حسب بعض التقديرات إلى حوالي 400 ألف، في ليلة بدأت بالمواجهات الدامية وانتهت عند أنوار المسجد الأقصى بالتكبير.
نحن بصدد وضع تشتعل فيه فلسطين وتخوض فيه مواجهة حقيقية لا مزاح فيها مع الاحتلال الصهيوني. تطور جديد في المنطقة لا يقل أهمية عن تداعيات الثورة السورية وعملياتها اليومية، التي تخوضها ضد عصابات نظام بشار وداعميه الدوليين والإقليميين، تطور قد يقلب الطاولة على حكومة العدو التي أصبحت تتصرف كما لو كانت اللاعب الوحيد في المنطقة، بعد أن أخرست صوت مصر بتعيين أحد خدمها شاويشا للانقلاب، وبعد أن اطمأنت إلى أن روسيا وإيران تقومان بمساندة نظام السفاح بشار حتى لا يسقط.
في الوقت الذي ظن فيه العدو أنه نجح في إخماد الحرائق التي قاربت على الاشتعال ضده في مصر وسوريا، أمسكت النار بملابسه واشتعلت الانتفاضة في فلسطين المحتلة.
وإذا عدتَ قليلا للوراء لتتذكر رد فعل الإعلام العسكري في مصر تجاه بدايات اشتعال الانتفاضة، واستمعت لإبراهيم عيسى صحفي الانقلاب وهو يدين عمليات الطعن ويسخر منها، لأدركت أن ما يحدث في فلسطين يوجع أذناب الاحتلال الصهيوني في مصر.
استمع إلى ما قاله أحد شيوخ النظام الأردني حين سخر من عمليات الطعن، في التوقيت نفسه الذي سخر فيه إبراهيم عيسى من عمليات الطعن، ثم تابِع ما تقوم به حكومة عباس من تنسيق أمني مع العدو، وتَغَلّّب على اشمئزازك واقرأ كيف تفاخر مدير مخابرات سلطة عباس بإحباطهم لعدة عمليات فلسطينية ضد قوات الاحتلال، لتدرك أن حملة السخرية الإعلامية الممنهجة في مصر والأردن ضد الانتفاضة لم تكن صدفة، وأنها بدأت بتنسيق حقيقي خلف الستار بين كل هؤلاء وربما بأوامر صهيونية صريحة.
وربما لا نستغرب تجاهل إعلام العسكر في مصر للانتفاضة، فهم من ناحية يرغبون في طمس قضية فلسطين وطيها، فأخبار الانتفاضة تزعجهم كما تزعج أولياء نعمتهم وأسيادهم في تل أبيب، ومن ناحية أخرى ربما يخشى الانقلاب من خطر تصدير نموذج المقاوم الفلسطيني إلى مصر.
الأمر الجدير بالاستغراب حقيقة، هو موقف الإعلام العربي الباهت من الانتفاضة، فالتغطية الإعلامية لا تزيد عن سطور في صحيفة أو خبر في نشرة متلفزة. تلمح تكاسلا اعلاميا متزامنا (وبدرجات متفاوتة) في معظم وسائل الإعلام العربية، وتم إزاحة أخبار الانتفاضة إلى زاوية بعيدة لا يصل إليها الضوء إلا قليلا. وربما ركزت بعض وسائل الإعلام على الجانب الحقوقي لأسر الأسرى (وهو مهم بلا شك)، على حساب جانب التحليل والتعريف بعمليات المقاومة اليومية على سبيل ذر الرماد في العيون.
وفي المقابل، تقرأ في المواقع الإخبارية عن (هواية التفحيط) وعن البطيخة المجنحة التي اكتشفت على سطح المريخ، أو إطلالة الفنانة (تفيدة تفيد) في حفل خيري اُقيم لجمع التبرعات لزيادة الرقعة الزراعية من نبات الكرفس.
أي أخبار والسلام، المهم ألا تذكر أخبار الانتفاضة وألا تتناولها بالتحليل وأن تتجاهلها وتعطيها ظهرك.
لماذا يتم التعتيم على أخبار فلسطين، ولماذا لا تنال الانتفاضة الفلسطينية حقها من التغطية الإعلامية في وسائل الإعلام العربية وهي قضية المسلمين الأولى؟
هل تراجع الاهتمام بفلسطين مرة واحدة وبهذا التنسيق في جميع وسائل الإعلام العربي، أم إن وراء هذا التجاهل المتزامن ما وراءه؟