نشر موقع "ديلي بيست" تقريرا، أعده الصحافي والزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى نيري زيلبر، حول الدور
الإسرائيلي في الحرب الأهلية السورية، ويتحدث فيه عن إمكانيات دعم إسرائيل لطرف في الحرب الجارية هناك منذ أكثر من خمسة أعوام.
ويقول الكاتب إن "علامات الحرب تظهر عندما يمعن الشخص النظر من مرتفعات
الجولان إلى الجانب السوري؛ قرى تعرضت للقصف، وغابات تم قطعها بشكل سريع؛ لاستخدام خشبها في النار، ومعسكرات للاجئين، وفوق هذا كله هناك منطقة هادئة، وتبدو قرية مهجورة قريبة من الحدود، فارغة من السكان باستثناء راع وغنمه وشاحنة أو شاحنتين تتحركان في المدى البعيد".
ويضيف زيلبر: "تغير هذا عن الأعوام الماضية، عندما كان يتدفق (سياح الحرب) من إسرائيل والخارج إلى هذه النقطة من جبهة القتال للجلوس في المقاعد الأمامية، ومراقبة أسوأ عرض على وجه البسيطة؛ أعمدة الدخان الرمادية من قنابل الهاون، ويستمعون لصوت إطلاق النار، والمواجهات بين الفصائل السورية".
ويتابع الكاتب قائلا إن "الضباط الإسرائيليين كانوا في بداية الحرب يجلسون في مقهى عنان، على مرتفع بينتال (مرتفع الغرام)، الذي يطل على سهول الجولان، وكانوا يراقبون من خلال مناظيرهم ما يمكن للشخص وصفه بأنه (مختبر الرعب) تحتهم، وفي بعض الأحيان تجاوزت (التجارب) في هذا المختبر إلى الطرف الإسرائيلي، وأدت المقذوفات الصاروخية، والأسلحة الخفيقة، والمتفجرات على الحدود، إلى جرح عدد من جنود الجيش الإسرائيلي، وقتل إسرائيلي على الأقل".
ويمضي زيلبر قائلا إن "الجبهة ظلت هادئة، رغم وجود
تنظيم الدولة، وجبهة
النصرة على الجانب الآخر من الحدود، حتى وصول بعض قذائف الهاون، التي ضلت سبيلها، وطائرة دون طيار مجهولة".
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن ضابط في القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي قوله إن "لبنان هي الجبهة الأكثر تفجرا، وغزة هي الجبهة المباشرة، أما الجولان فهي الجبهة الأكثر دينامية".
ويعلق الموقع بأن "هذه الدينامية توضح السبب الذي لم يدفع بعد المعارضة السورية، معتدلة كانت أم جهادية، أم من تنظيم الدولة، لقصف إسرائيل، وقد تفسر الهدوء الأخير، والاستراتيجية الإسرائيلية المتطورة، بما يتعلق بالجبهة في الجولان، فبعد نصف عقد تقريبا من مراقبة الحرب الأهلية، فهل إسرائيل تعد العدة لدعم طرف فيها؟".
ويبين الكاتب أنه "عندما يتم الحديث عن مرتفعات الجولان، فإن الدينامية تعني للجيش الإسرائيلي تل الحارة، الذي يمتد على عدة كيلومترات داخل الأراضي السورية، وظل المرتفع ولعقود موقع القيادة للجيش السوري، والنقطة الرئيسة للمخططين الحربيين الإسرائيليين".
ويورد التقرير نقلا عن مسؤول عسكري إسرائيلي بارز، قوله: "لقد تلقيت لسنوات تدريبا للسيطرة على الهضبة، والكثير من العرق نزف من أجلها"، وأضاف أن "المقاتلين السوريين سيطروا عليها بمجموعة من الرجال" في نهاية عام 2014، بعد حصار طويل.
ويشير الموقع إلى أن مرتفعات الجولان بعد سيطرة إسرائيل عليها عام 1976، ظلت هادئة، وبقيت كذلك طوال الأربعين عاما الماضية، حيث راقبت القوات الإسرائيلية والسورية بعضها عبر المنطقة المنزوعة السلاح، التي تراقبها قوات فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة، مستدركا بأنه رغم ذلك، فإن حكومة
الأسد والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حافظت على الهدوء، إن لم يكن السلام، في الوقت الذي اندلعت فيه الحروب والمواجهات في لبنان والأراضي الفلسطينية، وظل أمل تحقيق السلام على الطاولة، من خلال مبادلة الجولان مع تطبيع كامل في العلاقات بين
سوريا وإسرائيل.
ويعلق زيلبر بالقول إن "المستوطنين اليهود، البالغ عددهم 40 ألف نسمة، والعرب الدروز، فرحوا لعدم نجاح هذه الجهود، بل يبدو كأن السلام يمت لزمن ماض، بعد الحال الذي وصل إليه النظام السوري".
ويلفت التقرير إلى أن مرتفعات الجولان بمناطقها المفتوحة كانت قبل الحرب الأهلية المجال الجيد للمناورات، التي كان يعقدها الجيش الإسرائيلي، مشيرا إلى أنه لم يكن في المنطقة سوى فرقة مدرعات، تركز بشكل محدد على التدريب.
وينقل الموقع عن أحدهم قوله ساخرا: "كانت هناك ألغام أكثر من الأبقار، وأبقار أكثر من الناس"، ويضيف أن حراسة الحدود مع سوريا لم تعد مهمة مخصصة لجنود الاحتياط، بل لفرقة مكرسة ومدربة بشكل جيد، وهي "البشان"، التي نظمت في الجولان، وتتكون من وحدات مدفعية ومدرعات، ووحدة جمع معلومات استخباراتية خاصة، ووحدة نخبة قتالية من المشاة "تم اختيارها من قوات المظليين"، وتم استبدال السياج القديم بحاجز طويل مزود بالتكنولوجيا المتقدمة وأجهزة الاستشعار والحديد السميك.
ويقول الكاتب إن أحد قادة الجيش سأله عن سبب عدم رؤيته جنودا يحرسون الحدود، وقال إن الجنود عرضة للهجمات و"نحن الآن بعيدون عن السياج"، ويعلق زيبلر بأن "هذا تحول في طريقة تعامل الجيش الإسرائيلي مع الحدود، ففي زيارات سابقة كان الشخص يرى الجنود في مواقعهم، وهم يقودون عرباتهم في الطرق الترابية القريبة من السياج، وبحسب أرقام الجيش الإسرائيلي، فإنه تم استهداف دوريات الحراسة منذ عام 2011 في ست مناسبات، ولا يثق الجيش الإسرائيلي هذه الأيام إلا بقدراته على جمع المعلومات الاستخباراتية، والتحكم بأرضه، وقام في الوقت ذاته باتخاذ إجراءات تقليدية ضد ما تراه إسرائيل تهديدا خطيرا، وهو السيارات المفخخة، كتلك التي يستخدمها فرع تنظيم الدولة على الحدود المصرية الإسرائيلية، وكمثال على هذا الخطر، الحادث الذي جرى على الحدود السورية الأردنية، حيث قاد أحدهم حافلة صغيرة محشوة بالمفتجرات بسرعة كبيرة، اخترقت السياج الفاصل بين الأردن وسوريا، وقتل ستة جنود أردنيين".
ويفيد التقرير بأن "هذا الحادث دعا إسرائيل للحذر، خاصة أن دبابات جيش النظام السوري حلت محلها عربات البيكب للمقاتلين، ومع ذلك لم يحدث هجوم من المعارضة على الحدود مع إسرائيل، وهذا لا صلة له بدبابات الـ(ميركافا) الإسرائيلية، المتمركزة على الجانب الآخر من الحدود، لكنه متعلق بالدور الذي تؤديه إسرائيل في توفير العلاج للجرحى في المواجهات السورية".
وينقل الموقع عن أحد ضباط الجيش مشيرا إلى قرية سورية مقابلة، قوله: "لو أصابك التهاب في اذنك هناك فإنك ستموت".
ويعلق زيلبر قائلا: "كما هو معروف فإن إسرائيل تقدم العلاج للمقاتلين، ومنهم عناصر في جبهة النصرة، وتلقى أكثر من ألفي مقاتل العلاج في المستشفيات الإسرائيلية، حيث يتم إجلاء الجرحى بناء على اتفاق بعدم التحقق من هوية الجرحى، وعدم التحقيق معهم عندما ينقلون إلى المستشفيات الإسرائيلية، ويقول مسؤول بارز إن خلف هذه المساعدة الطبية (منطقا عسكريا وأخلاقيا واضحا) وكذلك تعد (جهودا إنسانية كبيرة) جارية في الجولان؛ لمساعدة السكان في القرى القريبة من الحدود مع إسرائيل".
وينوه التقرير إلى أنه بحسب تقارير إسرائيلية، فإن إسرائيل أنشأت نقطة تنسيق؛ للتواصل مع السكان المحليين، حيث أوصلت إليهم شاحنات محملة بالمواد الغذائية بداية العام الحالي، ويعلق ضابط في الجيش الإسرائيلي قائلا إن "مطالب السكان المحليين هي المفتاح الرئيسي، فهم يريدون مواصلة حياتهم اليومية، ونحن نريد إبعاد الإرهاب عن الحدود الإسرائيلية"، مشيرا إلى أن جهود كسب العقول والقلوب يبدو أنها نجحت.
ويقول الموقع إن "القوى الموجودة في الجولان مقابل الجيش الإسرائيلي هي محلية، وأهدافها محلية، (أبناء المكان)، كما يقول ضابط إسرائيلي، ويمكن تصنيف القوى المسلحة في جنوب سوريا بناء على مستويات عدة من الخطورة، من كتائب شهداء اليرموك المرتبطة بتنظيم الدولة والأخطر، إلى الجماعات المعادية للأسد المعتدلة، وبين هذه الجماعات هناك جبهة النصرة، التي تتنافس بشدة مع كتائب شهداء اليرموك".
ويورد الكاتب أن مسؤولين أمنيين إسرائيليين يرون أن مقتل قائد كتائب شهداء اليرموك المحلي، المعروف بالخال، عن طريق سيارة مفخخة، على يد جبهة النصرة، دفع تنظيم الدولة لإرسال قيادات من خارج المنطقة إلى جنوب سوريا، مشيرا إلى أن هذه القيادات قادرة على "ضرب سوريا والأردن" إن أرادت، كما نقل عن قيادي إسرائيلي قبل أسبوع من حادث التفجير على الحدود الأردنية.
ويرى زيلبر أن جبهة النصرة لديها استعداد لبناء تحالفات مع القوى المحلية، وذهبت بعيدا في توزيع القرى التي سيطرت عليها على الفصائل المسلحة الأخرى.
ويرى الكاتب أن "فصائل سورية استفادت من الدعم الإسرائيلي الطبي والإغاثي، والحماية من ضربات الأسد؛ لمجرد وجودها قريبة من الحدود الإسرائيلية؛ والدليل على ذلك معسكر للاجئين قريبا من السياج، حيث يقول الضابط الإسرائيلي: (يعرفون أنهم آمنون قريبا ووراءهم إسرائيل)، ويستدرك قائلا: (لكن هناك خطا رقيقا بين عدم التدخل والدفاع، عندما ينظر إليك على أنك تدعم طرفا، ولهذا تداعيات)، ولهذا يواصل المسؤولون الإسرائليون سياسة تجنب التدخل في المستنقع السوري، وفي الوقت ذاته يقومون ببناء علاقات على الأرض، والمثال الأكبر هو معبر القنيطرة، الذي ظل مفتوحا لطلاب الجامعات من القرى الدرزية، والعاملين في حقول التفاح، ومراقبي الأمم المتحدة، وفي آب/ أغسطس 2014، قام تحالف من المعارضة بالسيطرة عليه".
وينقل التقرير عن مسؤول إسرائيلي قوله إن قبيلة محلية معتدلة تسيطر على الكوخ الأبيض، الذي يفصل ما بين إسرائيل وسوريا.
ويشير الموقع إلى أن المعبر يظل الطريق المثالي لإرسال سيارات مفخخة باتجاه إسرائيل، مستدركا بأن سيطرة المعارضة المحلية المعتدلة عليه الآن، وليس تنظيم الدولة، أو النظام، تجعل إسرائيل مطمئنة، ولديها خطط عندما يتغير الوضع.
خسارة لحزب الله
ويجد زيلبر أن "خروج معبر القنيطرة يعد واحدا من الخسائر العديدة لحلفاء النظام، إيران وحزب الله، ولم يبق لدى حلفاء النظام إلا منطقتان في الجنوب السوري، قرية الخضر والقنيطرة الجديدة، وكانتا نقطتين لضرب قذائف هاون على إسرائيل، وكالعادة ردت الأخيرة بهجمات صاروخية، واستهدفت المواقع بغارات جوية، وعلاوة على ذلك، فإنه يعتقد أن إسرائيل تقف وراء أكثر من غارتين داخل العمق السوري، حيث استهدفت عملاء إيرانيين ولحزب الله، مسؤولين عن جبهة الجولان، وقتلت غارة في بداية هذا العام المسؤول العسكري لحزب الله في سوريا مصطفى بدر الدين، وقال الضابط البارز: (في كل مرة يقتل فيها رجل منهم، فإنه يعد أمرا مساعدا) دون أن يشير إلى مسؤولية إسرائيل عن الغارة".
ويلفت التقرير إلى أن بلدة الخضر تظل حالة خاصة حول ما يمكن أن يحققه الدعم الإنساني في إبعاد الناس عن الإرهاب، مع أن إسرائيل ترفض الحديث عما يعنيه التعاون مع قرية موالية للنظام.
ويتوصل الموقع إلى أنه "بناء على ما سبق، فإن جبهة الجولان تمثل المنطقة الأكثر دينامية وتعقيدا، رغم أن أحدا لا يعرف متى سيوجه تنظيم الدولة ضربته، ومع ذلك تجد إسرائيل في التعقيد فرصة، وكان رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الجنرال هيرزي هاليفي تحدث بداية الصيف، قائلا إنه (لا يوجد رجال أخيار وأشرار في سوريا، أو فرسان بيض وسود)، مستدركا بأن السيناريو الأسوأ لإسرائيل هو ظهور المحور المؤيد للنظام منتصرا في نهاية الحرب".
ويورد الكاتب إن مدير الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يالدين، دعا في مقالين له إسرائيل لأداء دور نشط في الحرب السورية، والتخلي عن موقفها المتمثل بعدم التدخل، بطريقة تؤدي إلى هزيمة عدويها اللدودين: إيران وحزب الله، ودعا لتحقيق ذلك إلى تقديم الدعم للعناصر المعادية للأسد، وزيادة المساعدات الإنسانية، وجبهة موازية لكتائب شهداء اليرموك، وكتب قائلا: "عندما ستتم هزيمة الأسد في النهاية، فإنه من المهم أن يعرف العرب والمسلمين أن إسرائيل تقف على الجانب الصحيح من الصراع، وأنها عملت بشكل صائب من الناحية الأخلاقية والاستراتيجية".
ويقول ريلبر إن "النقاش في إسرائيل حول الشيطان الذي نعرف (الأسد)، والذي لا نعرف (الجهاديين والمتطرفين) يتغير، وتحالف كهذا لن يكون دون صعوبة، وعندما سأل مذيع قناة الجزيرة مدير الموساد السابق أفرايم هاليفي عما إذا توقع ردود فعل سلبية من مقاتلي جبهة النصرة، الذين تقدم إسرائيل لهم العلاج، رد هاليفي بالرفض، وقال: (لا أعتقد أنه ستكون هناك ردود فعل سلبية، ولسوء الحظ فإن قواعد اللعبة في سوريا تجعلك تفعل اي شيء لا يمكنك عمله في مكان آخر)".
ويجد التقرير أن هناك أدلة على لعب إسرائيل بقواعد لا يمكن لعبها في أماكن أخرى في مرتفعات الجولان، لافتا إلى أن الهدوء المتزايد هو دليل فاعليتها في الوقت الحالي.
ويختم "ديلي بيست" تقريره بالإشارة إلى تصريح لضابط إسرائيلي كان ينظر إلى القرى المدمرة، قائلا: "لو كانوا حلفاءنا، فربما تحقق السلام على قطعة من الأرض لا الدولة".