نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا للكاتب سكوت بيترسون، يقول فيه إن التعاون الروسي
الإيراني في
سوريا، الذي يمثل تعاونا غير مسبوق بين إيران وقوة أجنبية، يخفي وراءه هدفا أخر أكبر.
ويقول الكاتب إن "انطلاق الطائرات الروسية من القاعدة العسكرية في همدان جنوب غرب العاصمة طهران، يكشف عن تعاون غير مسبوق بين الدولتين، وكان الكرملين أعلن عن قيام مقاتلات (سوخوي- 34) بضرب مواقع تابعة لما يطلق على نفسه الدولة الإسلامية، وجماعات أخرى معارضة لنظام بشار
الأسد، الذي يحظى بدعم كل من موسكو وطهران".
ويضيف بيترسون أن "التعاون الوثيق بين البلدين يعمل من جهة على استهداف معارضي الأسد، ومن ضمنهم جماعات مدعومة من الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، فإنه يرسل رسالة إلى أمريكا في وقت وصل فيه القتال في مدينة حلب المقسمة إلى نقطة الحسم".
ويعلق الكاتب قائلا إن "قرار إيران السماح لقوات أجنبية بالعمل على أراضيها للمرة الأولى منذ الثورة الإسلامية في عام 1979، وبالنسبة للروس فهي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، هو تعبير عن رغبة إيرانية للتأكد من إنجاز استراتيجي في سوريا، التي استثمرت فيها المال، والقوى البشرية، بما في ذلك مقتل 400 من الحرس الثوري، بينهم جنرالات كبار، حتى لا تضيع هذه الجهود هباء".
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه "بالنسبة لروسيا، فإن نشر مقاتلاتها في قاعدة شهيد نوجه الجوية غرب إيران، يؤكد حساباتها المتعلقة بتعزيز وجودها العسكري قبل عام تقريبا من القاعدة الجوية في اللاذقية، وأنه مهم في حرف ميزان الحرب لصالح الأسد".
وترى الصحيفة أن التعاون القريب بين البلدين يساعد على كسر العزلة التي فرضتها الولايات المتحدة والغرب عليهما، ويؤدي إلى توسيع تأثيرها الإقليمي، من خلال القوة العسكرية.
وينقل بيترسون عن المحلل العسكري في صحيفة "نوفيا غازيت" الصادرة في موسكو بافل فيلغينهور، قوله: "هذا يعني أن بقاء الأسد في السلطة مهم لإيران وللمتشددين الإيرانيين أيضا، خاصة أنهم يسمحون لجيش دولة كافرة بالعمل على ترابهم المقدس"، ويضيف فيلغينهور أن "الأهداف الروسية الإيرانية في سوريا تبدو أكثر قربا من الأهداف الأمريكية الروسية هناك"، مشيرا إلى أنه شعر بالدهشة من الصراحة التي أعلنت فيها وزارة الدفاع الروسية "أننا في إيران، خاصة أن الجيش الروسي يتسم بالسرية، وهو ما يشي بأن قرارا سياسيا يظهر للعالم أن
روسيا وإيران تتعاونان عسكريا".
ويشير التقرير إلى أن الطائرات الروسية تقوم منذ تشرين الثاني/ نوفمبر بطلعات من قاعدة موزدوك الجوية في جنوب روسيا، حيث كانت الرحلة تقطع 650 ميلا إلى حلب ثم تعود إلى قاعدتها، وهي رحلة أطول من رحلة شن غارات من قاعدة همدان الجوية، مستدركا بأنه ينبغي على الطائرات الروسية تجنب تركيا، وأهداف في شرق سوريا والعراق، في حال قرر الروس استهداف مواقع تنظيم الدولة، ومن هنا فإن وجودهم في إيران يساعدهم، وفق التقرير.
ويلاحظ فيلغينهور أن التحليق من إيران يعني حمل المقاتلات المتفجرات في قدرتها القصوى، أي 24 طنا، وهو أكثر من الحمولة التي تحملها الآن في الرحلة الطويلة من روسيا إلى سوريا، ويعلق قائلا: "هذا أمر مهم طبعا؛ لأنهم يقومون بقصف سوريا بشكل شامل، فكلما كان معك قنابل استطعت تغطية مناطق"، ويضيف فيلغينهور: "من المهم في هذه المرحلة المحورية في معركة حلب زيادة روسيا لقدرات حمل القنابل؛ لتقوم بضرب المعارضة السورية".
وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤول إيراني بارز قوله إن الترتيبات الجديدة متعلقة بسوريا فقط، مستدركا بأنها "استراتيجية"، وفيها "تحذير للدول الداعمة للإرهاب"، في تلميح مبطن للولايات المتحدة وحلفائها الساعين إلى الإطاحة بالأسد، ويقول رئيس مجلس الأمن القومي علي شمخاني إن التعاون الإيراني الروسي جعل الحياة صعبة بالنسبة "للإرهابيين"، إلا أن التعاون الجديد "سيتواصل حتى يتم سحقهم بالكامل".
ويلفت الكاتب إلى أن الولايات المتحدة عدّت هذا التطور "مؤسفا"، ويأتي في وقت صرح فيه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويجو أن بلاده دخلت في "مرحلة نشطة" مع الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بمدينة حلب، مشيرا إلى حساسية موضوع الوجود الروسي في إيران، حيث عارضت الثورة الأيديولوجية النفوذ السوفييتي والتاثير الأمريكي في أثناء الحرب الباردة، ومن هنا ذكر رئيس البرلمان النواب علي لاريجاني يوم الأربعاء أن الدستور يحرم بناء قاعدة عسكرية أجنبية على التراب الإيراني، وأن إيران لم "تقدم القاعدة للروس"، وقال إن التعاون الإيراني الروسي هو نتاج "لأزمة الإرهاب، التي خلقتها بعض الدول المدمرة في المنطقة والولايات المتحدة، وعليه فإننا نرى أن الروس عثروا على الحل الصحيح للمنطقة".
ويفيد التقرير بأن مدير معهد الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في طهران كيهان بيرزجر، نفى أن يكون التحالف الجديد موجها لطرف ثالث، وأكد طبيعته الظرفية، وقال إنه "ليس تحالفا ضد دولة ثالثة، مثل الولايات المتحدة، أو السعودية، أو تركيا"، وأضاف بيرزجر: "صحيح أن أخذ زمام القيادة في قتال تنظيم الدولة وتدميره في سوريا سيترك آثارا جيوسياسية واسعة على الدول المنافسة، إلا أن موسكو وطهران لم ترغبا أبدا باستبعاد اللاعبين الآخرين عن المشهد السوري"، وأشار إلى أن "التعاون العسكري يهدف إلى زيادة فرص الحل السياسي، لا ربح الحرب بطريقة حاسمة، وعليه يجب ألا تشعر الولايات المتحدة وحلفاؤها، إن كانوا مهتمين بهزيمة تنظيم الدولة، بالقلق حول التداعيات الاستراتيجية طويلة الأمد".
وتنوه الصحيفة إلى أن العلاقات الإيرانية الروسية اتسمت بالبرود والدفء والبراغماتية في معظم الأحيان، بناء على الأجندات المتقلبة والعلاقات مع الولايات المتحدة، حيث ساهم الروس ببناء المفاعل النووي الوحيد في بوشهر، الذي تأخر سنوات بسبب الاختلافات المتكررة على الدفعات المالية، التي لا تظهر إلا عندما تحاول روسيا التقرب من الولايات المتحدة.
وبحسب التقرير، فإن إيران لم تدعم المقاتلين الشيشان ضد الروس في التسعينيات من القرن الماضي، مع أنها قدمت الدعم لمقاتلين في مناطق أخرى، ومع ذلك فقد صوتت روسيا لصالح فرض العقوبات التي أقرها مجلس الأمن؛ بسبب نشاطات إيران النووية، منوها إلى أنه في بداية هذا العام، ومع بدء تخفيف شروط العقوبات، وافقت روسيا على بيع نظام مضاد للصواريخ "أس-300"، وقالت تقارير صحافية إيرانية إن النظام الصاروخي المهم لحماية المنشآت النووية قد تسلمته إيران.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى توقع فيلغنيهور إمكانية "توسيع الحملة الجوية الروسية في العراق"، وقال إن "هذا الأمر ليس متصلا بسوريا فقط، فهي مهمة، لكن هناك أمرا آخر مهما، وهو أن روسيا تريد نشر تأثيرها في المنطقة كلها، وإقامة قواعد في المنطقة كاملة، وإخراج الأمريكيين، وأن تصبح هي القوة المهيمنة فيها".