نشر موقع "ديلي بيست" تقريرا للصحافي المخضرم روي غاتمان، يحاول فيه الإجابة عن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، حول سبب صمت الحكومة الأمريكية تجاه الأدلة المتزايدة على استهداف
روسيا المتعمد للمدنيين السوريين، بالقنابل العنقودية، والأسلحة المضادة للأفراد.
ويقول الكاتب إن تقريرا لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" يوثق إلقاء الطائرات الروسية لقنابل عنقودية على سوق شعبية للوقود، خارج قرية ترمانين في محافظة إدلب، يوم 11 تموز/ يوليو، ما أسفر عن مقتل 10، وجرح أكثر من 30 شخصا، مشيرا إلى أن الضحايا كانوا كلهم من المدنيين، وبينهم مسعفان.
ويشير التقرير إلى أنه بحسب "هيومان رايتس ووتش"، فإن ثلاث طائرات، اثنتان من طراز "إس يو 34"، التي لا تستخدمها سوى القوات الجوية الروسية، والثالثة من طراز "إس يو 24"، التي تسخدمها القوات الجوية الروسية والقوات الجوية السورية، قامت بشن ثماني غارات؛ استخدمت في أول غارتين قنابل عنقودية، وهي عبارة عن خزانات كبيرة، تحتوي على عشرات القنابل الصغيرة، التي قد لا تنفجر ابتداء، لكنها قد تقتل وتشوه بعد أيام أو أشهر، أو حتى بعد سنوات.
ويذكر الموقع أن "هيومان رايتس ووتش" أشارت إلى أن القنابل العنقودية "عشوائية بطبيعتها، واستمرار الغارات على الهدف ذاته، حتى بعد وصول فرق الإسعاف، يجعل هذا الهجوم غير قانوني".
ويعلق غاتمان قائلا إن "روسيا لم توقع على الاتفاقية الدولية التي تحظر القنابل العنقودية، لكنها موقعة على اتفاقيات جنيف 1949، التي تعد الهجمات العشوائية انتهاكا خطيرا، وكذلك أمريكا وسوريا، وتتطلب الاتفاقيات من الموقعين التمسك بالقواعد المنصوص عليها، والتأكد من عدم خرق الآخرين لها".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى احتواء تقرير "هيومان رايتس ووتش" على شهادات للدور الذي أدته طائرات "إس يو 34"، مشيرا إلى أن هناك فيديوهات صورت الهجوم، بالإضافة إلى أن مواقع إنترنت روسية قالت إن الطائرات الروسية قامت بالغارات.
ويجد الموقع أن "هذه الأدلة تثير التساؤل الآتي: هل لدى الولايات المتحدة، التي لديها عملية رصد جوية مكثفة في المنطقة، علم بالدور الروسي في الهجمات؟ وإن كان الأمر كذلك، فلم لم تقل شيئا؟".
وينوه الكاتب إلى أن موقع "ديلي بيست" سأل وزارة الخارجية الأمريكية قبل أن تنشر "هيومان رايتس ووتش" تقريرها بيوم، عما تعلمه عن الدور الروسي، وإن كانت الطائرات الروسية قصفت المنطقة في ذلك اليوم، وإن كانت استخدمت القنابل العنقودية في تلك المناطق، وهل تحدث ممثل أمريكا في اللجنة الأمريكية الروسية لمراقبة وقف إطلاق النار، وإن كان كذلك، فماذا كان رد الروس؟ مشيرا إلى أن الوزارة لم تجب عن الأسئلة.
ويعلق غاتمان قائلا إن "أحد أسباب الصمت الأمريكي تجاه الخروقات الروسية هو أن إدارة
أوباما صنفت المعلومات بأنها سرية؛ بهدف (حماية المصادر والأساليب)، لجمع تلك المعلومات، وكان مسؤول كبير في الإدارة أخبرنا في وقت سابق من هذا العام أن نشر هذه المعلومات (سيشكل سابقة في الإبلاغ عن الأنشطة العسكرية للقوى الأجنبية .. فأين نرسم الخط الفاصل؟)".
ويستدرك التقرير بأن "ذلك يترك الجواب عن السؤال عما إذا كانت الحكومة الأمريكية ناقشت القضية مع روسيا، وكيف ردت روسيا مفتوحا، ويطرح سؤالا أهم، وهو عما إذا كانت القوانين الدولية، التي وضعت بعد الحرب العالمية الثانية لتقنين الصراعات المسلحة، ستحترم عندما تنتهكها قوة عظمى، دون احتجاج علني من أمريكا".
ويشير الموقع إلى أن رد فعل الولايات المتحدة، منذ أن بدأت روسيا حملة الغارات الجوية في 30 أيلول/ سبتمبر، كان "عدم التدخل" إلى حد كبير، مستدركا بأنه رغم المناشدات العلنية للمعارضة السورية المعتدلة، وإلحاح الدول المجاورة، مثل تركيا، إلا أن أمريكا لم ترفع من مساعدتها للثوار المعتدلين، الذين تصلهم مساعدات عسكرية أمريكية، ولم تهدد حتى باستخدام القوة، أو أي إجراء آخر، يجعل التدخل الروسي أكثر كلفة.
ويذكر الكاتب أن الإدارة، بدلا من ذلك، فإنها سعت إلى تحقيق هدنة عن طريق ما أسمته وسائل دبلوماسية، تأمل بالتوصل إلى حل تفاوضي للصراع السوري، لافتا إلى أن وزير الخارجية جون كيري قام بالتفاوض بشكل مستمر مع المسؤولين الروس، أملا بأن يصل إلى اتفاق لإنهاء القتال، والعودة إلى المفاوضات في 1 آب/ أغسطس.
ويستدرك التقرير بأن الحكومتين الروسية والسورية كثفتا على مدى الشهر الماضي هجومهما على حلب، وهي كبرى المدن السورية، لافتا إلى أن جدول المفاوضات يبدو أنه دفع الآن إلى أواخر شهر آب/ أغسطس.
وبحسب الموقع، فإن القوات السورية، تساعدها القوات الإيرانية ومليشيات حزب الله، وبمساعدة الطيران الروسي، قامت بقطع آخر طريق إمدادات لآخر معقل للثوار في المدينة في 10 تموز/ يوليو، بالإضافة إلى محاصرة الجزء الشرقي من حلب، الذي يصل عدد سكانه إلى 300 ألف شخص، وقامت قوات النظام بتدمير أربع مستشفيات وبنك الدم والمختبر الوحيدين، وألقت بالبراميل المتفجرة وغيرها من الذخائر على المناطق السكنية.
ويقول غاتمان إنه "بالرغم من ذلك كله، فإن إدارة أوباما لم تلفت الانتباه بعد لأكبر حصار منذ حصار القوات الصربية لسراييفو بين عامي 1992 و1995، كما رفضت الإدارة خلال التدخل الروسي في
سوريا أن تقول إن كانت سوريا أم روسيا هي المسؤولة عن تدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والبنية التحتية، التي يحميها القانون الدولي".
ويفيد التقرير بأنه "في بدايات أيار/ مايو، عندما تمت مهاجمة مخيم للنازحين، رفضت روسيا التهم بأن طائراتها كانت مسؤولة عن الهجوم، وبعد أن هاجمت طائرات روسية وسورية عدة مستشفيات رئيسة في مناطق الثوار في حلب، تمت مهاجمة مستشفى في المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة السورية، واتهمت الحكومة وقتها الثوار بذلك، لكن الثوار قالوا إنهم لا يملكون أسلحة يصل مداها إلى ذلك المستشفى، وإن الحكومة هي من ضرب المستشفى؛ لتضفي صفة الإجرام على الثوار، أما وزارة الخارجية الأمريكية فتجنبت دائما الإجابة عن سؤال من هو المسؤول عن الهجمات".
ويبين الموقع أنه بالنظر لإمكانيات الولايات المتحدة الكبيرة في جمع المعلومات في المنطقة، خاصة ما يتعلق بحركة الطيران، فإن من شبه المؤكد أن واشنطن تعلم الذي يحدث من الجو، لافتا إلى أن الرفض الرسمي لتحديد المسؤولية يقوض جهود المنظمات والصحافيين، الذين يحاولون الوصول إلى الحقيقة.
ويكشف الكاتب عن أنه في حزيران/ يونيو، وبعد عدة طلبات للتوضيح، فإن مسؤولا في وزارة الخارجية أرسل ردا رسميا، قال فيه: "نظرت في المسألة مع فريقنا المتخصص بسوريا، ولم يتم التوصل إلى استنتاج أكيد لدى تقييم هذه الحوادث".
ويجد التقرير بأن هناك ما يشير بشكل متزايد إلى أن الإدارة شطبت حلب ومعها الثورة الشعبية ضد رئيس النظام السوري بشار
الأسد، مشيرا إلى أنه مهما كانت انتقادات أمريكا لروسيا عندما تدخلت في سوريا، فإن المسؤولين الآن وجدوها منطقية، حيث تقوم موسكو بإنقاذ حليف قديم لها.
وينقل الموقع عن مسؤول أمريكي، قوله في آذار/ مارس، إن روسيا تدخلت بعد أن رأت الثوار يتقدمون بسرعة كبيرة، حيث كان هناك قلق في روسيا من "نجاح كارثي محتمل"، مشيرا إلى أن التدخل الروسي أعاد سوريا إلى "حالة التوازن".
ويورد غاتمان نقلا عن وزارة الخارجية، قولها يوم الأربعاء إن تدخل موسكو يأتي في سياق التحالف طويل الأمد بين موسكو ودمشق، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي للصحافيين إن لدى روسيا "علاقة دفاعية تاريخية مع سوريا، تعود إلى ما قبل الصراع الحالي بكثير، حيث كانت لديهم قواعد وقوات وتواجد هناك، ولذلك لم تكن صدمة لأي شخص في وزارة الخارجية عندما أبدت روسيا اهتماما بمسار الأمور عندما تطورت الحرب الأهلية في سوريا".
ويختم "ديلي بيست" تقريره بالقول إن "السؤال المهم هو: لماذا لا تبدو واشنطن مهتمة بجرائم الحرب التي ترتكبها روسيا، كونها جزءا من (إبداء اهتمامها بمسار الأمور؟)".