كتب جوناثان ستيل تقريرا من طهران، نشره موقع "ميدل إيست آي"، يبحث فيه عن السبب الذي يجعل
الإيرانيين يقاتلون في
سوريا والعراق.
ويقول الكاتب إن سيد محمد حسيني جلس على كرسي حديدي، متأملا في عدد من قبور الرجال الإيرانيين، الذين خدموا مثله في سوريا، ونقل عنه ستيل قوله إنه قناص، وهو في إجازة لمدة شهر من الجبهة الشمالية في سوريا قرب حلب، لكنه ليس من ذلك النوع من الرجال الذين ينسون
الحرب أثناء الإجازة بعيدا عن الجبهة.
ويقول حسيني للموقع: "آتي هنا كل جمعة أثناء إجازاتي، وسأعود إلى حلب بعد أسبوع"، وكان حسيني يتحدث مع ستيل تحت ظل أشجار في مقبرة بهشتي الزهراء، التي تبعد 24 كيلومترا جنوب غربي العاصمة الإيرانية، ودفن في المقبرة آلاف الرجال الإيرانيين الذين قتلوا أثناء الحرب
العراقية-الإيرانية، وانضم إليهم الآن عدد من المتطوعين الذين سافروا إلى العراق وسوريا خلال السنوات الأربع الماضية "شهداء"، كما يصف موتهم الإيرانيون، من الألوان السياسية كلها.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه لا يوجد إحصاء رسمي عن عدد الضحايا الإيرانيين في العراق وسوريا، إلا أن المحللين الأجانب يقدرون عدد القتلى بحوالي 400 قتيل، بينهم ضباط من رتب عالية، لافتا إلى أنه تم التعتيم على حقيقة مشاركة الإيرانيين في العراق وسوريا في الإعلام الإيراني في البداية، إلا أنه تم تخفيف القيود عندما تقدم
تنظيم الدولة، واحتل أجزاء من العراق في عام 2014.
وينقل ستيل عن مدير معهد الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية كيهان برزاغيرر، قوله: "السلطات واثقة من دعم الرأي العام للوجود الإيراني في العراق وسوريا، في ما يتعلق بالدفاع عن الأمن القومي، وإحباط محاولات تنظيم الدولة اختراق الحدود الإيرانية".
ويلفت الموقع إلى الصور التي تنشر بشكل مستمر على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى صور "سيلفي" يرسلها متطوعون في العراق وسوريا لأنفسهم، مشيرا إلى أنه في مقبرة بهشتي الزهراء هناك صف من الأعلام الصفراء البراقة رفعت قوق صف من القبور، وزين أحد الأعلام بكلمة "
الفاطميون"، وهي كتيبة قاتلت في سوريا لعدد من السنوات، وعلى أحد القبور صورة شاب وخلفه قبة كبيرة لمسجد، وعلى القطعة الحجرية التي غطت قبره كتب اسمه، محمد حسين أكبري (17 عاما)، وآخر كتب على شاهد قبره "المدافع عن مزار السيدة زينب"، وهو مكان يزوره الشيعة في جنوب العاصمة دمشق، حيث يعتقدون بأن رفات حفيدة النبي محمد السيدة زينب مدفونة هناك، وعلى شواهد القبور الأخرى كتبت عبارات "مكان الشهداء" ودون حرج "سوريا".
ويلاحظ الكاتب أن "صور القتلى، ومعظمهم من المراهقين، تحمل ملامح وجوه شباب جاءوا من وسط آسيا أو (الهزارا)، وهم الشيعة في أفغانستان، الذين لا تتجاوز نسبتهم الـ10 بالمئة من مجمل عدد السكان، وجاء عشرات الآلاف منهم لاجئين إلى إيران خلال السنوات العشرين التي وصلت فيها حركة طالبان إلى السلطة، ودخلت بلادهم في حرب أهلية، وجاء التدخل الأجنبي فيما بعد، ويعيش معظمهم من خلال العمل في وظائف ذات أجور متدنية، وهناك عدد منهم تغريه عروض الحصول على الجنسية الإيرانية والسفر للقتال في سوريا".
ويقول حسيني للموقع إنه خدم لمدة 18 شهرا في سوريا، أولا في مواقع قرب بلدة داريا القريبة من دمشق، التي تتعرض منذ عامين لحصار من النظام، والآن في حلب، لافتا إلى أن هذه المدينة المقسمة دمرت؛ بسبب القتال المستمر الذي تصاعد منذ أسبوعين، حيث تسيطر المعارضة السورية على الجزء الشرقي من المدينة، وفشلت جهود قوات النظام مدعومة من الإيرانيين والطيران السوري بالسيطرة على هذا الجزء من المدينة عندما أرسلت قوات المعارضة تعزيزات أسهمت في فك الحصار.
وينوه ستيل إلى أن حسيني لا يتوقع حدوث أي انفراج وشيك، ويقول الكاتب: "عندما سألته عما إذا كان النظام يملك فرصة لاستعادة السيطرة الكاملة على المدينة، أجاب: 50-50، أي أن النسبة متساوية إيجابا وسلبا، وقال باقتضاب إن (الحرب ستستمر لأمد طويل)، وألقى باللوم على السعودية، التي زادت من دعم المعارضة بالسلاح، واتهم أيضا الولايات المتحدة بتسهيل وصول السلاح".
ويورد التقرير نقلا عن حسيني، قوله إن إعادة جبهة النصرة تسمية نفسها بفتح الشام، والاستقلال عن تنظيم القاعدة، لا يعبران عن تحول جذري في أيديولوجيتها، وأضاف أن جماعة أحرار الشام، التي تحظى بدعم من الولايات المتحدة، مرتبطة بجيش الفتح، ولا يمكن وصفها بالمعتدلة.
ويلاحظ حسيني تطورا يثير التفاؤل في السياسة التركية، حيث إن تصالح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتزامه بمكافحة التطرف، قد يؤديان إلى وقف السلاح عبر الحدود التركية إلى مقاتلي حلب، بحسب قوله.
ويذكر الموقع أن علي رضا مرادي (29 عاما)، الذي كان يزور المقبرة مع حسيني، عبر عن تشاؤمه من حصول تقدم في سوريا، وكان مثل صديقه، فلم يظهر أيا من التفاؤل القوي الذي يعبر عنه المقاتلون أو الجنود السابقون، الذين يشعرون أنهم بحاجة إلى الظهور بمظهر القوي عندما يتحدثون للإعلام، ومشيرا إلى أنه قضى ثلاثة أشهر في مدينة سامراء العراقية، التي يوجد فيها ضريح أحد الأئمة المبجلين لدى الشيعة، وقضى شهرا في حلب، وقضى سبعة أشهر في دمشق متطوعا في وحدات الباسيج، وهي مليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني، وانتهت خدماته في بداية عام 2014.
وينقل الكاتب عن مرادي قوله: "أعتقد أن الحرب في سوريا ستستمر لمدة عشرين عاما"، وأضاف متسائلا: "هل سمعت عن جبهة النصرة؟ بعض قادتها من الشيشان، ولديهم أسلحة جيدة وهم ذوو خبرة، بعد شل الروس في الشيشان قبل 20 عاما، ومن الصعب قتالهم"، مستدركا بأن مرادي لا يشك بالدور المهم الذي أداه المتطوعون الإيرانيون، فلولا مساعدتهم لعانى جيش النظام السوري من هزيمة، وقال إن "المتطوعين أكثر فعالية من الجيش السوري، الذي عانى جنوده الكثير من الكوارث داخل عائلاتهم، ما جعلهم مشوشين"، في إشارة إلى أن الكثير من العائلات منقسمة في ولائها لنظام بشار الأسد.
وبحسب التقرير، فإن مرادي التفت إلى قبر مقاتل أفغاني قائلا: "يذهبون لا يحملون شيئا، سوى الكلاشينكوف، و45 يوما من التدريب العسكري، وما يقودهم هو المساعدة الربانية والإرادة الخفية"، وعندما سئل عما إذا كان من الواجب تحذير الشبان الأفغان قبل ذهابهم إلى ساحة القتال، أجاب: "علي أن أوضح أمرا، هناك من يعتقد أن الأفغان يذهبون من أجل المال أو الجنسية، وهذا كذب، فهم يؤمنون بدينهم"، ويضيف: "الرغبة بالدفاع ليست أمرا متعلقا بالعمر، فهم يتوسلون لإرسالهم إلى سوريا، ويذهبون بحماس، فالحرب في العراق وسوريا هي حرب مقدسة، ويقوم تنظيم الدولة بقتل المسيحيين والمسلمين، السنة والشيعة".
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أن مرادي يعتقد أن الحرب يتم دفعها من "خلف الستائر"، عبر تجار السلاح، وشركات النفط، والحكومات الأجنبية، ويقول: "لا أقول إن إسرائيل، التي لا نعدها بلدا لأنها تحتل فلسطين هي التي تقوم بتوجيه الحرب، لكن من مصلحتها اندلاع حرب بين الدول السنية والشيعية لتبقى ضعيفة".