فيما تسيطر حالة من الترقب والحذر على السوق السوداء للعملة بمصر، فإن قلقا أكبر يسيطر على مسؤولي وقيادات البنك المركزي
المصري الذين يجدون عواقب وخيمة وكثيرة لكافة السيناريوهات المطروحة للتعامل مع الأزمة.
في الوقت الذي يواصل فيه البنك المركزي المصري قراراته الغريبة والمفاجئة التي انتهت بإغلاق ما يقرب من نصف شركات الصرافة في مصر، فقد واصل تجار العملة والسوق السوداء للدولار تحديهم لكافة القرارات، وحافظ سعر صرف الدولار على تماسكه في مستويات مرتفعة وقياسية أمام العملة المصري، حيث يجري تداوله في السوق السوداء عند مستويات تتراوح ما بين 12 جنيها و12.70
جنيه.
وقالت مصادر رسمية مطلعة بالبنك المركزي المصري، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21"، إن لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك لم تصل بعد إلى قرار في أزمة الدولار، ولكن بأي حال من الأحوال فإنها لن تقترب في الوقت الحالي من خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار في ظل ارتفاع معدلات التضخم وأسعار السلع والخدمات بنسبة قياسية.
وأشارت المصادر التي طلبت عدم ذكر اسمها، إلى أن الحكومة سوف تعتمد على الودائع والقروض الخارجية خلال الفترة المقبلة، سواء كان ذلك من خلال قرض صندوق النقد الدولي أم ودائع دول الخليج التي تسلم البنك المركزي منها مليار دولار من حكومة الإمارات خلال الأيام الماضية.
وكالة "بلومبيرغ" من جانبها طرحت خمسة سيناريوهات محتملة أمام لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، لحل أزمة تآكل احتياطي البلاد من النقد الأجنبي ودعم استقرار سوق الصرف.
أول هذه السيناريوهات هو "تعويم الجنيه"، وهو اتجاه محفوف بالمخاطر خاصة وأنه يتطلب وجود ثقة بين الأفراد والنظام من أجل ضخ مدخراتهم من العملة الأجنبية في القنوات الشرعية، وهو أمر مستبعد في ظل حالة الانشقاق التي تعيشها مصر في الوقت الحالي.
السيناريو الثاني هو العلاج بالصدمة، الذي يشمل جذب رأس المال الأجنبي عن طريق اللجوء إلى خفض آخر لقيمة الجنيه، وزيادة سعر الفائدة، وحماية المشترين الأجانب للسندات الحكومية من أي تخفيض في قيمة العملة، وتخفيف القيود على رأس المال. ولكن وفقا لمحللين فقد فشلت هذه السياسة في جذب تدفق رأس المال.
أما السيناريو المحتمل الثالث فيتمثل في "التعويم المدار"، على غرار ما حدث في 2003، حيث تم خفض قيمة العملة 25%، وتم تطبيق نظام التعويم المدار، حيث سمح البنك المركزي للجنيه بالتحرك، وفي الوقت نفسه تم ضخ دولارات داخل النظام البنكي للسيطرة على قيمة الجنيه.
وسبق أن اتبعت مصر هذه السياسة لمدة 10 سنوات حتى 2012، وتمكنت من خلالها من جذب مليارات الدولارات في الاحتياطي النقدي.
وأشارت الوكالة إلى أن الخفض التدريجي لقيمة الجنيه، هو سيناريو آخر محتمل، حيث إن التحكم القوي في العملة من قبل البنك المركزي في الـخمس سنوات الأخيرة، يشير إلى أن مصر ستخفض الجنيه بنسب محددة على المستقبل القريب.
وأوضحت الوكالة أن اتباع تلك السياسة لن يقضي على السوق السوداء بالضرورة، ولكنها سوف تقلل الفجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء لمستوى مقبول.
أما السيناريو الخامس والأخير فيتمثل في ألا تفعل مصر شيئا على الإطلاق تجنبا للغضب الشعبي، ما قد يوقف قرض صندوق النقد الدولي وفرص الاستثمار الأجنبي.
وقال أحد أعضاء جمعية المحللين الماليين بمصر، طلب عدم نشر اسمه، إن البنك المركزي سوف يلتزم الصمت حتى نهاية العام الجاري، ولن يتحرك قبل تحسن احتياطي النقد الأجنبي، لأنه في حال تحركه فإنه ليس في إمكانه سوى خفيض قيمة الجنيه مقابل الدولار وهو أمر مستبعد تماما في الوقت الحالي.
وأشار في تصريحات خاصة لـ "
عربي21"، إلى أن سياسة غلق شركات الصرافة التي اتبعها البنك المركزي بمشاركة الأجهزة الأمنية خلال الفترة الماضية فشلت في تحقيق استقرار في سوق الصرف، وما زالت المضاربات تتم على الدولار في السوق السوداء وهو يحتفظ بأسعار مرتفعة مقابل الجنيه.
وأوضح أن الأقرب للتطبيق خلال الفترة المقبلة هو "التعويم المدار" الذي بموجبه يتغير سعر صرف الدولار بشكل أسبوعي ومن خلال البنك المركزي المصري، ووفقا للعرض والطلب مع السماح بوجود هامش للتحرك فيه.. هذا الهامش يحدده البنك المركزي المصري.