نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا لرئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ريتشارد هاس، يعلق فيه على اتفاق وقف إطلاق النار، الذي توصلت إليه كل من الولايات المتحدة وروسيا صباح السبت، وقلل من أهميته في إنهاء الحرب المتعددة الجوانب في
سوريا، التي قال إنها نزاعات متعددة يشترك فيها أطراف ذوو أجندات مختلفة.
ويقول هاس في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إنه من الخطورة الاستثمار في هذا النزاع كثيرا، مشيرا إلى أن التزام طرف بالاتفاق لا يضمن التزام الطرف الآخر به، ويعلق قائلا إن "الاتفاق الذي أعلن عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، أحاطت به الآمال بقرب نهاية الحرب، التي أدت إلى مقتل مئات الآلاف من السوريين، وتشريد الملايين منهم داخل بلادهم وخارجها، وللأسف فلن يتم تحقيق هذه الآمال".
ويشير الكاتب بعد حديثه عن شروط
الهدنة، والتعاون الأمريكي الروسي في تطبيقها، واستهداف الجماعات المتشددة، مثل
تنظيم الدولة وجبهة
النصرة "حاليا جبهة فتح الشام"، وإيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، إلى ما يجب أن تقوم به
روسيا، بإقناع حلفائها من النظام بضرورة الالتزام بشروط الهدنة، بالإضافة إلى قيام الولايات المتحدة بالضغط على الجماعات السورية المعتدلة "لفك" ارتباطها مع جبهة النصرة.
وتساءل هاس عما إذا كان هناك أمل بنجاح وقف إطلاق النار، وعلق قائلا إن "الروس قد يكون لديهم استعداد للالتزام بوقف محدود لإطلاق النار، خاصة بعد تعزيز الدعم الروسي الإيراني موقف الحكومة السورية وأمنها في المستقبل القريب، ويمكنهما في هذه الحالة التعايش مع الوضع القائم، خاصة أن المبدأ الرئيسي في مواصلة العمليات العسكرية يعني عمليات مشتركة أمريكية روسية ضد تنظيم الدولة وجبهة النصرة".
ويرى الكاتب أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سينظر، ودون شك، للاتفاق على أنه فرصة للظهور بمظهر صانع السلام، بعد استخدامه القوة لتوسيع مصالحه في جورجيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى سوريا.
ويبين هاس أن "بعض المقاتلين يريدون فرصة للراحة من القتال، هذا هو المفترض أن يحدث، إلا أن الجانب العملي يشير إلى إمكانية تحول الأحداث، خاصة أن سجل الحكومة السورية فقير بالالتزام بتعهداتها، وحتى لو عبرت عن استعداد بالالتزام بالهدنة، فربما لن توافق جماعات المعارضة عليها، وفي الوقت ذاته هناك عدد من اللاعبين المشاركين في الحرب السورية، ومن ضمنهم إيران، وحزب الله، والسعودية، وتركيا، والأكراد، وكذلك جبهة النصرة، وتنظيم الدولة، ومن مصلحتهم الاستمرار في الحرب ولمدة أطول".
ويذهب الكاتب إلى أن "الحرب في سوريا هي عدة نزاعات في حرب واحدة، فخط النزاع كان ولا يزال بين حكومة بشار
الأسد والجماعات المعارضة لحكمه، إلا أن هناك خطوط صراعات أخرى بين تركيا والأكراد، وبين الولايات المتحدة وتنظيم الدولة، وتركيا معنية بإضعاف أكراد سوريا، أكثر من اهتمامها بتقويض سلطة الأسد، أو القضاء على تنظيم الدولة، وفي الوقت ذاته يرغب حزب الله وداعموه الإيرانيون بإنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية اللبنانية".
ويلفت هاس إلى أن عدد اللاعبين من ذوي الأجندات المختلفة يؤثر في فرص نجاح الهدنة، ويشكك بقدرة الولايات المتحدة وروسيا على فرض الهدنة؛ نظرا لانخراطهما المحدود في الحرب، وبسبب ضعف القوى المحلية.
ويقول الكاتب إن "التحليل المتشائم للوضع عادة ما يقود الأطراف إلى التركيز على الجهود الدبلوماسية، وأثبتت الأخيرة عبثيتها، حيث لا تقوم بتشكيل الظروف على الأرض بقدر ما تكون هي انعكاس لها، والسؤال ماذا نفعل لنبني أملا من خلال هذا كله؟".
ويجيب هاس أن "البديل هو محاولة تغيير الظروف على الأرض، وذلك عبر تأمين مناطق معينة، أي بناء (مناطق آمنة)، ولا يخفى أن خيارا كهذا يقتضي توفير غطاء جوي، وقوات برية من الفصائل المعارضة والدول الجارة الداعمة لقضيتها، وحتى لو حدث هذا فإنه لن ينهي الحرب في المستقبل القريب".
ويخلص هاس إلى أنه "في غياب وقف إطلاق نار عام، وحكومة انتقالية تقوم بالتخطيط لمرحلة ما بعد الأسد، فإن الخيار الواقعي المتوفر هو حماية الجيوب الآمنة الموجودة، وتخفيف الثمن الإنساني، وفعل كهذا ربما كان متواضعا، إلا أن أي عمل متواضع في الشرق الأوسط يعد طموحا عاليا".